عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Nov-2021

قمة الدول «الديموقراطية».. أهيّ قِناع آخر لـ«حربٍ آيديولوجية»؟*محمد خرّوب

 الراي 

تعيش الإمبراطورية الأميركية أزمة عميقة تُنذر بسقوطها القريب عن مقعد قيادة العالم. الذي احتكرته لنفسها بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية وانهيار حلف وارسو.
 
لكنها وبدل انتهاج مسار آخر يقوم على قوة المنطق وندِية الحوار وجدّيته, اختارت لفرط غطرستها واستعلائها.. منطق القوة والأحادية وعسكرة العلاقات الدولية, وراحت تتباهى بفائض قوتها وتفتعل الأزمات وتشن الحروب وترفع منسوب نزعة التوسّع لديها المحمولة على ثقافة عُنصرية وتفوّق الرجل الأبيض, واجدة ضالّتها في حلف شمال الاطلسي, الذي بات ذراعاً عسكرية «دولية» خدمة لمصالحها وشركات السلاح لديها, خاصة مؤخراً للتحرّش بكل من روسيا والصين, ما يُنذر باندلاع حرب نووية لم يعد التلويح بها مصدر حرَج لمن يُطلِقها.
 
فقدت واشنطن شمّاعة مكافحة الشيوعية مُتوهمة نهاية التاريخ, وراحت تبحث عن عدو جديد في صراع مزعوم للحضارات وجدته في الإسلام. فاكتشف فوكوياما أن التاريخ لم ينتهِ فكتب مُعتذراً عن قراءاته المُتسرّعة. فيما تمسّك المحافظون الجُدد بمقولة هنتنغتون, راموا من ورائها تجسيد القرن الجديد كقرن أميركي بامتياز. فكان غزو أفغانستان وتلاه غزو العراق مقدمة لإقامة شرق أوسط جديداً, تكتب إسرائيل جدول أعماله وعلى رأسه تصفية القضية الفلسطينية وأسرَلة المنطقة.
 
لم تتوقف مساعي واشنطن لإقامة المزيد من التحالفات ذات الطابع العسكري, قبل وبعد اعتماد «عقيدة» أوباما الداعية إلى قطع الطريق على الصين, مواصَلة صعودها السِلمي على ما وصفت بكين سياستها الخارجية عام 2003, التي تنظم خطوات وأهداف هذا الصعود الذي استفز سادة البيت الأبيض. ترتّب على ذلك قيام تحالفات ومعاهدات ثنائية وأخرى أوسَع, مع صفقات أسلحة نوعية كاسرة للتوازن إلى أن جاء تحلف «اوكوس» الثلاثي, متزامناً مع تحالف «كواد» الرباعي وكان لافتاً انضمام الهند له, ليكشف ضمن أمور أخرى حجم وطبيعة الهوَس الذي استبدّ بـ«حزب الحَرب» في واشنطن. أما عن حصار روسيا ووصول الناتو إلى حدودها ومحاولة تحويل البحر الأسود إلى بحيرة «أطلسية» لتطويقها وعن مناورات ضخمة وتحرش بالحدود الروسية فحدّث بلا حرج.
 
ماذا تعني الديموقراطية بالمعايير الأميركية؟
 
هي كما تبدّت طوال سبعة عقود ونيّف.. تنهض على تدبير الانقلابات والثورات الملونة وتسعير الخلافات والانقسامات العِرقية والإثنية والطائفية والمذهبية, والتدخل في الشؤون الداخلية للدول والمجتمعات.. مباشرة أو عبر ما يُسمى منظمات المجتمع المدني NGO,s. بعيداً عن أعين الحكومات بل وأحياناً على مرأى منها ورغماً عنها. ما يُؤسس لحروب أهلية ويمنح الفرصة لواشنطن وأعوانها فرصة التدخّل في شؤونها ووضع اليد على مقدراتها قراراتها وانتهاك سيادتها, عبر إعادة استعمارها وربطها بمؤسستَيْ الارتهان والتبعية اللتين لا فكاك منهما, وهما البنك والصندوق الدوليان.. صاحبا وصفة «الخصخصة» ومنح المزيد من القروض لتكبيل الأيدي والأَرجُل.
 
دعوة الرئيس الأميركي بايدن 110 دول (إضافة إلى منظمات المجتمع المدني وشركات التكنولوجيا), وبعض تلك الدول ليست عضواً في الأمم المتحدة, لـ«قمة» يخلَع عليها صفة الديموقراطية, ومعظمها لا يلتزم مؤشر الديموقراطية ومعاييره. حتى لو أصبحت تقليداً سنوياً على غرار قمة G7 أو قمة ال20... لن تغير كثيراً في المشهد الدولي الراهن..المأزوم والمحتقن. كما لن تنجح واشنطن في تشكيل قناعات بأن التكتل الدولي الجديد, سيُسهم في دفع شعوب تلك الدول التي تم «زجّها» تزويراً في قائمة الدول الديموقراطية.. تصديق هذه الفِريَة الأميركية الجديدة, التي تروم واشنطن استخدامهما رهينة في صراعاتها وحروبها الأيديولوجية المُستحدَثة, بعدما عجزت عن احتواء الصين وروسيا ودول وأنظمة ترفض الدخول عنوة في بيت الطاعة الأميركي, رغم ما خرّبته الرأسمالية القديمة/المتوحشة ونسختها النيوليبرالية الأكثر توحشاَ, ناهيك عن فشلها في تجيير أهداف العولَمة لصالحها, بعد أن ظنت أنها قادرة على هزيمة «الشيوعية» في الصين بدون حرب باردة, على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي, فإذا بها (الصين) تغدو المُدافِع الأول والأكثر تمسّكاً بالعولَمة, ما دفع ترمب للتلويح بإمكانية الانسحاب من عضوية منظمة التجارة العالمية/حارسة العولَمة والساهرة على تطبيق بروتوكولاتها.
 
صحيح أن معظم بل جلّ الدول العربية لم تحصل على بطاقة الانضمام لنادي الدول الديمقراطية التي ستلتقي يومي التاسع والعاشر من الشهر الوشيك/كانون أول..افتراضياً، ثم حضورياً نهاية العام 2022, ما يدعو للخيبة حدود الخجل, رغم أن معظم تلك الدول ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن ولا تتردد في وصف علاقاتها بها بالشراكة الاستراتيجية على مختلف الصعد والمجالات. إلا أنه صحيح أيضاً أن «ضيوف» بايدن ليسوا كلهم من «الصِنف» الديموقراطي, حيث آخر مُؤشر للديموقراطية يقول: إن عدد الديموقراطيات «الكاملة» في العالم لا يتجاوز 25 دولة, فيما عدد الدول ذات الديموقراطيات «المعيبة» 53 دولة, والأنظمة الهجينة «Hybrid 36 وتبقى الدول السلطوية/الاستبدادية وعددها 53.
 
فأي ديموقراطية يُروّج بايدن... لها؟