عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Nov-2024

المجاعة والتواطؤ الأمريكي*إسماعيل الشريف

 الدستور

 ليْسَ المُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ – حديث شريف
 
لم تكتفِ الولايات المتحدة بالمشاركة في قتل أهالي غزة بقنابلها وأسلحتها، بل تتحمّل أيضًا مسؤولية مباشرة عن تجويعهم!
 
أصدرت لجنة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المعروفة بـIPC، وهي أداة لتحليل الأمن الغذائي ومقياس موحد يدمج بيانات الأمن الغذائي من مختلف المنظمات الأممية والدولية المعنية بالغذاء، إصدرت عدة تقارير تحدثت عن انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة. وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة لا تعلن عن وجود مجاعة من عدمه، بل تكتفي بتوفير التحليل والأدلة اللازمة للمنظمات الدولية، التي تقوم بدورها بإعلان المجاعة عند استيفاء المعايير.
 
من أهم التقارير التي أصدرتها اللجنة تقرير يشير إلى أن 20% من الأسر في غزة تعاني من نقص حاد في الغذاء، وأن 30% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، مع زيادة في الوفيات لا تقل عن حالتين لكل 10,000 نسمة. هذه المؤشرات تتوافق مع معايير إعلان المجاعة.
 
وتحدث تقرير آخر للجنة عن أن 1.84 مليون فلسطيني في غزة يعانون من المرحلة الثالثة من بين خمس مراحل لانعدام الأمن الغذائي، أي ما يعادل 86% من سكان القطاع. كما أشار التقرير إلى أن سكان شمال غزة قد وصلوا إلى المرحلة الخامسة، وهي المرحلة الأشد حدة، من انعدام الأمن الغذائي.
 
في 7 أكتوبر 2024، نشر المركز الدولي للتخطيط تقريرًا موجزًا أظهر وجود 60,000 حالة سوء تغذية بين الأطفال في قطاع غزة، مع معاناة 20% من هذه الحالات من سوء تغذية حاد. خلص التقرير إلى وجود مجاعة في شمال غزة، مشيرًا إلى تصاعد الأعمال العدائية من قبل جيش الاحتلال ونزوح السكان.
 
مما اضطر الولايات المتحدة الى ارسال رسالة موقعة من وزير الخارجية بلينكن ووزير الدفاع أوستن ، تطالب فيها الدولة المارقة باتخاذ خطوات فورية لتحسين الوضع الإنساني في غزة خلال 30 يومًا. تضمنت المطالب السماح بدخول 350 شاحنة مساعدات يوميًا إلى القطاع، وفتح معبر خامس، وضمان عدم تهجير سكان شمال غزة. حذرت الرسالة من أن عدم الامتثال قد يؤدي إلى مراجعة سياسات تزويد الصهاينة بالأسلحة. 
 
رد الكيان الصهيوني على هذه الرسالة بتصويت الكنيست على حظر عمل الأونروا في كل فلسطين المحتلة، حيث صوّت 92 نائبًا بالموافقة، بينما رفض 10 فقط. ثم خرج المتحدث باسم جيش الاحتلال مدعيًا كذبًا أنه لم يتبقَّ أي سكان في شمال غزة، مؤكدًا أنه لن يُسمح لأي من سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم.
 
وقبل انتهاء فترة الإنذار الأمريكية، وفي 8/11، صدر تقرير جديد يُظهر أن شمال القطاع بات على بعد أيام فقط من المجاعة، وأن الوضع هناك أسوأ بكثير من أسوأ السيناريوهات التي تم وضعها مسبقًا. وقد أيد جميع المدراء الأمميين هذا التقرير، وأصدروا توصيات عاجلة بضرورة إدخال المساعدات فورًا ووقف استهداف المؤسسات الطبية.
 
هذا التقرير تسبب في إحراج كبير للولايات المتحدة، ما دفع المتحدث باسم البيت الأبيض إلى التصريح بقلق واشنطن من عدم إدخال المساعدات بشكل كافٍ إلى شمال غزة. لكنه سارع إلى تدارك الأمر بتأكيد أن هذا الوضع لن يؤثر على استمرار تزويد الكيان الصهيوني بالسلاح، مكذبًا في الوقت ذاته جميع التقارير وتصريحات المسؤولين عن الغذاء بشأن وجود مجاعة في غزة.
 
لو اعترف المتحدث صراحة بأن الدولة المارقة تقوم بتجويع أهالي غزة، لكان لزامًا على الولايات المتحدة تطبيق قانون ليهي، الذي يحظر تزويد أي دولة أو منظمة تنتهك حقوق الإنسان بالسلاح.
 
سياسة الدولة المارقة، المتواطئة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، في تجويع أهل غزة وفصل شمال القطاع عن باقي المناطق وترحيل سكانه ليست خطة سرية. بل إن مهندسيها يعلنون بوضوح أن تجويع أهل غزة، وخاصة سكان شمالها، هو جزء من مخططهم.
 
نشاهد تصريحات الساسة الغربيين وهم يذرفون الدموع على قطعان المشجعين الصهاينة المعتدين وهم يُضرَبون، بينما لا أحد يذرف دمعة واحدة على آلاف أطفال غزة الشهداء الذين قضوا تحت القصف أو جوعاً!
 
الدولة المارقة لا تختلف أبداً عن أي دولة استعمارية أخرى تدّعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك، تسببت في وفاة مليوني طفل عراقي نتيجة الحصار. وعندما واجه أحد الصحفيين وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت بشأن هذه الكارثة، برّرت الأمر ببرود، قائلة إن «الثمن يستحق ذلك»، في مشهد يُبرز تناقض الشعارات الإنسانية التي تُروّج لها مع الواقع الحقيقي لسياساتها.