عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Nov-2019

نحن الوطن* سلمى الزيدي
 
النشرة الدولية -
في كل مرة أقف لأفهم فيها معنى الانتماء أعجز على تقديم معنى واقعي وأسأل هل هو الوطن الذي نعيش فيه أم هو الذي يعيش فينا؟ هل هو ما نقدم كل شيء من أجله ونحارب لكي يحيا على حسابنا نحن أم من يقف بكل هيبه وشموخ لنعيش داخله بمساواة يغلب عليها طابع العدالة؟
نولد ونكبر داخل أوطاننا نتعلم كل شيء فيها كيف نعيش كيف نتأقلم رغم كل الظروف، إذا سمعنا النشيد نشعربالوطنية المبهمة إذا شاهدنا الوطن في المحافل والتجارب الدولية نفتخر رغم أنه في بعض الأحيان الواقع لا يدعو أبدا لهذا لكن في كل مرة نقسم أننا لا ننتمي له ينادى في الصفوف الى الوحدة فنحتل المراكز الأمامية.
لم أتخيل يوما أن أكتب عن الانتماء لأنه وكما ذكرت لا أجد تفسيرا له وربما هذا بسبب خلفية أحملها "كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جوازالسفر" لكن ما تعيشه تونس من مراحل عديدة وجديدة يحثني على البحث والكتابة لكي أجد تفسيرا لانتمائي الروحي لها.
لا يمكن لأحد أن ينفي أن حلم كل شاب عربي اليوم هو مغادرة الوطن والعيش في بلد أبعد جغرافيا وحضاريا لكن كل التجارب التي شاهدتها أمامي أو حتى سمعت عنها تتشارك في حنين المغتربين للوطن.
فرص عمل أوسع، العيش الكريم والحريات المضمونة وكل ما نستحق لننجح أكثر ولكن رغم كل هذا عندما تأتي الفرصة نطلق العد التنازلي للعودة.
أظن أن السر الأقرب للواقع هو الفارق الشاسع بين الوطن والنظام الحاكم، أقصد أننا لا نغادر أوطاننا بل نغادر أنظمتنا وأينما ذهبنا نكون محملين بأوطاننا لأنها نحن في الحقيقة.. نحن الوطن وهو يفقد معناه ومضمون وجوهر الانتماء بغيابنا، تسقط جميع الأنظمة ولكن يبقى الوطن أينما ذهبنا ومتى بقينا والذاكرة الشعبية النابضة هي ما تجعلنا ننتمي وبقوة،المعنى الحقيقي لكل التجارب الأولى هو ما يشدنا نحو الوطن وكل ما تبقى هو مجرد شكليات زمنية ستزول كما زالت كل الأنظمة الاستبدادية.
بعد كل ماكتبته لا يمكنني أن أحث أحدا على البقاء داخل وطنه لكن على أقل لا تنسى أن تحمل هويتك معك دائما وأبدا لأنهابوصلتك في رحلة الحياة المربكة ولا تنسى أنه عندما يلفظ الانتماء لن تشعر بالخوف والرهبة طالما هي معك "خلي ايدك ع الهوية وشدعليها قد ما فيك ".رغم ايماني الشديد بأن ليس مهم من أين نأتي المهم معرفة إلى أين وكيف سنذهب لكن لا يمكن أن نندمج في هذا العالم بعبثية مطلقة. 
رغم إصراري الدائم أن الإنسانية هي الهوية والدين هو الأخلاق واللغة ليست مهمة بقدر الفكرة لكني أقر أن الوطن هو البداية والنهاية وماعشنا عليه من حضارة تحمل حتما الإنسانية ومن دين يرتكزفي الغالب على الفضيلة والأخلاق ومن لغة تحمل أفكار ثرية وشيقة.
أنا لا أحاول التعصب للهوية تحت اسم الانتماء لكن أتحدث عن جوانبها التي تأخذ طابع الجغرافيا والتاريخ وهي حتما ترتكز على الوحدة الوطنية بل والعالمية.
لا يمكن أن ننتزع الحنين الجارف لأوطاننا لكن يمكن أن نحاول أن نفهم أن أوطاننا تعيش داخلنا بل وحتى أنه نحن الوطن لهذا من الأجدر أن نتصالح مع الهوية لأنها الطريق الأسهل لفهم الانتماء وأن نتقبل الهويات الأخرى، ربما طريقة تقديمها مختلفة لكن غايتها واحدة كلنا سواسية في الواجب والحق.