عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Feb-2021

“صوت الموت”: كيف ترهب إسرائيل لبنان من السماء

 الغد-بيلين فرنانديز* – (ميدل إيست آي) 26/1/2021

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
تأتي الخروقات الإسرائيلية المستمرة للأجواء اللبنانية فيما البلد ما يزال يترنح من انفجار بيروت والكارثة الاقتصادية. ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 حتى شباط (فبراير) 2019، سجلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل”، ما معدله “96.5 انتهاكًا للمجال الجوي شهريًا، بمعدل 262 ساعة طيران”.
 
* *
في الساعات الأولى من صباح يوم عيد الميلاد، تلقيت رسالة نصية من صديق لبناني-فلسطيني في بيروت، أرسلها من الرواق أمام باب شقته. وكان قد ركض إلى هناك بعد أن هزه وأنهضه من نومه صوت الطائرات الإسرائيلية -التي ورد لاحقًا أنها طائرات و/ أو صواريخ إسرائيلية كانت في طريقها إلى ضرب أهداف في سورية المجاورة- وكان يغمره الشعور بأن شيئًا ما في الجوار على وشك الانفجار.
بطبيعة الحال، ليست الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية شيئاً جديداً. ولطالما اشتهرت إسرائيل بانتهاكها -ليس فقط لسماء لبنان، وأراضيه بشكل عام- وإنما أيضًا لطبلات آذان اللبنانيين، ورفاهيتهم العقلية والعاطفية.
يصف الصحفي الراحل روبرت فيسك في كتابه “ويلات وطن” Pity the Nation الذي كتبه حول الحرب الأهلية اللبنانية في الفترة من 1975 إلى 1990، الضجيج الهائل الذي تولد في إحدى المناسبات حوالي العام 1978 حين قامت طائرتان إسرائيليتان “باختراق حاجز الصوت أثناء تحليقهما على ارتفاع منخفض فوق غرب بيروت، وحطمتا زجاج النوافذ الأمامية للمتاجر في شارع الحمرا (الأيقوني الشهير في المدينة) بقنابلهما الصوتية”.
وكانت هذه الاختراقات وما يصاحبها من رعب صوتي مصدر إزعاج وقلق كبيرين بلا توقف منذ ذلك الحين. ومن المؤكد أن هذا ليس موضوعًا يجذب انتباه وسائل الإعلام كثيرًا، لكنّ المرء إذا قضى بعض الوقت على “غوغل”، وفسوف تظهر المشكلة سريعاً. ثمة رسالة من وكالة “رويترز” في العام 2017 حول الانفجارات الصوتية التي “حطمت النوافذ وهزت المباني” في مدينة صيدا بجنوب لبنان، بينما تسببت أيضًا في “الذعر” للسكان.
ثم هناك تقرير نشر في صحيفة “جيروساليم بوست” الإسرائيلية في العام 2007 حول الانفجارات الصوتية فوق النبطية ومرجعيون -الأخيرة مدينة ذات أغلبية مسيحية كانت في السابق مقرًا لجيش لبنان الجنوبي، وهو ميليشيا إسرائيلية بالوكالة مارست التعذيب والإرهاب بلا حسيب ولا رقيب ضد اللبنانيين خلال الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر عقدين لجنوب لبنان والذي انتهى في أيار (مايو) 2000.
وهناك عنوان رئيسي لهيئة الإذاعة البريطانية في العام 1998: “الطائرات الإسرائيلية تصنع الفوضى بسبب انفجارات اختراق حاجز الصوت فوق لبنان”، وتتحدث المادة عن الغارات الوهمية التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي فوق بيروت وضواحيها.
من المؤكد أن عدم الاهتمام النسبي لوسائل الإعلام بهذا الموضوع لا يأتي من نقص المعلومات. فلبنان لا يكاد يتردد في الإعلان عن الانتهاكات غير القانونية الصارخة لمجاله الجوي من قبل جارته الجنوبية المعادية، وقد قدم في مناسبات مختلفة شكاوى إلى الأمم المتحدة -كان آخرها في كانون الثاني (يناير) الماضي.
تاريخ شرير
في آذار (مارس) 2019، أفاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن إسرائيل “واصلت انتهاك المجال الجوي اللبناني بشكل شبه يومي، في انتهاك للقرار 1701 (2006) وللسيادة اللبنانية”. وكان قد تم تبني القرار 1701 في نهاية الحرب التي شنتها إسرائيل واستمرت 34 يومًا على لبنان في العام 2006، وأسفرت عن مقتل حوالي 1200 شخص في البلد، غالبيتهم من المدنيين.
بالنظر إلى سجل إسرائيل في لبنان، وهو تاريخ شرير يتضمن أيضًا غزو العام 1982 الذي قتل فيه ما يقدر بنحو 20 ألفًا -معظمهم، كالعادة، من المدنيين- ليس من الصعب أن نرى السبب في أن التحليقات الجوية والقنابل الصوتية الناجمة عن اختراق حاجز الصوت تتسبب في إثارة “الذعر” وتروع السكان.
أشار غوتيريش في تقريره إلى أنه منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 حتى شباط (فبراير) 2019، سجلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (“اليونيفيل” غير المؤقتة كثيراً في واقع الأمر، والتي يعود تاريخ تواجدها إلى العام 1978)، “96.5 انتهاك للمجال الجوي شهريًا، بمعدل 262 ساعة طيران”. وقال إن تحليقات الطائرات من دون طيار “مثلت نحو 77 بالمائة من الانتهاكات، فيما تتعلق الخروقات المتبقية بطائرات مقاتلة أو طائرات مجهولة الهوية”.
لا يستطيع المرء سوى أن يتخيل فقط الانفجارات الغاضبة الهائلة و/ أو الحرب الإقليمية التي ستنشأ لو كان حتى جزء صغير من هذه الانتهاكات يحدث في الاتجاه المعاكس. وفي واقع الأمر، استوعبت إسرائيل النظرة العالمية لصديقها الإمبراطوري الأميركي، التي بموجبها تعدر حدود الوطن مقدسة، بينما يمكن الدوس على حدود أي أحد آخر وأرضه حسب الرغبة.
حرب نفسية
يشكل قطاع غزة منطقة أخرى تستخدم فيها إسرائيل انتهاكات المجال الجوي المستمرة كوسيلة للحرب النفسية -بعبارة أخرى، للإبقاء على السكان أحياء- ومروّعين بالصدمة.
في مقال نشرته قناة الجزيرة في العام 2013، نقل الصحفي جوناثان كوك عن حمدي شقورة، من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حديثه عن انتشار الطائرات الإسرائيلية من دون طيار في سماء غزة، على الرغم من “الانسحاب” الإسرائيلي المفترض من المنطقة في العام 2005. وقال شقور: “ذلك الضجيج هو صوت الموت. لا مفر، وليس هناك أي مكان خاص. إنه تذكير بأنه، مهما أكدت إسرائيل والمجتمع الدولي على عكس ذلك، فإن الاحتلال (في القطاع) لم ينته”.
ينبغي التأكيد أن “صوت الموت” ليس تعبيراً مبالغاً فيه. من بين المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا من قبل طائرات إسرائيلية من دون طيار مزودة بصواريخ، أربعة أطفال كانوا يلعبون على شاطئ البحر في غزة في العام 2014 -وهي جريمة برأت إسرائيل نفسها من ارتكابها في العام التالي.
بالعودة إلى لبنان، أدى الارتفاع الأخير في نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في الأثناء إلى نشر وكالة “أسوشيتيد برس” خبراً في 10 كانون الثاني (يناير) تحت عنوان: “الطائرات الإسرائيلية التي تحلق يومياً على ارتفاع منخفض فوق لبنان تنشر التوتر العصبي الشديد”.
وفي إشارة إلى “الإرهاب” الذي تعرض له سكان بيروت في عيد الميلاد، يتابع المقال ليشير إلى روايات قوة الـ”يونيفيل” التي تقول إن إسرائيل ارتكبت، بين حزيران (يونيو) وتشرين الأول (أكتوبر) 2020، ما معدله اليومي 12.63 انتهاك للمجال الجوي، حيث مثلت انتهاكات الطائرات من دون طيار حوالي 95 بالمائة.
الإرهابيون الحقيقيون
كانت “التوترات العصبية” اللبنانية حادة بشكل خاص في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن احتمالية نشوب نوع من الحرب الإقليمية في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب في الولايات المتحدة لم تتحقق. وكأن العذاب النفسي الناجم عن العقاب الجماعي الجوي الإسرائيلي لا يكفي حتى تفاقمه ظروف لبنان الحالية.
ما يزال البلد يعاني من انفجار مرفأ بيروت في آب (أغسطس) الذي دمر المدينة، والانهيار الاقتصادي المحلي ومعدلات فيروس كورونا المرتفعة بحد ذاتها، من دون إضافة المزيد من الانفجارات الصوتية والطائرات من دون طيار إلى هذا المزيج. بينما تصر إسرائيل على تصوير نفسها بلا كلل على أنها الضحية الأولى للإرهاب في العالم، فإن الأمر يستحق تتبع من هو الذي يمارس الإرهاب فعلاً.
*Belen Fernandez: مؤلفة كتابي “المنفى: رفض أميركا والعثور على العالم”، و”الرسول الإمبراطوري: توماس فريدمان في العمل”. وهي محررة مساهمة في مجلة “جاكوبيان”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: ‘The sound of death’: How Israel terrorises Lebanon from the skies