عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jan-2020

الإعلام والدولة: نهاية الطريق - إبراهيم غرايبة

 

الغد- لم تعد الدولة محتاجة إلى المؤسسات الإعلامية التقليدية، الصحف والإذاعات والتلفزيونات ومواقع الانترنت. تكفيها وكالة أنباء ومكاتب إعلام واتصال ملحقة بالمؤسسات، والتي تعتمد أساسا على شبكات التواصل، أو بث وتوزيع محتوى إعلامي معدّ على المؤسسات الإعلامية المختلفة، وفي اللحظة التي تقرر فيها الحكومة نشر الإعلانات الرسمية على موقع حكومي خاص بهذا الغرض؛ وإذا قررت أن تفتح المجال للإعلانات التجارية للمؤسسات والأفراد والنعي والتهنئة؛ تفقد الصحف المورد الأساسي المعلن والمتبقي، وسوف يكون لزاما عليها أن تتخلى عن الإصدار الورقي، وأن تتحول إلى الإعلانات والاشتراكات الالكترونية، وهي وإن كانت ستدخل في منافسة غير متكافئة؛ فإنها لا تملك خيارا آخر، لكن سيكون في مقدورها أن تتحول إلى إعلام مجتمعي يستمد تأثيره وموارده من المدن والبلدات والمجتمعات والجماعات والمصالح الاقتصادية والاجتماعية التي تجد لها مصلحة في إعلام مجتمعي أكثر من العالمي.
ما تحتاجه الدولة لأداء وإنجاح رسالتها هو أن تحملها النخب المؤيدة والعاملة فيها، وتؤثر في المجتمعات والشبكات في هذا الاتجاه.. فالنخب القيادية غير القادرة على التأثير تعرض نفسها للانقراض، وتجر معها الدولة إلى الأزمة والفشل. ولن يفيد الدولة في عصر الشبكية ما تبذله وتنفقه في تنظيم الإعلام والثقافة والدين والرياضة، لأنها ببساطة قطاعات لم تعد بعمل وفق تنظيم مركزي، لكن الدولة أصبحت شريكا في هذا الفضاء المفتوح وعلى قدم المساواة مع الأفراد والمؤسسات في جميع أنحاء العالم، وعلى سبيل المثال فإن ما يقوم به مدوّن أردني معروف من “السلفية القتالية” يتفوق في التأثير والأتباع والمؤيدين على ما تقوم به وزارات ومؤسسات الأوقاف والإفتاء والتربية والتعليم والجامعات والإذاعات والتلفزيونات، والتي تتلقى من الخزينة العامة ما لا يقل عن مائتين وخمسين مليون دينار سنويا، وتنفق مثلها المؤسسات والجماعات المتحالفة أو الشريكة مع الحكومة. وبالطبع فإنه ليس مطلوبا أن تتفوق المؤسسة الدينية الرسمية والحليفة لها على الجماعات الدينية والمؤثرين في الشبكة، ولا تلام الحكومة على ذلك، لكن لم يعد ثمة معنى أو جدوى للاستمرار في تمويل هذه المؤسسات والأعمال من الموارد العامة وحتى المجتمعية والخاصة، فالدولة لم تعد تستمد شرعيتها وثقة الناس بها من دورها الديني أو الثقافي، يكفيها أن تؤدي بكفاءة ونزاهة واجباتها الأساسية في العدل والأمن والصحة والتعليم والتكامل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال فإن الانقسام العدائي العميق في إسرائيل لم يؤثر في ثقة الفلسطينيين الإسرائيليين بالمؤسسات والخدمات التي تقدمها دولة إسرائيل، واختاروا في ظل الازدهار والسلام المتاحين أن يشاركوا سلميا وإيجابيا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يؤثر الاختلاف الديني والثقافي والاجتماعي بين العرب والمسلمين المتوطنين في الغرب على ثقتهم بالدول ومؤسساتها وخدماتها؛ ولم يمنعهم من المشاركة والاندماج؛ ذلك أن العلاقة بين الدولة ومواطنيها أقرب إلى التعاقد وتبادل الموارد والخدمات، وليست عشقا وغزلا متبادلين.
الإعلام بما هو خدمة يستمد قدرته على الاستمرار من الأسواق والمجتمعات. وفي ظل التحولات التكنولوجية لم تعد الدولة قادرة على حماية الإعلام بسياسات تنظيم مركزية، ولم تعد أيضا تحتاج إلى الإعلام. وهي قادرة على رسالتها من خلال الإعلام الجديد. وأزمة الإعلام تشبه أزمة التكسي الأصفر مع كريم وأوبر، والمتاجر والوكالات التقليدية مع أمازون والأسواق الالكترونية، والبنوك مع البلوكتشينز والنقود الالكترونية، والمهن مع البرامج الحاسوبية المتقدمة التي تستغني عن كثير مما يقدمه المهنيون. والمدارس والجامعات مع المنصات التعليمية والتدريبية.
ما تفعله الحكومة اليوم لأجل الإعلام والمؤسسات الإعلامية يشبه عمليات الحفاظ على الطيور والسلاحف المهددة بالانقراض. وهذا لا يفيد الإعلام ولا الدولة، .. ليس سوى مزيد من الإنفاق بلا فائدة.