عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Oct-2025

كتاب يوثق ويرصد محطات تاريخية مفصلية لقضاء الخليل

 الغد-عزيزة علي

 تحمل صفحات كتاب "قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني 1335-1368هـ/1917-1948م"، للمؤلفين الدكتور محمد سالم الطراونة والدكتور شاكر محمد الطراونة، دراسة معمقة لتاريخ قضاء الخليل خلال مرحلة حرجة من تاريخ فلسطين، من انحسار النفوذ العثماني إلى سيطرة الانتداب البريطاني، مستعرضا الأبعاد الجغرافية، الإدارية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية التي ميزت هذه الفترة.
 
 
وقد اهتم الباحثان بتوثيق الأحداث بدقة من خلال وثائق الأرشيف الصهيوني، والسجلات العثمانية والشرعية، والصحف والمجلات المعاصرة، إلى جانب الكتب الحديثة والمذكرات الشخصية لشخصيات بارزة كان لها دور في قضاء الخليل.
ويحتوي الكتاب الذي جاء ضمن سلسلة "فكر ومعرفة" الذي تصدره وزارة الثقافة، على خمسة فصول رئيسية، تبدأ بعرض المصادر والمراجع، مرورا بالجغرافيا والأوضاع الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، وصولا إلى الأوضاع السياسية والثورات والمعارك التي شهدتها المدينة، مع تحليل دور القضاء في الأحزاب الفلسطينية وجمعية الشبان المسلمين.
ويتميز الكتاب بأسلوبه العلمي والرصين، مع لمسة أدبية تعكس الحميمية والوفاء للتاريخ الفلسطيني، ويهدي المؤلفان هذا العمل إلى روح الراحل عبد الله جلال الطراونة، مع التأكيد أن ذكراه ستبقى خالدة في القلوب. واستهل الإهداء بكلمات مؤثرة جاء فيها: "ليست في أوراقي كلمات كبيرة، فالحروف مهما تسامت واتسعت تبقى واهية، ضيقة هي الحدود أمام عظمة المشاعر وامتداد المعاني..
الكلمات ضاعت، وانزلقت من دفتري، وتاهت طليقة في رحاب فكري.. الحبر جف من قلمي، ملأتُ به صفحات طويلة، ولم أستطع أن أقول شيئا... فأبقيت كلماتي خرساء".
جاء في مقدمة الكتاب، إن فلسطين تحتل مكانة متميزة في أفئدة العرب والمسلمين في شتى أرجاء العالم، فهي من الوطن العربي بمنزلة الشرايين من الجسد، والأرض المباركة التي كانت مهبط الرسالات ومهد الأنبياء. وفيها المسجد الأقصى، مسرى الرسول الكريم ﷺ، والأرض التي باركها الله تعالى وما حولها. ويعد قضاء الخليل من أكناف بيت المقدس، وبوابته الجنوبية، ومهد النبي إبراهيم الخليل عليه السلام. ولئن الأقدار شاءت، وتكالبت المحن على هذا الوطن العزيز، فإن ما يمليه الضمير العلمي علينا هو أن ندرس تاريخه، ونرصد إنجازاته، لتبقى حاضرة في الذاكرة على مر الزمان، ولإيقاظ الإحساس نحو هذا المكان المقدس.
ويشير المؤلفان إلى أن اختيار موضوع هذه الدراسة جاء لاعتبارات عدة، أهمها: أولا: الارتباط التاريخي والإداري والجغرافي بين قضاء الخليل ومدينة القدس. ثانيا: الدور الكبير الذي اضطلع به قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، ولا سيما في المجال السياسي، وما شهده من ثورات ومعارك كان لقضاء الخليل حضور بارز فيها.
ثالثا: ما شهدته فلسطين من هجرات صهيونية منظمة، وسعي لجعل الخليل موطنا لليهود لما تتميز به من موقع استراتيجي، وحلقة وصل بين بلاد الشام وشرق الأردن ومصر.
رابعا: ندرة الدراسات التي تناولت قضاء الخليل في فترة الانتداب البريطاني، الأمر الذي استدعى توثيق معالم الحياة في هذا الجزء المهم من فلسطين، في مرحلة عانى فيها التاريخ الفلسطيني من إغفال الباحثين والدارسين.
وقد جاء اختيار الفترة الواقعة بين 1335-1368هـ / 1917-1948م موضوعا لهذه الدراسة، بهدف البحث في تاريخ قضاء الخليل وجغرافيته، وفي مختلف جوانب الحياة الإدارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية خلال تلك المرحلة التي شهدت تحولات جذرية في تاريخ فلسطين، إذ مثلت مرحلة الانتقال من الحكم العثماني إلى الانتداب البريطاني.
تميزت هذه الحقبة بانحسار النفوذ العثماني وانتهاء وجوده في فلسطين، وظهور الانتداب البريطاني كقوة استعمارية طامعة في الأرض الفلسطينية، ساعية إلى تحقيق ما تضمنه وعد بلفور (1917م) من إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بدعم مباشر من سلطة الانتداب.
وجاءت هذه الدراسة في خمسة فصول رئيسية؛ تناول الفصل الأول عرضا لأهم المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها، من حيث معاصرتها للأحداث وموضوعيتها. وتمثلت هذه المصادر في وثائق الأرشيف الصهيوني، الذي يضم مختلف الوثائق البريطانية والعربية والعبرية التي تناولت واقع فلسطين عامة، وقضاء الخليل خاصة.
كما استفادت الدراسة من سجلات المحكمة الشرعية في الخليل، والسالنامات العثمانية التي وثقت جوانب الحياة في قضاء الخليل خلال أواخر العهد العثماني. أما الصحف والمجلات، فقد كانت ذات أهمية بالغة، إذ رصدت بصورة يومية ودقيقة الأوضاع الإدارية والاجتماعية والاقتصادية في الخليل. واشتمل الفصل على الكتب الحديثة والمذكرات الشخصية لشخصيات كان لها دور بارز في قضاء الخليل خلال تلك الحقبة.
وتناول الفصل الأول من الدراسة جغرافية قضاء الخليل، من حيث الموقع والحدود التاريخية، والتضاريس الطبيعية بمختلف أنواعها، ومصادر المياه من آبار وعيون وبرك، والأحوال المناخية السائدة في القضاء من حيث الأمطار ودرجات الحرارة والرياح والغيوم. كما تضمن الفصل تعداد القرى المأهولة بالسكان في قضاء الخليل، وبيان عدد سكانها وتوزيعهم الجغرافي.
أما الفصل الثاني، فقد خصص لدراسة الأوضاع الإدارية في قضاء الخليل، وتناول التقسيمات الإدارية في أواخر العهد العثماني، ثم خلال فترة الانتداب البريطاني، مع عرض تفصيلي للجهاز الإداري ومكوناته في القضاء، والدوائر الحكومية العاملة فيه، وأسماء من تولوا المناصب العامة والوظائف الإدارية المختلفة. واختتم بالحديث عن المحاكم والنظام القضائي، والوظائف الدينية.
أما الفصل الثالث، فتناول الأوضاع الاجتماعية في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، متطرقا إلى السكان والإحصاءات السكانية الخاصة بالقضاء في تلك المرحلة، كما عرض الفئات السكانية من مسلمين ومسيحيين ويهود.
وتضمن الفصل دراسة للحركة التعليمية والثقافية والصحية في قضاء الخليل، إضافة إلى دور المرأة ومكانتها وتأثيرها في الحياة الاجتماعية خلال فترة الدراسة. وتناول جانبا توثيقيا عن الملابس الشعبية السائدة في قضاء الخليل آنذاك، وما تعكسه من ملامح الهوية والتراث المحلي.
خصص الفصل الرابع للأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، وتناول أنواع الأراضي وأصنافها، وسبل استغلالها، والقوانين البريطانية لتنظيم حيازة الأراضي خلال فترة الانتداب البريطاني، وتحدث الفصل عن الزراعة وطبيعة الأراضي الزراعية والثروة النباتية، واستعرض حاصلات قضاء الخليل من الحبوب والفواكه والخضراوات.
كما تناول الفصل الثروة الحيوانية والطيور، موضحا حجمها وكميتها في قضاء الخليل خلال فترة الدراسة. وعرض المستوى المعيشي والأسعار في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، وبين الصناعات والحرف والمهن التي كانت سائدة في القضاء خلال فترة الدراسة.
وتناول الفصل أيضا التجارة الداخلية والخارجية في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، والضرائب وطرق الجباية في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، والحديث عن المواصلات والطرق الداخلية والخارجية في قضاء الخليل، وعن الموازين والمكاييل والمقاييس وكيفية توحيدها في أرجاء فلسطين كافة، وختم هذا الفصل بعرض النقود المتداولة في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني.
وقد تناول الفصل الخامس، الأوضاع السياسية في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، بدءا من دخول القوات البريطانية إلى الخليل والسيطرة عليها، مرورا بالثورات والمعارك التي كان للقضاء دور بارز فيها، وانتهاء بنشاط الأحزاب الفلسطينية في المنطقة، بما في ذلك دور جمعية الشبان المسلمين في الخليل وتأثيرها السياسي خلال تلك الفترة.
وفي خاتمة الدراسة، يقول الباحثان إنهما قد أنجزا هذا العمل الذي لم يكن ليتحقق لولا توفيق الله ورعايته. وبعد دراسة وتحليل المادة البحثية، توصل الباحثان إلى جملة من النتائج، من أبرزها: "تنوعت المصادر والمراجع التي تناولت قضاء الخليل خلال فترة الدراسة، ولعل من أهمها وثائق الأرشيف الصهيوني، التي لم تغفل سرد الأحداث بصورة يومية ودقيقة، مبينة جميع جوانب الحياة في قضاء الخليل خلال فترة الدراسة. كما لعبت الصحف والمجلات دورا بارزا في إثراء البحث، حيث أثرت المقالات الواردة في الصحف الدراسة بشكل كبير.
ولم تختلف النواحي الجغرافية في قضاء الخليل عما أوردته الدراسات السابقة واللاحقة لفترة الدراسة، إذ يلاحظ أن هناك تشابها واضحا بين هذه الدراسات والدراسة الحالية من الناحية الجغرافية. وقد تعددت المناصب الإدارية في قضاء الخليل خلال فترة الانتداب البريطاني، كما استحدثت الحكومة البريطانية وظائف جديدة، أبرزها حاكم اللواء ومساعد حاكم اللواء.
وشغل اليهود العديد من المناصب الإدارية كخطوة أولى من الحكومة البريطانية لتنفيذ وعد بلفور. كما أدخلت الحكومة البريطانية اللغة العبرية كلغة رسمية في الدوائر الحكومية والمعاملات، وجميع السجلات التي تخص فترة الدراسة إلى جانب اللغتين العربية والإنجليزية، وهذه الخطوة تمثل محاولة واضحة من سلطات الانتداب لتهويد الأراضي الفلسطينية. وكانت العلاقات الاجتماعية بين العرب واليهود في بداية دخول اليهود إلى أراضي فلسطين وطيدة ومتينة، وهو ما يتضح من خلال المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي وثقتها المصادر الأصلية المستخدمة في الدراسة، إلا أن هذه العلاقات شهدت تراجعا واضحا بعد اندلاع المعارك والثورات التي شهدتها فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني.
كان اليهود هم من يديرون الأسواق التجارية في الخليل، إلى جانب عدد محدود من العرب. وعند قيام الثورات والمعارك في المدينة، شهدت الأسواق تراجعا في حركة البيع والشراء نتيجة خروج اليهود منها. وقامت الحكومة البريطانية بسن قوانين جديدة، لا سيما المتعلقة بالأراضي، وجعلت هذه القوانين بما يخدم مصالح اليهود، حتى تمكنوا من السيطرة على الأراضي وحققوا ما أرادوا. كما ألغيت العملة العثمانية المتداولة، وأقرت الحكومة البريطانية نظاما نقديا جديدا أصبح معتمدا في الأراضي الفلسطينية كافة. وشهدت جبال الخليل حركات ثورية متواصلة ضد الحكومة البريطانية، ولم يمر يوم إلا وكانت المدينة مسرحا لمعارك مسلحة مع الجنود البريطانيين، في إطار المقاومة الشعبية ضد الاحتلال".