عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2025

"ChatGPT" في عيون كبار السن.. هل يمكن أن يكون "عكازا" معرفيا ونفسيا؟

 الغد-رشا كناكرية

 يوما بعد آخر يزداد التطور الرقمي وتتسع آفاقه أمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، واليوم أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا أساسيا من الحياة، يتجهون إليه عند كل استفسار أو سؤال كحل سريع ومختصر للوقت، حتى بات "ChatGPT" الرفيق لهم في كثير من الأحيان.
 
 
اختصار للوقت، وتبادل للآراء، وراحة من عناء البحث الطويل، هذا ما يقدمه ChatGPT لمستخدميه.
 ومؤخرا، نشأت علاقة طريفة وإيجابية بين كبار السن والذكاء الاصطناعي، حيث باتوا يقبلون عليه لفهم هذا العالم الرقمي بعيدا عن تعقيداته.
وجد الكثير من كبار السن في هذا التطبيق سهولة وراحة بالتعامل، ليصبح مقصدهم الأول للعديد من الاستفسارات، بعيدا عن انزعاج الآخرين بكثرة الأسئلة.
في موقف طريف، وجدت زينب والدها البالغ من العمر 61 عاما يتحدث إلى هاتفه ويسأله عن شيء ما، وكان المشهد بالنسبة لها غريبا ومضحكا في الوقت نفسه.
وعندما سألت والدها عمن يتحدث، أخبرها أنه يسأل ChatGPT عن أمر ما. فما كان منها إلا أن تسأله: لماذا لم يسألها هي؟ ليجيبها مبتسما: "هو بيعرف أكثر منك وأسرع"، على حد قولها. وتشير زينب إلى أنها هي من حملت التطبيق على هاتف والدها، لكنها لم تتوقع أن يستخدمه بهذه الطريقة.
وتوضح زينب أنها لاحظت موخرا أن والدها أصبح يلجأ إليه في كثير من الأمور التي لا يعرف معناها في زمننا الجديد، مبينة أن بساطة التطبيق وسهولة الحوار معه جعلاه يعتمد عليه في الإجابة عن العديد من أسئلته.
وربما تبدو هذه المواقف بسيطة، لكنها تحمل في طياتها دلالة واضحة على أن كبار السن بدأوا يدخلون عالم التكنولوجيا الرقمية، الذي بات يشكل جزءاً كبيرا من يومنا، ليواكبوا بذلك سرعة العصر الرقمي ويصبحون جزءا أساسيا من تفاصيله.
واجتماعيا، يبين الدكتور محمد جريبيع أن الذكاء الاصطناعي فكرة واقعية ينبغي التعامل معها بجدية، باعتبارها حقيقة قائمة، موضحا أن الذكاء الاصطناعي سيحدث تغييرات كبيرة في حياتنا، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على الصعيد المهني أيضا.
ويؤكد جريبيع أن الذكاء الاصطناعي يعد أحد أهم منتجات التكنولوجيا، ويجب التعامل والتعاطي معه بجدية، فلا يمكن التغافل عنه باعتباره واقعا حاضرا بيننا، بل علينا قبوله وتطوير مهاراتنا وأدواتنا للتعامل معه بشكل أساسي.
ويرى أن تقبل المجتمع الأردني، سواء من فئة الشباب أو حتى من كبار السن، لفكرة الذكاء الاصطناعي أصبح أمرا واقعيا، وأبرز مثال على ذلك هو ChatGPT، الذي بات اليوم إحدى الأدوات المهمة التي لا نستغني عنها في أعمالنا وحياتنا اليومية.
ويبين جريبيع أن هذه التقنيات أصبحت تجيب عن الكثير من أسئلتنا، وننظر إليها كأداة من أدوات المعرفة وزيادة الوعي والحصول على المعلومة والوصول إليها بسهولة، فبمجرد أن تسأل أي أداة ذكاء اصطناعي عن معلومة، تقدمها لك على الفور.
ويشير جريبيع إلى أنه إذا تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي كمصدر للمعلومة والمعرفة، فإنه سيساهم في تطوير معارفنا ومهاراتنا، ويوسع مداركنا ومجالات تفكيرنا، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة التعامل معه بعقلية نقدية، لا أن نأخذ المعلومة كما هي دون أي نوع من التحليل أو المحاكاة الفكرية.
كما أوضح أن كبار السن يمثلون فئة مهمة من المجتمع، واليوم باتت الغالبية منهم من المتقاعدين، وقد وفّرت لهم وسائل التواصل الاجتماعي مساحة جديدة للترفيه مختلفة تماما، وأصبحت تملأ أوقات فراغهم بما هو مفيد على المستويات الدينية والمعرفية والاجتماعية وحتى السياسية.
ويعتقد جريبيع أنه بالنظر إلى السوشال ميديا بشكل عام، نجد أن المتقاعدين أصبحوا من أبرز روادها، بحكم امتلاكهم وقتا واسعا بعد التقاعد، لافتا إلى أن علاقتهم بالذكاء الاصطناعي باتت علاقة إيجابية تبادلية، إذ يوفر لهم الذكاء الاصطناعي مساحات للتفكير والمعرفة والوعي بشكل أساسي.
ويؤكد جريبيع أن التكنولوجيا المتطورة وأدواتها ستترك أثرا كبيرا على المجتمع الأردني ليس بالجانب الاقتصادي فقط بل بجميع الجوانب، واجتماعيا ستؤثر على بعض علاقاتنا، كما ستؤثر في مفاهيمنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وطريقة تفكيرنا بالأمور.
ويضيف أنها ستؤثر أيضا في طريقة تعاطينا مع الأشياء، وأنها ستعلّمنا أمورا جديدة، وستغير الكثير من الأفكار والقيم الموجودة لدينا، بمعنى آخر أنه أصبح لدينا مصدر معرفة جديد يصحح المفاهيم الموجودة لدينا ويعدل عليها ويحسنها، وأيضا قد يكرس ويجذر هذه المفاهيم بشكل أساسي.
بدوره، يبين الاستشاري النفسي والمحاضر الدولي المعتمد يزيد موسى، أن كبار السن بطبيعتهم يمرّون بمرحلة حياتية مليئة بالتغيرات منها التقاعد، وفقدان بعض الأدوار الاجتماعية، وبطء في مواكبة التطور الرقمي السريع. 
ووفق موسى؛ هذا يخلق لديهم أحيانا شعورا بالعجز أو التهميش، وعندما يواجهون التكنولوجيا التقليدية مثل التطبيقات، الإعدادات، أو البحث في الإنترنت، غالبا يتعرضون للإحباط بسبب التعقيد وكثرة الخطوات.
ولكن مع "شات جي بي تي" الموضوع مختلف بحسب موسى، فهو سؤال مباشر وجواب فوري ولا داعي للتسجيل، أو فتح روابط متعددة، ولا يوجد شعور بالخجل من تكرار نفس السؤال.
ويؤكد موسى أن وجود هذه البساطة يعطي كبار السن راحة نفسية، وإحساسا بأنهم يستطيعون الحصول على المعلومة بعيدا عن مساعدة دائمة من الآخرين، وهذا يعيد لهم ثقتهم بأنفسهم، ويقلل من القلق المصاحب لفكرة "أنا كبرت وما بقدر أتعلم".
ويعتقد موسى أن علاقة كبار السن بالذكاء الاصطناعي اليوم هي علاقة داعمة ومُعزِّزة للهوية، مبينا أن كبار السن يجدون في الذكاء الاصطناعي صديقا صبورا، لا يمل ولا ينتقد، ويستطيع أن يتعامل مع تساؤلاتهم مهما كانت بسيطة أو متكررة، وهذا بحد ذاته له أثر علاجي نفسي لأنه يوفر بيئة آمنة للاستكشاف والتعلم.
ومن الناحية النفسية بيّن موسى أن وجود هذه العلاقة يخفف كثيرا من شعور الوحدة، خاصة عند الأشخاص الذين يعيشون لوحدهم أو ليس لديهم دائرة اجتماعية كبيرة، إذ تحاكي التكنولوجيا تجربة الحوار وقد تقلل من الإحساس بالعزلة.
ويشدد موسى على نقطة مهمة وهي أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلا عن العلاقات الإنسانية الحقيقية بل هو من الممكن أن يكون جسرا مؤقتا يساعد الأشخاص على الشعور بالاتصال، لكن العلاقات الاجتماعية تبقى المهمة، فهي عاطفة وتواصل إنساني مباشر.
ويبين موسى بأنه على المدى الطويل، بأن الذكاء الاصطناعي  قد يترك بصمة كبيرة على الصحة النفسية لكبار السن، من الناحية الإيجابية، يحفزهم أن يبقوا متفاعلين مع العالم الرقمي، ويعطيهم شعورا بالاستقلالية بدلا من أن يكونوا دائما بحاجة لأبنائهم أو أحفادهم ليشرحوا لهم، وهذا يعزز تقدير الذات، ويؤخر أعراض الشيخوخة الذهنية لأنه يشجع على التفكير والسؤال والفضول.
لكن في جانب آخر يجب الانتباه إلى أنه إذا أصبح الذكاء الاصطناعي المصدر الوحيد للتفاعل، يمكن أن يؤدي مع الوقت لضعف في الروابط الاجتماعية، لأن الإنسان بطبيعته بحاجة للتواصل الحقيقي، والأثر النفسي سيكون إيجابيا جدا إذا تم استخدامه كأداة مساعدة، لكنه قد يتحول لسلبي إذا أصبح بديلا كاملا عن الآخرين.
ويختتم موسى حديثه، مبينا أن الذكاء الاصطناعي سيكون بمثابة عكاز نفسي ومعرفي لكبار السن، يساعدهم ليبقوا على تماس مع عالم سريع، لكن يجب أن يترافق مع بيئة اجتماعية وعائلية داعمة لكي يحقق التوازن النفسي المطلوب.