واشنطن ليست مجرد عاصمة سياسية*د. أيوب أبودية
الراي
خلال مدة اسبوعين أمضيتها في زيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ضوء مواقفي منها التي كانت متأثرة بما قرأته ودرسته حول النظام الرأسمالي والهيمنة العسكرية التي تمارسها الولايات المتحدة على العالم، ودعمها غير المحدود للكيان الصهيوني، كان لدي شعور داخلي أنني سأكون في بلدٍ لا يشبهني، ولا يتناغم مع ما أؤمن به من قيم العدالة والحرية والانسانية.
لكن، وكما هي الحياة مليئة بالمفارقات، وجدت نفسي في العاصمة السياسية واشنطن للمشاركة في مؤتمر أكاديمي في جامعة جورج تاون، إحدى أعرق الجامعات الأمريكية. علما بأن هناك هناك جامعة قريبة منها هي جامعة جورج واشنطن وهي جامعة مهمة أيضا.
وهناك، مع صحبة الغيوم والبرد والمطر في النصف الاول من شهر نيسان، وانا لم اتوقف عن الدعاء كي يصيبنا من المطر بعض ما انهمر على واشنطن تلك الايام،.. وفيها بدأت الصورة تتغير. فواشنطن ليست مجرد عاصمة القرار السياسي، بل هي مدينة نابضة بالحياة، تجمع بين التاريخ والثقافة، وبين التنظيم الدقيق والمساحات الخضراء الواسعة ووسائل نقل عام رائعة فوق الأرض وتحته. مدينة فيها أبنية عريقة ومتاحف ومكتبات لا حصر لها.
زرت متحف السكان الأصليين وتصميمه من الخارج مذهل بروعته، ومن الداخل يشبه تصميمه صرح الشهيد عندنا، وهو يطل على مبنى الكابتول، وفي ذلك رسالة معنوية مقصودة لا ريب. وفيه سمعت عن عدد السكان الأصليين أنه تزايد من ١ إلى ٢ % من عدد سكان أميركا. ويحتوي المتحف الشاسع على معلومات وأثار رائعة.
وزرت متحف العلم الطبيعي ومكتبة الكونغرس الضخمة في شارع اندبندنس، وطبعا زرت البيت الأبيض من الخارج ودخلت إلى الحديقة الاستوائية المجاورة له للحصول على بعض الدفء وكي استمتع بالنباتات الاستوائية.
وفي أروقة المؤتمر الذي حضرته حول الانتقال الطاقوي في دول الخليج العربي في جامعة جورج تاون تعرفت الى العديد من الأساتذة الأردنيين والعرب، وغيرهم، وعلمت أن الكثير من الأمراء والقادة العرب درسوا هناك، بل علمت أيضا أن أحد امرائنا يدرس هناك فتواصلت معه لأنني كنت معلمه في كنجز أكاديمي بعمان، وقمت بالاطمئنان عليه.
واشنطن مدينة جميلة ومنظمة، تتمتع بمساحات خضراء وكثرة في الانهار، ولكن العيش فيها ليس سهلاً للمبتدئين، فالحياة هنا تتطلب جهداً ومثابرة، ولكنها في الوقت ذاته تفتح آفاقاً وفرصاً لا تُحصى. لم أكن أتوقع أن أقول هذا، لكنني أحببتها، أحببت طاقتها وتنوعها وشعبها الطيب، وأحببت تنوع شعبها الافريقي والاوروبي والعربي واللاتيني والاسيوي، والكل يشعر بانه اميركي. وأحببت درجة الامان العالية وانت تسير في شوارعها، فالاولوية دوما للمشاة. ولم أشهد خلافا واحدا على مفارق الطرق، فالاوليات معروفة للجميع ومستوى الاخلاق عالية جدا. وأحببت هذا التناقض الذي جمعني بها، لأكتشف نفسي من جديد بين ما كنت أعتقده، وما عشته فعلاً.
لا شك أن هناك بضع أشياء لم تعجبني هناك، وهي غياب عامل الأمان الذي نشعر به في الاردن، وخاصة في بعض المناطق في المدن وليس في كل المناطق بالطبع، فهناك مناطق امنة ايضا، ولكن فيها كثرة من المشردين على الطرقات والذين ينامون في الشوارع، ولكن الشرطة تحترمهم ولا تقسى عليهم ابدا رغم تشويه المنظر الحضاري للمدينة وابرازهم الجانب القاسي من الاستغلال في النظام الرأسمالي. لم يعجبني أيضا كثرة الشرطة المدججة بالاسلحة، ولكن الحق يقال أن أحدا لا يمسّك بسوء طالما لا تسيء التصرف. واقتربت كثيرا من الكابتول حيث الكونغرس قاصدا ذلك إلى درجة أنني تكلمت مع الحراسة عند أول الدرجات ولم ينهرني أحد أو يطلب مني أحد الابتعاد.
كانت هذه الرحلة أكثر من مجرد زيارة... كانت مصالحة. أتمنى لرئيس وزرائنا التوفيق هناك.