عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Apr-2020

شاي عم أحمد

الراي - أبواب - زياد عساف «مرارة الشاي لا تعني عدم وجود السكر فيه، لأنه وبمجرد تحريك الشاي ستظهر حلاوته، كذلك الخير موجود في نفوس أغلبية الناس، لكنه يحتاج لمن يحركه».

مقولة شعبية عميقة رغم بساطتها،يتداولها اهل المغرب العربي عادة، وهي لسان حال الواقع المعاش الآن مع انتشار الوباء عالميا، والذي كشف بدوره عن معادن الناس الاصيلة، وحضورها كخط الدفاع الأول لمقاومة هذا الفيروس الذي ستهزمه الإنسانية حتما و كما اثبتت التجارب ويلوح في الافق الآن.
ذكريات..
في أجواء الحظر المؤقتة عاد ( الشاي) ايضا بطقوسه القديمة يحيي في الروح ذكريات جميلة تعيد التوازن النفسي الذي نحن أحوج ما نكون اليه الآن.
هذا المشروب الأصيل يحمل في نفوسنا دلالات ومعاني جميلة، فهو (لمة) العائلة و الأخوة قبل التوجه للمدرسة صباحا، والصديق في أمسيات السهر، وحكايا (كيّفية) الشاي من كبار السن حول الموقد في ليالي الشتاء، ومن عاش الأعراس الشعبية في عمان والمحافظات الأخرى لاينسى ابريق الشاي الكبير الذي يطوف على المعازيم والمهنئين في الساحات الخارجية مع أجواء الدبكه والرقصات الشعبية.
الأستاذ خضر.
الأستاذ خضر مدرس اللغة الانجليزية في المرحلة الاعداية، واحد من الشخصيات التي لا انساها وارتبط بمشروبي المفضل عندما دخل لغرفة الصف في احد الايام، وطلب منا كتابة موضوع انشاء بعنوان (tea of cup a make you do How ،(أي كيف تصنع كوباً من الشاي، وكان من أجمل المواضيع التي لم ننسها، فبالإضافة لكونه إنسانا ودودا مخلصا في رسالته التعليمية لم يكن يستخدم العصا لتعنيف التلاميذ، فلقذ حقق الطلاب بالاغلبية علامة مرتفعة بهذا الامتحان، كونه حدد موضوعا مالوفا نتعايش معه يوميا لا بل نعده بأيدينا، واصبح من العبارات الشائعة في قاموسنا اليومي وقتها ( شاي الأستاذ خضر).
حكايه عرفة..
يعتبر الشاي المشروب المفضل في أغلب الدول العربية، اما في مصر فهو الأول لدرجة أن وزارة التموين اعتمدته كسلعة مدعومة للمصريين كالرز و السكر والزيت.
ومن القصص المعروفة في بداية الستينيات ان (شاي الشيخ الشريب) كان الأكثر مبيعا ويعود ذلك للدعاية الذكية التي اتبعها صاحب المصنع علوي الجزار عندما اعتمد صورة (عرفة) السائق الذي يعمل عنده وهو يصب الشاي بالفنجان، كدعاية للمنتج وبلبسه الشعبي البسيط الجلباب و الطاقية و لحيته المهذبة، و ما ساهم بنجاح السلعة ملامح عرفة البسيطة و الصادقة التي توحي بالوداعة و الحكمة وما تعكسه من لمسة دينية تخاطب الفطرة التي بني عليها المصريون.
عم احمد..
( عم احمد) من الشخصيات التي ارتبطت في ذاكرتي بهذا المشروب كلما حللت في القاهرة واعتدت تناول الشاي مع صحبة جميلة من الأصدقاء في ساعة متأخرة من الليل في مقهى عم احمد الصغير في وسط البلد، وفي شارع فرعي بميدان طلعت حرب.
مع الشاي المعتق الذي كان يعده لنا مع (الشيشه) المعسل كانت تحلو السهرات و انا استمع لحديثه عن الفنانين والادباء الذين جلسوا عنده او تبادل معهم الحديث أثناء مرورهم بجانب المقهى، مثل ليلى مراد و عبد المنعم ابراهيم و محمود المليجي و احمد مظهر ويوسف السباعي، ومن القصص الطريفة التي رواها عندما حضر فريد الأطرش لقص شعره في صالون حلاقة مجاور لمحله، وذهب بحكم عمله لتقديم كاسة شاي لفريد بناء على طلبه واعطاه يومها عشرة جنيهات إكرامية وكان مبلغا كبيرا انذاك. طقوس..
والملفت للانتباه وعلى عكس العديد من الدول العربية ان الشاي في مصر يقدم في مناسبات العزاء أيضا، و شاهدت ذلك أثناء تقديمي واجب العزاء في جامع عمر مكرم بوفاه قامتين كبيرتين في عالم الفن و الأدب هما احمد فؤاد نجم الذي لم يكن يفارقه كوب الشاب أثناء لقائنا به عند محمد هاشم في دار ميريت للنشر في شارع قصر النيل، والثاني هو الأديب والكاتب اسامة أنور عكاشة الذي ظل يرافقه كوب الشاي أثناء طقوس الكتابة التي يمارسها، وضمن صفحات كتاب ( بين الكاتب العادي و اسامة أنور عكاشة) يذكر المؤلف عمرو ميز ذهب عن موقع الشاي في دراما عكاشة لاهميته في حياة الشعب المصري وكيف وظفه كاكسسوار متحرك ليضفي على المشهد مزيدا من الصدق.
حظ أوفر ..
من حق المشروبات الشعبية الأخرى ان تشعر بالحسرة و الغيرة من الشاي كونه صاحب الحظ الأوفر من الأغاني، والتي لم تكن للدعاية حتما وإنما عبرت عن واقع اجتماعي و اقتصادي و سياسي.
في هذا السياق أراني استعيد اللقاء الصحفي الذي اجريته مع الموسيقار محمد سلطان في منزله بجاردن سيتي بالقاهره عام ٢٠١٢ ،وصرح يومها لأبواب الرأي عن حكاية اغنية (قاعد معاي) والمعروفة باغنية الشاي وغنتها زوجته و ام أولاده فايزة احمد وكلمات عبد الرحمن الابنودي ، ويقول سلطان بأنها جاءت على شكل قصة، الهدف من الاغنية التركيز على الترابط الأسرى من خلال مشروب الشاي، ومختصر قصة الاغنية تدور حول المصالحة بين زوجين وانتهاء الخلاف الذي سببه (العوازل) بمجرد تناولهما مشروب الشاي معا.
و من الأغاني الأخرى التي كان بها الشاي يجمع شمل الأحبة ويصالحهم كلما دبت الخلافات، غنت صباح :
«تخاصمني ليه وازاي
خليك لطيف وياي
وتعالى ياللا تعالي
اشرب معايا الشاي»
زيدوا حلاته..
عبرت أغاني أخرى أيضا عن حالة الفقر في زمن الاقطاع، كاغنية ليلى نظمي (ما اشربش الشاي اشرب ازورزه انا)، و تشير هنا لفترة الاقطاع في مصر وما خلفه من فقر، وجاء التعبير عن هذا الواقع على لسان فتاة سئمت الشاي مشروب الفقراء وتحلم بالعيش في أجواء الاغنياء الذي تمثله هنا المشروبات الغازية.
وبالتمعن في اغنية ( يا صبابين الشاي زيدوا حلاته) وهي من التراث الغنائي الأردني القديم، و اعادها بصوته الفنان الأردني فهد نجار وسميرة توفيق و طروب، نتوقف هنا عند (زيدوا حالاته)، كناية عن التعويض عن الحلويات التي بشتهيها الإنسان ولا يملك ثمنها.
في أغاني الشاي كان للاطفال محطة هامة من خلال اغنية (انا ابريق الشاي) كلمات صلاح جاهين وغناء سيد الملاح الذي تقمص ابريق الشاي في الشكل و الحركة ونجحت الاغنية لأسباب كثيرة وأهمها توظيف ابريق الشاي باعتباره مالوفا للصغار ما ساهم بتوصيل الفكرة بكل صدق و سلاسة.
شاي ثقيل..
اما عن النوادر المرتبطة بالشاي، يتحدث بعض الأزواج عادة عن مساعدتهم لزوجاتهم في المنزل في الظروف التي تتطلب ذلك كاجواء الحظر التي نعيشها الآن، و يقول الزوج انا كنت اساعد زوجتي بالعمل الخفيف بالمنزل مثل الجلي و الطبيخ و التنظيف والزوجة تنجز العمل الثقيل وهو اعداد الشاي، وعندما يسأل هل تحضير الشاي عمل ثقيل؟ فتكون الاجابة الذكية المتخيلة : (ما هي بتعمل الشاي ثقيل) ٠