عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2020

غموووض يكتنف ملف التعليم !* ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

حين يسألني أحدهم عن مدى السوء الذي تعرضت له الدول جراء جائحة الكورونا، وأي القطاعات تضرر أكثر، اقول الملف الاقتصادي تضرر، والسياحي تم إعدامه، والموت الحقيقي بعيد الأثر حدث في ملف التعليم بالنسبة لدول مثل الأردن، ودعونا من المجاملات.
قبل الجائحة، وكأي ولي أمر، كنت اراقب اطفالي طلبة المدارس، وأحرم استخدام الهواتف الذكية وغيرها عليهم بعد نهاية العطلة الصيفية والشتوية، ومنذ عام تقريبا، أصبحنا نتأكد بل نتابع ونراقب صلاحية هواتفهم، هل هي مشحونة وشغالة وشاشاتها واضحة.. مفارقة؛ قد يفهمها التربويون بشكل صحيح، ويعتبرونها خسارة جسيمة وتراجعا بل (تركا) للأطفال وحيدين في سوق مثيرة دونما رقيب او موجّه ، لكن الحالمين وحدهم يتغنون بها، وقد يعتبرونها تقدما وتطورا وسلوكا إيجابيا فرضته الجائحة، ولا سبيل لاختبار أي من الرأيين، ما دامت الجائحة جاثمة على المؤسسة التعليمية حد الشلل.
تم تعديل على مناهج علمية كثيرة، وتم اعتمادها منذ بداية العام، ولم أقرأ أو أسمع عن رأي واحد يناقش هذه المناهج، كمواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء للصف العاشر، الذي سيتحول الطالب بعد إنهائه الى التخصص، اي ان يدرس تخصص علمي أو ادبي، فإن كان سيذهب الى الفرع العلمي، واستمرت الجائحة حتى نهاية العام الدراسي، فلا أحد يمكنه الإنكار عندئذ بأننا لدينا طلبة، لا يتمكنون من علوم جديدة، لم تنل تأسيسا مناسبا في عقولهم، لأنها تحتاج الى مزيد من بحث وشرح، وهذا لم يحدث اثناء الصف العاشر، حيث كان التعليم عن بعد، لكن بحصص دراسية ذات محتويات تقليدية، بينما الطلبة بعيدون عن الطريقة التقليدية التي تحتاج معلم يقف على رؤوسهم وغرفة صفية محكمة الاغلاق، وتتطلب تركيزا وصمتا، فهم اليوم يقبعون في عالم آخر، ولا دليل على متابعتهم لحصص ولا اختبار حاسما عن مستواهم.. ثم سيدرس هؤلاء ثانوي فرع علمي، لمدة عام وبعدها سيكونون في السنة الأخيرة (التوجيهي)، الذي لم تتغير مناهجه العلمية !!.
أما عن الجامعات.. يا عيني على الجامعات!
البرامج الدراسية وجدت ضالتها في التعليم عن بعد، فلا رقيب ولا حسيب،  الدكتور اليوم يجمع ما سقطت عليه يده من نصوص، أو (لينكات) أو فيديوهات، وقد يكتب قائمة من مراجع، يرسلها بطريقة غير تفاعلية الا ما ندر، ويحرص على عدم توفر طريقة سهلة للتواصل معه من قبل الطلبة، ولا مرجعية للطالب الذي يعاني من هذا الأسلوب، ويريد تقديم ملاحظة أو تظلم، هذا عن الطالب الجاد الذي يريد ان يفهم اختصاصه، وان ينتقل الى الفصل الدراسي التالي وهو متمكن من متطلبات الفصل الذي سينهيه، أما عن الطلبة الذين هم أيضا وجدوا ضالتهم في التعليم عن بعد، واستراحوا في الحقيقة من كل التعليم، فهم الذين سيحصدون العلامات والشهادات، لأنهم مستعدون للغش بكل الطرق.. وقد تجاوزوا فصلا دراسيا «عن بعد»، وكانوا من المتفوقين!.
التعليم بكل مستوياته، أصبح خلف ظهور الذين يتحدثون عن الدولة ومشاكلها وتداعيات الجائحة، وإن أراد أحدنا أن يقدّر حجم خسارة الأجيال، فما عليه سوى ان يختبر أطفاله بعمر ستة او سبعة أعوام، هل يمكنهم الكتابة او القراءة؟.. من علمهم الأحرف الأبجدية ومن دربهم على كتابتها.. هل هو العم جوجل ام مدرسة مايكروسوفت أم مكتبة العاب الكومبيوتر؟!.
حتى طلبة الثانوية العامة، الذين كان وما زال توقف ذهابهم الى المدارس جريمة لا تغتفر، هؤلاء يجب ان لا يشعرنّ أحد أو يدعي الدهشة حول تدني مستواهم، بعد ان يكملوا الثانوية وقد حصلوا على معدلات مرتفعة، لا يحصل عليها في الظروف الطبيعية سوى العباقرة.
كان وما زال بالإمكان السماح لطلبة الثانوية بالذهاب الى تلك المدارس الخالية الخاوية، ويمكن لكل طالب ان يجلس وحده في غرفة صفية في مدارس فارغة من الطلبة والتعليم، ويمكن لمعلميهم ان يقوموا بواجبهم تجاه هؤلاء الطلبة الذين تمت مصادرة اهم سنة دراسية في حياتهم، وهذا يقال عن المدارس الحكومية والخاصة وعن المراكز الثقافية.. فلا يجوز تعطيل تعليم هؤلاء الطلبة أكثر مما جرى تعطيلهم، ويجب ان لا ننسى ان هؤلاء هم أيضا مضى عليهم فصلان دراسيان لم يجلسوا خلالهما على مقاعد الدراسة.
ثم تأتيك الأخبار مدائح وخطبا مدبجة بمدح التعليم عن بعد، ومأسسته أيضا، رغم عدم وجود طلبة في المدارس او خلف الشاشة.