أحمد الشوابكة
مادبا-الغد- يبتدع الخمسيني نضال التلولي لوحات فنية ومناظر خلابة من خلال الرسم بأقلام “الدهان” على البلاط “السيراميك” والأطباق الزجاجية، إلى جانب تعبئة الرمل في القوارير، التي تكاد من فرط إتقانها تنطق بالإبداع والتفرد.
أبو محمد الذي يتخذ من الرسم على البلاط وتعبئة الرمال حرفة له، يجد في عمله هذا متعة لا توصف، وباتت مهنته الوحيدة التي يعتاش هو وأسرته “المكونة من ستة أفراد” منها، فهو يعمل مع زوجته في محله الواقع في الشارع السياحي الذي يرتبط بمركز الزوار في مدينة مادبا، وهو مكان انطلاقة الأفواج السياحية إلى كنيسة الخارطة وقصر المحرق وسوق مادبا القديم والمتحف الأثري والسرايا.
تعلم أبو محمد هذه الحرفة العام 2003 أثناء زيارته إلى ماليزيا، على يد أحد المحترفين، ومن ثم أتقنها وأحبها حتى باتت عشقه؛ إذ يتواجد في محله يومياً من العاشرة صباحاً حتى السابعة مساء، وعلمها لزوجته وأبنائه خشية من اندثارها بعد أعوام.
ويستخدم أدوات الرسم وأقلام الدهان، إضافة إلى مادة نفطية “التنر”، ويتم مسح الألوان وسط الطبق بطريقة تعتمد على الدقة باستخدام فرشة متخصصة لهذه الغاية، كي يشكل منظرا من صميم الطبيعة، وبعد الانتهاء من عملية رسم المنظر، يتركه لمدة لا تقل عن خمس دقائق حتى يجف، ثم يقدمه للزبون، وأغلب زبائن محله السياح الأجانب الذين يؤمون المواقع السياحية في مدينة مادبا.
أبو محمد يحترف أيضاً حرفة الرسم بالرمل؛ حيث يؤكد أن الرسم بالرمل الملون داخل القوارير الزجاجية بمختلف أحجامها، هو حرفة قديمة جداً، ويعود تاريخها إلى أيام الأنباط، قبل اكتشاف الساعة الرملية، وتطورت مع مرور الزمن حتى أصبحت بالشكل الذي عليه الآن، مشيراً إلى أن العرب هم الأساس في تطوير هذه المهنة، وخصوصاً في طريقة تحضير وانتقاء الرمال المستخدمة في هذا العمل الفني.
ويذهب أبو محمد إلى أنه في الأحوال العادية يستخدم في عملية الرسم بالرمل حوالي 20 لوناً، لكن في الواقع يوجد تقريباً 40 لوناً، تستخدم جميعها في تشكيل المناظر التي تحاكي الواقع بألوانه وأشكاله، منوها إلى أنه يمكن تنفيذ أي شكل يريده الزبون من مناظر وأشكال مختلفة، حتى كتابة السور والآيات القرآنية، وتنفيذ صورة شخصية تصل دقتها إلى أكثر من 80 %، وتستغرق حوالي 20 يوماً لتنفيذها.
وعن آلية الرسم على القوارير الزجاجية، يقول أبو محمد “في البدء يجب أن تكون الزجاجة المراد الرسم عليها شفافة، وألا يكون الزجاج مزخرفا أو ملونا، وبعد ذلك يتم تحديد الرسمة التي سترسم داخل الزجاجة، وبعد ذلك يتم وضع الرمل بشكل أفقي ومتساو في كل الجوانب، ويضاف الرمل الملون بواسطة الملعقة إلى المحقن في حركات مدروسة وتدل عن خبرة ودراية واسعتين، وبعد الانتهاء من الرسم والشكل المطلوب والكلمات والأشكال المراد وضعها يستخدم سلك معدني، ليتم التحريك به داخل الزجاجة، ويتم ضغط الرمال لكي يثبت، ويشكل بعد ذلك قطعة فنية متماسكة وأخيرا تستخدم مادة لاصقة (الغراء) لإغلاق الزجاج من الأعلى، لمنع تسرب الرمل خارج الزجاجة”.
وأوضح أنه يمكن أن تكون اللوحة بناء على رغبة وطلب الزبون، والألوان الأساسية للرمال المستخدمة تكون من الطبيعة الصحراوية والجبلية وهي عادة؛ الأبيض والأحمر والسكري والأسود، وما تبقى من هذه الألوان فهي صبغات بألوان مختلفة، ثم يتم تنعيم الرمال لأن عملية الصباغة تزيد من خشونتها.
ويذهب أبو محمد إلى أن هذه الصناعة باتت تشهد تطوراً ملحوظاً في أساليب التعبئة والرسم، وتشهد إقبالاً متزايداً من السياح العرب والأجانب لما تحمله من لمسات جمالية فائقة الروعة والصنع.
أما عن مدة بقاء هذه القطع الفنية، فيؤكد أبو محمد أنها تبقى لأعوام عديدة بدون أن تتلف، إلا في حال كسر البلاطة أو صحن الزجاج أو إذا كان العمل غير متقن.
ومن الأشياء التي يكون الطلب عليها كثيفا؛ بلاطة أو صحن صغير الحجم، أما بخصوص الرسم بالرمل فأغلب الزبائن يطلبون الزجاجات الصغيرة جداً التي تستعمل كميداليات بداخلها رسمة صغيرة وبسيطة بواسطة الرمال أو كتابة أسماء داخلها، وغالباً ما يأخذها الزبون لأحد الأصدقاء للذكرى، ويكون سعرها معتدلا.
ويشير أبو محمد إلى أن الكثير من الرسومات تكون من وحي الخيال، وتعبر عن ذوق فني رفيع حتى في تدرج ألوان الرمل داخل الزجاجة سواء من الطبيعة كرسم حيوانات البيئة الصحراوية مثل الجِمال، أو البحار ومشهد الغروب، أو الناس على البحر وما يرافقها من إبداع بصري، أما بخصوص الرسم على البلاط فيكون حسب طلب الزبون، وعلى الأغلب المناظر الطبيعية، وخصوصاً الصحراء.
ويبين أن الأردنيين يرغبون باقتناء القطع الكبيرة التي توجد بها جمالية أكثر من وجهة نظرهم، لوضعها في صالونات المنازل وفي المكاتب أيضا؛ حيث تضفي جمالاً من نوع خاص، أما السائح الأجنبي فيرغب باقتناء القطع الأقل حجماً والبسيطة والأخف وزناً، معللا “لحملها أثناء السفر”.