عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jul-2025

توقيع ومناقشة رواية "شيركيسيا" لنرين طلعت

 الغد-عزيزة علي

 جمعت رواية، "شيركيسيا: قصة حب وصلوات الغائب"، للكاتبة والروائية الأردنية نرين طلعت، بين الحكاية الفردية والعرض التاريخي، وبين البعد العاطفي والتحليل الاجتماعي، لتنتج عملا موسوعيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
 
 
وجاءت الرواية في ثلاثة مجلدات، فهي ليست مجرد سرد أدبي، بل هي وثيقة إنسانية، وصرخة وجدانية، وصلاة حب وحنين. 
 
ولإشهار ومناقشة الرواية، أقيم حفل التوقيع أول من أمس، في قاعة عصام حتك، برعاية رئيس الهيئة الإدارية للجمعية الخيرية الشركسية، المهندس إبراهيم إسحاقات، وشارك في الحفل الذي أداره الروائي محمد ازوقة كل من: الدكتور مجد الدين خمش، عميد كلية الآداب الأسبق في الجامعة الأردنية – عمان، المؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر، والناشر جهاد أبو حشيش.
جاء هذا العمل الموسوعي، الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، مكون من ثلاثة أجزاء، لا يروي فقط قصة حب فردية، بل يمتد ليكون سردا شاملا لتاريخ وهوية جماعية، يعكس تطورات سياسية واجتماعية مهمة، ويصوغ صورة حية لمجتمع عايش التحديات وانتصر على الاندثار.
تحدث الدكتور مجد الدين خمش عن البيئة والسياق العام الذي تدور فيه الرواية، قائلا "تدور أحداث الرواية في قرية شركسية تقع في بلاد الشام، قريبة من الحدود التركية، وتعد نموذجا للقرى التي أنشأتها الدولة العثمانية عقب التهجير القسري للشركس من القفقاس، إثر هزيمتهم في الحرب ضد روسيا العام 1864. وتستعرض الرواية كيف استقر الشركس في هذه القرى، وتحالفوا مع العشائر المحلية، واندمجوا مع مكونات المجتمع العربي من مسلمين ومسيحيين وأرمن".
وأشار خمش إلى أن الحبكة الثنائية في الرواية، تجمع بين البعدين الشخصي والقومي. فعلى المستوى الشخصي، تدور أحداث قصة حب بريئة بين البطلة جان والشاب عبد الرحمن. وبعد أن يرتبطا عاطفيا، تقع مأساة بوفاة شقيقة عبد الرحمن، ما يدفعه إلى الشعور بالذنب والعبء، فيتخلى عن جان خوفا من أن يظلمها. وتتعرض جان إثر ذلك لصدمات نفسية عميقة، تنعكس في كوابيس متكررة. وتبلغ الرواية ذروتها المأساوية حين يقتل عبد الرحمن برصاصة طائشة، ويغطى بوشاح جان.
أما على المستوى القومي، فتمثل الرواية "صلاة غائب" مستمرة على أرواح الشهداء الشركس الذين دافعوا عن وطنهم التاريخي وخسروه، وتمتد هذه "الصلاة" الرمزية لتشمل الشهداء الذين قضوا دفاعا عن فلسطين، في غزة والضفة الغربية. ومع ذلك، فهي أيضا قصة حب جماعي لوطنهم الجديد، الأردن، بقيادته الهاشمية. وفي الإطار التاريخي والتحليل السياسي، تتناول الرواية التطورات التي أعقبت سقوط الدولة العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى، مرورا بـالثورة الروسية العام 1917. وتبرز كيف حصل الشركس على شكل من أشكال الحكم الذاتي ضمن الاتحاد السوفييتي، وتسرد التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المجتمع هناك، من نظام الإقطاع إلى الاشتراكية.
وتقارن الرواية بين هذه التحولات الحديثة ونظام "الخاسة" الشركسي (مجلس الحكماء)، الذي قام على العدالة والمشورة، كمثال على تقاليد الحكم الجماعي والمشاركة في اتخاذ القرار ضمن المجتمع الشركسي التقليدي.
وبين الدكتور خمش، أن ما يميز هذا العمل هو طابعه الموسوعي واتساعه السردي، فالرواية مكونة من ثلاثة أجزاء، يبلغ مجموعها نحو 700 صفحة، وتتميز بامتدادها الزمني الواسع، إذ تغطي مراحل تمتد من عصور ما قبل الميلاد وحتى أوائل القرن العشرين.
تسرد الرواية تفاصيل دقيقة من تاريخ الشركس، مشيرة إلى معاركهم مع الخزر، والفرس، والفايكنغ، والتتار، ومشاركتهم في معركة عين جالوت إلى جانب السلطان بيبرس والظاهر قطز، ثم تحالفهم لاحقًا مع الدولة العثمانية في حربها الخاسرة ضد روسيا.
وخلص خمش إلى أن الرواية تركز على آليات صون التراث الشركسي في المهجر، من خلال الحفاظ على اللغة، والعادات، والفروسية، والموسيقا، والرقص، والأغاني التراثية. ويبرز السرد كيف اتفق الشركس في قراهم الجديدة على قيم العمل الجاد، والإخلاص، والانتماء، مع المحافظة على ولائهم لتراثهم وهويتهم، إلى جانب الوفاء للأردن، الدولة التي احتضنتهم ومنحتهم الاستقرار والانتماء.
من جانبها، قالت المؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر "إن الرواية، المقسمة إلى ثلاثة مجلدات، تشكل علامة فارقة في الرواية التاريخية العربية، مشيرة إلى عدد من الملاحظات التي عرضتها على شكل نقاط: أولا: لا يمكن لقارئ هذه الرواية أن يبقى حياديا. فهو سينخرط في تفاعل وجداني وفكري مع الشخصيات، والآراء، والتحليلات التي تتخلل السرد. من الصعب المرور على الصفحات من دون أن يشعر القارئ بمشاعر متباينة.
ثانيا: هناك تفاوت واضح في طبيعة المجلدات الثلاثة، فبينما يتميز المجلد الأول بحضور متوازن للشخصيات وتفاعل سردي تقليدي، فإن المجلد الثاني يشهد هيمنة صوت الباحثة، حيث تتحدث الكاتبة بلسان الشخصيات، وتقوم بتحليل الوقائع وتفسيرها واستخلاص النتائج، بأسلوب يقارب المحاضرة الفكرية الراقية.
أما في المجلد الثالث، فتعود الكاتبة إلى أداء دور الروائية الذكية والموجهة للسرد بأسلوب متوازن. وقد عبرت الدكتورة هند عن أمنيتها اختصار عشرات الصفحات من المجلد الثاني، قائلة "لا يعقل أن يمتد حديث شخصية مثل بشماف إلى 105 صفحات متواصلة، كرد على سؤال واحد!".
ثالثا: أشادت أبو الشعر بنضج الشخصيات ودقة توزيع الأدوار، مشيرة إلى أن البناء التراكمي لنمو الشخصيات كان ممتازا، لولا بعض لحظات تدخل الكاتبة الواضح في مجرى الأحداث. وقد رأت أن اختيار الفترة الزمنية كان موفقا، إذ تدور الرواية في أواخر الحرب العالمية الأولى، مرورا بدخول جيش الشمال بقيادة الملك فيصل الأول إلى دمشق، وانتهاء بـمؤتمر الصلح العام 1919.
رابعا: اعتبرت أبو الشعر أن الكاتبة نجحت في تقديم فكر تلك المرحلة بامتياز، وخصوصا من خلال شخصية الإمام حاتوقه إدريس (في الفصل الثالث من المجلد الأول). فقد أضاء الحوار داخل المسجد العديد من تساؤلات المرحلة، وسلط الضوء على دور الإمام المتنور في إرشاد الناس، خصوصا في مناقشة موقع الدولة العثمانية، وجدوى الحروب التي زج فيها الشباب الشركسي. وكان سؤال أحدهم للإمام: "هل هذه حربنا فعلا؟" بمثابة نقطة محورية في السرد.
خامسا: نوهت إلى أن الرواية أنصفت التراث النارتي، مؤكدة أن القيم الأخلاقية التي أرساها هذا التراث تعبر عن حضارة شركسية عريقة، تعود إلى ما قبل دخول المسيحية، وما تزال حية في البيوت والعادات حتى اليوم. ورغم تكرار بعض هذه القواعد داخل النص، فإنها تظل الناظم الأساسي لبناء الشخصية الشركسية في الرواية.
سادسا: أشارت أبو الشعر إلى أن سيرة "آل جانوروقة"، التي تجسدها الشخصية الرئيسية جان، تستحق السرد الروائي، وقد أبدعت الكاتبة في تقديمها في الجزأين الأول والثالث. وعلى الرغم من أن العلاقة بين جان وعبد الرحمن شكلت جوهر الرواية، إلا أن انفصالهما جاء غير مقنع، وكانت نهاية عبد الرحمن فاجعة وأغلقت الرواية من دون التعمق في التفاصيل المعتادة. ومع ذلك، فإن صورة جان، التي تستضيف الطفلة – وهي نرين طلعت نفسها – على عتبة الدار، تشكل حبكة جميلة تربط بين الماضي والحاضر.
وخلصت أبو الشعر إلى أن المؤلفة المعروفة في عالم المقالة والإعلام، تحولت عبر هذا العمل إلى روائية عالمية. روايتها تستحق أن تتحول إلى عمل درامي كبير، شرط التخلي عن الطابع الأكاديمي المتكرر، وتحويل الرسائل الفكرية إلى كتاب بحثي منفصل. إن ما قدمته نرين طلعت هو عمل روائي استثنائي، وأجده مكملا لما قدمته الراحلة "زهرة عمر" عن سيرة المهجرين الشراكسة.
من جانبها، قالت المؤلفة نرين طلعت "إن العالم الذي صغته في رواية "شيركيسيا" لم يكن مجرد خيال، بل كان عالما موازيا لذاكرتها وحياتها. شيد هذا العالم من أسئلتها الطفولية التي لم تقبل الإجابات الجاهزة، ومن التجارب والقصص التي عايشتها منذ نشأتها في بيئة شركسية".
وأضافت كان والدي مشجعا على طرح كل الأسئلة من دون قيود، مما ساعدني على اكتشاف طريقة دقيقة لصياغة السؤال تعكس الرغبة الحقيقية في الفهم، لا الفضول السطحي. وهكذا أصبحت رحلة البحث عن الإجابة أهم وأغنى من الإجابة نفسها، رحلة تتطلب التحرر من كل ما يكبلنا — من المعتقدات الجامدة إلى العواطف غير المحلولة.
وتابعت نرين ولدت الرواية من هذا الوعي، ومن مزيج الأسئلة الكبيرة حول الهوية، والانتماء، والذاكرة الجمعية. أسئلة لم تخص الشركس فقط، بل تتقاطع مع أسئلة كل شعب وكل إنسان في بحثه عن ذاته ومعنى وجوده.
وأوضحت حين كتبت عن الهوية الشركسية، فعلت ذلك بصفتي إنسانة نشأت في هذا المجتمع، لكنها تجربة تتجاوز حدود العِرق والجغرافيا، لتطال قضايا الوطن، والمواطنة، وتاريخ الأمم بعد سقوط الدولة العثمانية. دول كثيرة نشأت، لكن مفهوم "الدولة" لم يترسخ في كثير منها، كما لم تتشكل هويات ناضجة تدفع مواطنيها للانخراط في الشأن العام.
واختتمت "في الرواية، حاولت أن أطرح الأسئلة في وقتها المناسب، بجرأة ومن دون رقابة داخلية، لأنني أؤمن أن كبت الأسئلة يقتل الوعي ويعفن الهوية. التاريخ كان حاضرا بقوة، لأنني أرى أن فهم التاريخ الحقيقي، غير المزور أو المنمق، هو مفتاح فهم الهوية الأصيلة، وهو الطريق إلى بناء مشروع حضاري حقيقي".
وقالت الكاتبة "وإذا شعرت عزيزي القارئ أن هذه الرواية منحتك لحظة وعي أو دهشة، أو دفعتك للتساؤل عن هويتك أو تاريخك أو انتمائك، فسأشعر بأني قد نلت جائزتي الكبرى".
وقال الناشر جهاد أبو حشيش "إن رواية "شيركيسيا"، كما يراها، ليست مجرد نص سردي فحسب، بل هي وثيقة تعكس قدرة فريدة على التعامل مع التعددية". 
وأضاف لا وجود في الرواية للواحدية التي تلغي الآخر في مساحاتها، بل هي وثيقة تهتم باندماج المتشابه وجذبه نحو الوحدة في أتون الهوية الشركسية وملامحها الخاصة، من دون فقدان القدرة على التحاور مع الهويات الأخرى".