الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
إيلي بئيري* - (مجلة 972+) 12/12/2024
مع تقدم الجيش الإسرائيلي إلى سورية بعد سقوط الأسد، مجموعة تروج للمستوطنات في لبنان توجه أنظارها شرقاً.
في غضون ساعات من سقوط نظام الأسد، كانت القوات الإسرائيلية تتقدم بالفعل إلى داخل الأراضي السورية، وقامت باحتلال الجانب السوري من جبل حرمون/ جبل الشيخ والمنطقة العازلة بين سورية ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، والتي ظلت قائمة كما هي منذ أكثر من نصف قرن. لكنّ الجيش لم يكن الوحيد الذي سارع إلى رد الفعل على الحدث السوري؛ هكذا فعلت أيضًا حركة المستوطنين الإسرائيليين.
كتب أحد أعضاء "أوري تسافون" (1) Uri Tsafon -المجموعة التي تأسست في وقت سابق من هذا العام للترويج للاستيطان الإسرائيلي في جنوب لبنان- في مجموعة الـ"واتساب" الخاصة بالمنظمة: "علينا أن نغزو وندمر. بأكبر قدر ممكن، وبأسرع ما يمكن". وكتب عضو آخر في المنظمة: "نحن في حاجة إلى التحقق بشأن ما إذا كان سيصبح مسموحاً للإسرائيليين، وفقًا للقوانين الجديدة في سورية، بالاستثمار في العقارات، والبدء في شراء الأراضي هناك". وفي مجموعة "واتساب" أخرى للمستوطنين، شارك الأعضاء خرائط سورية، وحاولوا تحديد المناطق المحتملة للاستيطان هناك.
بالإضافة إلى ذلك، عبّرت حركة "نحالا" (2) -بقيادة دانييلا فايس، التي تقود الجهود في الأشهر الأخيرة لإعادة الاستيطان في قطاع غزة- عن شعور مماثل في منشور شاركته على منصة "فيسبوك". وجاء في المنشور: "أي شخص ما يزال يعتقد أنه من الممكن ترك مصيرنا في أيدي لاعب أجنبي -إنما يخون أمن إسرائيل ويتخلى عنه! الاستيطان اليهودي هو الشيء الوحيد الذي سيحقق الاستقرار والأمن الإقليميين لدولة إسرائيل، إلى جانب اقتصاد مستقر، ومرونة وطنية، وردع قوي".
وأضاف المنشور: "في غزة، في لبنان، في مرتفعات الجولان بأكملها بما في ذلك ’الهضبة السورية‘، وفي جبل حرمون بأكمله"، وأرفق خريطة توراتية بعنوان "حدود إبراهام"، والتي تشمل فيها أراضي إسرائيل لبنان بأكمله، بالإضافة إلى معظم سورية والعراق.
وليس هذا مجرد كلام؛ إن هذه المجموعات تعني ما تقوله وتُتبعه بالعمل. وقد حددت "نحالا" بالفعل الأماكن التي تخطط لبناء مستوطنات يهودية جديدة فيها في جميع أنحاء قطاع غزة، وتدّعي المجموعة أن أكثر من 700 عائلة إسرائيلية أعلنت التزامها بالانتقال إلى هناك عندما تسنح الفرصة (دانييلا فايس نفسها ذهبت بالفعل إلى غزة مع مرافقة عسكرية لاستكشاف المواقع المحتملة). وفي الأسبوع الماضي، قامت حركة "أوري تسافون"، التي كانت تنظر الوقت المناسب خلال العام الماضي، بمحاولتها الأولى للاستيلاء على أراضٍ في جنوب لبنان -حيث ما يزال الجنود الإسرائيليون موجودين بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
في 5 كانون الأول (ديسمبر)، قام مؤسس المجموعة، عاموس أزاريا، وهو أستاذ لعلوم الحاسوب في "جامعة أريئيل" في الضفة الغربية المحتلة، بعبور الحدود إلى لبنان مع ست عائلات، في محاولة لإنشاء بؤرة استيطانية. وقد وصلوا إلى منطقة مارون الراس، على بعد كيلومترين تقريبًا داخل الأراضي اللبنانية، وزرعوا أشجار الأرز تخليدًا لذكرى جندي إسرائيلي كان قد سقط في معركة في لبنان قبل شهرين. ومرت ساعات عدة قبل أن يقوم الجيش الإسرائيلي بإخلائهم وإجبارهم على العودة إلى إسرائيل. (في الرد على طلب من المجلة الإلكترونية الإسرائيلية، "أسخن مكان في الجحيم"، للتعليق على هذه الحادثة، قالت الشرطة الإسرائيلية إنه، وفقًا للجيش، لم يعبر أي مدني إسرائيلي إلى لبنان).
حتى في وقت سابق، في حزيران (يونيو)، في "مؤتمر لبنان الأول" الذي نظمته حركة "أوري تسافون"، والذي عقد عن طريق تطبيق "زووم"، كان الأعضاء يتحدثون مسبقًا عن الاستيطان في سورية. وقال الدكتور هاجي بن أرتسي؛ صهر بنيامين نتنياهو والعضو في المجموعة، للحضور، إن حدود إسرائيل يجب أن تكون تلك التي وُعد بها الشعب اليهودي في الأزمان التوراتية. وقال: "إننا لا نريد حتى مترًا واحدًا وراء نهر الفرات. نحن متواضعون. (ولكن) ما وُعدنا به، يجب أن نغزوه ونحتله".
ومع سقوط نظام الأسد وتقدم القوات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، كان أعضاء المجموعة حريصين على اغتنام الفرصة. وقال أزاريا لمجلة "أسخن مكان في الجحيم" الإسرائيلية: "لقد دعونا الحكومة إلى الاستيلاء على أكبر قدر ممكن مما كان أرضًا سورية. المتمردون هم تمامًا (مثل) ’حماس‘. ربما يصدرون الآن أصواتًا لطيفة، لكنهم في النهاية أولئك السُّنيون الذين سيعثرون على العدو المشترك، الذي هو نحن. إننا في حاجة إلى بذل أكبر قدر ممكن الآن، بينما ما يزال ذلك ممكنًا".
في 11 كانون الأول (ديسمبر)، زعمت مجموعة صغيرة من المستوطنين الإسرائيليين أنهم عبروا إلى منطقة من الأراضي السورية التي تخضع الآن لسيطرة الجيش الإسرائيلي، حيث قاموا بتصوير أنفسهم وهم يصلّون. ولم يردّ الجيش الإسرائيلي بعد على طلب قدمته "مجلة 972+" للتعليق على هذه الحادثة.
"أكثر الأشياء أهمية هو أن تكون على الجانب الآخر من السياج"
أخذت منظمة "أوري تسافون" اسمها من آية توراتية تقول: "استيقظ يا شمال". ويصف موقعها على الإنترنت لبنان بأنه "دولة ليست موجودة أو عاملة حقاً"، ويدّعي أن الامتداد الحقيقي للجليل الشمالي الإسرائيلي يمتد شمالاً حتى نهر الليطاني اللبناني -الذي وصلت إليه القوات الإسرائيلية تمامًا في وقت دخول اتفاق وقف إطلاق النار الأخير حيز التنفيذ، بعد أن شردت قسرًا عشرات الآلاف من سكان القرى الجنوبية اللبنانية في هذه العملية.
وقال أزاريا لمجلة "أسخن مكان في الجحيم": "بدأنا انطلاقتنا بأنشطة أكثر هدوءاً. دعونا الحكومة والجيش إلى الذهاب وخوض حرب في الشمال... (و) سافرنا إلى ’جبل ميرون‘ تحت قاعدة القوات الجوية وقمنا بعملية استطلاع باتجاه لبنان".
لكن محاولة الأسبوع الماضي لإنشاء بؤرة استيطانية في جنوب لبنان كانت بمثابة إيذان بدخول المجموعة مرحلة جديدة من النشاط، تهدف إلى إجبار الحكومة على اتخاذ موقف متساهل. وقال أزاريا: "كان الهدف، وما يزال، هو إقامة مستوطنة في لبنان. نحن لا ننتظر أن تقول لنا الدولة، ’تعالوا‘ -نحن نعمل على جعل ذلك يحدث".
ووفقًا لأزاريا، فإن الحركة تضم مسبقًا آلاف الأعضاء "المتحمسين والمهتمين للغاية" بأنشطتها. ولم يتم الإعلان عن نشاط الأسبوع الماضي مسبقًا، لأن "(الجيش) كان سيمنعنا ولا يسمح لنا بالدخول". وبالتأكيد لم يواجه ناشطو المنظمة مقاومة كبيرة لدى دخول الأراضي اللبنانية. وقال أزاريا: "كانت البوابة مفتوحة وعبرنا بمركباتنا إلى هناك فحسب".
لا ينتاب أزاريا القلق من أنهم لم ينجحوا في تلك المحاولة؛ في الواقع، ينظر إلى قيام الجيش بإخلائهم على أنه الخطوة الأولى في خطة عمل طويلة الأمد، من النوع الذي ميز حركة المستوطنين منذ إنشائها قبل أكثر من نصف قرن.
وأوضح أزاريا: "في المرة الأولى التي يتم فيها طردنا، نذهب. في المرة الثانية، نبقى لفترة أطول. في المرة (الثالثة)، نبقى ونقضي الليل. وهكذا نستمر حتى تكون هناك مستوطنة. في البداية يقوم (الجيش) بهدمها ثم يصِلون إلى اتفاق على أن تكون هناك مستوطنة واحدة وهذا كل شيء. وفي الأثناء، نبدأ العمل على المستوطنة التالية. قد لا يكون من الواقعي أن تبني الدولة مستوطنة (بمبادرة منها هي)، لكنّ هذا لا يعني أن الدولة يجب أن تهدم مجتمعًا نكون قد بنيناه".
وتابع: "في المرحلة الأولى، سوف نستوطن حيثما أمكننا ذلك. ليس هناك اهتمام بموقع معين. أهم شيء هو أن تكون على الجانب الآخر من السياج. علينا أن نحارب محرمات الحدود التي أنشأتها فرنسا وإنجلترا قبل 100 عام. سوف نعيش على الحدود اللبنانية إن شاء الله، وإذا كنّا هناك، ستتحرك الحدود شمالاً وسوف يحرسها الجيش".
وأضاف أزاريا: "مثلما يقاتل الجيش في كل من غزة والشمال، الأمر نفسه سينطبق على المستوطنات: علينا أن نستوطن في كل مكان. في غزة، هناك ’نحالا‘ والعديد من الهيئات الأخرى (التي تروج للاستيطان). في الشمال، نحن الحركة الوحيدة التي تتعامل حقاً مع هذا الأمر الآن. ’نحالا‘ تفعل ذلك أكثر مع امتلاك تصاريح. نحن نعمل بطريقة أكثر قربًا من طابع ’رأس الحربة‘".
يثق أزاريا في أن الدعم سيأتي من المستوى السياسي. ويوضح: "عندما أسستُ (أوري تسافون)، لم يكن الناس يتحدثون عن الاستيطان في جنوب لبنان على الإطلاق. نحن نغيّر الخطاب. نحن على اتصال مع أعضاء في الكنيست. أفترضُ أنه مثلما استغرق الأمر وقتًا للموافقة على الحديث عن الاستيطان في غزة، سيستغرق الأمر أيضًا وقتًا لبدء الحديث عن الاستيطان في لبنان. ذكَر (عضو الكنيست من الليكود) أرييل كالنر شيئا. (وكذلك فعلت عضو الكنيست من "العظمة اليهودية") ليمور سون هار-ميليخ. ببطء، سيجرؤ المزيد والمزيد من الناس على التحدث عن هذا".
*إيلي بيري Illy Pe’ery: صحفي استقصائي ومحرر مشارك في المجلة الإسرائيلية المستقلة الإخبارية على الإنترنت "أسخن مكان في العالم" The Hottest Place in Hell.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: ‘As much and as quickly as possible’: Israeli settlers eye land in Syria, Lebanon
هوامش المترجم:
(1) "أوري تسافون": حركة إسرائيلية تدعو إلى الاستيطان اليهودي في جنوب لبنان، مستوحاة من رؤية يسرائيل سوكول (24 عاماً)، جندي لواء جفعاتي الذي كان يحلم بإقامة وجود يهودي في المنطقة، وقتل في معارك قطاع غزة في كانون الثاني (يناير) 2023. يجادل مؤيدو الحركة بأن من شأن استيطان جنوب لبنان أن يؤمن شمال "إسرائيل" ويستعيد ما يرونه حدودهم التوراتية. تشجع الحركة الاستيطان كوسيلة لضمان الأمن على المدى الطويل لشمال "إسرائيل"، مؤكدة أنه لا يمكن الحفاظ على الاستقرار إلا من خلال الوجود المدني ومنع المنطقة من أن تصبح معقلاً لـ"لإرهابيين".
(2) نحالا: حركة استيطانية أسسها الحاخام اليهودي موشي لفينجر (الإنجليزية) ودانيلا فايس في العام 2005. وهما من قادة منظمة "غوش إيمونيم" (كتلة الايمان). وتهدف الحركة الى استيطان ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة من خلال الدعوة للاستيطان وإقامة البؤر الاستيطانية والمنشآت العامة وتنظيم المسيرات. تعد نحالا استمراراً لمنظمة "غوش إيمونيم". في بداية عملها، تألفت الحركة من حركتين: "الموالون لأرض إسرائيل"؛ و"شباب من أجل أرض إسرائيل". وبعد بضع سنوات، حملت اسم "حركة نحالا للاستيطان". يتركز نشاط الحركة بشكل أساسي في أراضي الضفة الغربية وغزة -وعلى نحو أقل في الجليل.