عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Mar-2021

بمناسبة عيدها الخامس والخمسين ... ليلة القبض على "الدستور" وبداية الإنهيار في الصحافة اليومية* موسى حوامدة
 
صندوق الإستثمار في الضمان الاجتماعي هل كان حصان طروادة؟
أخبار البلد -
 
كانت احتياطيات جريدة الدستور الأردنية عام 2011 لا تقل عن خمسة ملايين دينار أردني، وكانت الموجودات تقدر بثمانية عشر مليونًا، وزاد عدد الموظفين في تلك السنة على الستماية موظف، ما بين صحفي وإداري وعامل، عدا المراسلين والكتاب العاملين حسب نظام المكافأة، ولم يكن يتأخر الراتب الشهري لكل موظفي وعمال الصحيفة، بل وصل الأمر حد إقرار راتب الخامس عشر سنويًا، فكان الصحفيون والموظفون يتقاضون راتبًا إضافيًا كل أربعة أشهر .
كان الأستاذ سيف الشريف هو رئيس مجلس الإدارة، والذي كان قد شغل منصب المدير العام لأكثر من عشرين سنة ماضية، وكان قبلها يعمل في الإدارة وتدرج في المواقع، واكتسب خبرة كبيرة، وصار نقيبًا للصحفيين لأكثر من مرة، شخصيًا اختلفت معه في أكثر من موقف، وكنت لا أحظى بزيادة سنوية كبقية الزملاء، وفي بعض السنوات كانت زيادتي لا تتعدى الخمسة دنانير، وكانت للرجل أخطاء، ومن ضمنها اعتماده على بعض المستشارين، وقيامه بتعيينات في سبيل الانتخابات، واستغلال موقعه للضغط على الصحفيين لانتخابه، واتكائه على بعض الصحفيين لأسباب ليست مهنية، يعني لم يخل الرجل من مزاجية واختلاط بعض المعايير، وقد ترشحت ضده لمنصب نقيب الصحفيين عام 1999م، كونه مدير عام وبالطبع تتعارض مصالح الصحفيين مع مصلحة أي مدير عام في أي مؤسسة إعلامية، وطبعًا كسب الانتخابات، ولم أفاجأ بذلك، وصار نقيبًا للصحفيين، ويمكن القول أن له أخطاءه الإدارية والنقابية، ومنها مثلًا قبوله تعيين من لا يستحق، في المواقع القيادية، وتجاوز بعض المهنيين المشهود لهم، وعدم التزامه بوضع هيكل وظيفي للجريدة، والتناقض في الامتيازات والزيادات السنوية، كانت له حساباته، وطريقته في النظر للأمور، ولكن والحقَّ يقال لم يكن الرجل ظالمًا، ولا متغطرسًا، وكانت لديه معايير مهنية وأخلاقية ورثها عن والده وعمه، ولم يسجل عليه قيامه بفصل زميل أو التجبر بأحد، كما لم تسجل ضده شبهات فساد، وكان حريصأ على استمرار الدستور، وكانت علاقاته طيبة مع إدارة الصحف المنافسة، والوسط الصحفي عمومًا.
أما اسماعيل الشريف نائب مدير عام الجريدة والذي سبق له وعمل مساعدًا للمدير العام عدة سنوات من قبل، فكان تقريبًا هو من يدير المطبعة والقسم التجاري، وصار يمتلك خبرة كبيرة في إدارة الصحيفة وشراء الورق والحبر والمواد المختلفة، وكان يجلب العديد من عطاءات طباعة الكتب من عدة دول عربية، وحين تم تعيينه مديرًا عامًا للجريدة، كان يستحق ذلك فهو قد خبر الجريدة، ويمتلك مع شقيقاته حصة الأسد من الأسهم فيها تزيد على 11% بينما كان أبناء عمه المرحوم محمود الشريف قد باعوا الجزء الأكبر من أسهمهم، بعد وفاة أبيهم عام 2003م.
كان أبو كامل أعني اسماعيل الشريف وهي (شهادة لله) يتطلع إلى تحديث الصحيفة مبكرًا وقدم أفكارأ عملية، وعقد اتفاقيات مع شركات الاتصالات، وسعى إلى فتح آفاق تكنولوجية لاستمرار دخل الصحيفة، وكان يقرأ مستقبل الصحافة الورقية ويخشى من تراجع دورها، ويسعى لإيجاد موارد بديلة كي لا تفاجأ الصحيفة بشحِّ الإعلانات أو المبيعات اليومية، ولكن قام التيار المعاكس داخل الجريدة والذي كان يمثله رئيس التحرير في ذلك الوقت بالتصدي لتعيينه وتم تدخيل العديد من الجهات، ومورست الضغوطات حتى تم التراجع عن القرار الذي كان قد وافق عليه مجلس إدارة الشركة الأردنية للصحافة والنشر الدستور.
ولكوني مالكًا لعدد من الأسهم في الشركة (650) سهمًا ربما كانت هبة لموظفي الجريدة في سنة من السنوات أصبح ثمنها اليوم لا يساوي ثلاثة قروش، كنت أحضر مرات الاجتماع السنوي للهيئة العامة، وكان صندوق الاستثمار في الضمان الاجتماعي يملك 30% من أسهم الدستور وأكثر من 50% من أسهم الرأي، وبدأ يزيد مساهماته في السنوات السابقة في الدستور بينما كانت الدولة تتجه الى الخصخصة، وتم بيع العديد من مؤسسات القطاع العام للقطاع الخاص، لكن توجه الضمان الاجتماعي وخاصة في الصحافة الورقية كان يسير على العكس من ذلك، فقد اشترى المزيد من الأسهم، حتى زادت مساهماته على الخمسين بالمئة في أكبر وأعرق صحيفتين يوميتين.
في عام 2011 وبعد عام من الربيع العربي، عقد الاجتماع السنوي للهيئة العامة، وبعد قراءة الميزانية واقرار الأرباح ومدقق الحسابات، رفض ممثلو الضمان المصادقة على الميزانية، وقبل أن يحين دور انتخاب مجلس الإدارة الجديد، الذي يتكون من تسعة أعضاء كان للضمان بينهم أربعة، وهذا يعني أنهم رفضوا إعادة انتخاب سيف الشريف رئيسًا لمجلس الإدارة، والذي كان يمتلك خبرة طويلة في العمل الإداري وهو ابن مؤسس الصحيفة المرحوم محمود الشريف وشقيقه كامل، وكان ابن عمه اسماعيل كامل الشريف هو المدير الحقيقي والتنفيذي للشركة وللصحيفة، وكانت علاقاته جيدة مع الصحفيين والموظفين، وحتى مع عمال المطبعة وكان رجلًا خلوقًا ومهذبًا، وكانت المطبعة التجارية حينها تطبع كتبًا لوزارة التربية والتعليم في العراق، وطبعت صحفًا سورية وحتى مصرية، وكانت الشركة تكسب عطاءات حكومية محلية لطباعة العديد من الكتب والمطبوعات.
حين رفض ممثلو الضمان اقرار الميزانية، وكان ذلك بإيعاز من إدارة الضمان الاجتماعي، تم تشكيل مجلس مؤقت لإدارة الجريدة، وتم تجميد رئيس مجلس الإدارة، والمدير العام فورًا، وكان من الواضح أن هناك قرارًا بالسيطرة على الجريدة، وكف يد آل الشريف عن إدارتها.
وكان لهم ما أرادوا، فقد تقلب على إدارة الجريدة ورئاسة مجلس إدارتها العديد من الشخصيات، ولكن احتفظ رئيس التحرير بموقعه، وظلت الجريدة تتراجع وتتخبط في سياستها وإدارتها، حتى بدأت خسائرها تتضخم، وهبط سعر السهم فيها، حتى بات غير مطلوب وتم وضعه على جدول غير التداول، في سوق عمان المالي. ولم تعد الشركة تستطيع اليوم طرح منافسة على أي عطاء طباعة بسبب القضايا العمالية المرفوعة عليها.
كان الضمان الاجتماعي وإدارة صندوق الاستثمار وكي يبعد تهمة التدخل المباشر في إدارة الصحيفة، قد قام بتأسيس شركة راما للاستثمار، وباعتبارها هي مالكة الإسهم في الصحيفتين، وكان صندوق الإستثمار قد هيمن على صحيفة الرأي، فهو يمتلك أكثر من نصف الأسهم، ولكن ظل محمد العمد ذو الخبرة الطويلة هو من يدير الرأي، حتى حل محله تلميذه نادر الحوراني، وظلت الجريدة متماسكة إلى حد ما، ولكن بعد ذلك وضع الضمان يده على مجلس إدارة الرأي، وبدأت الأمور تتغير، وبدأت الخسائر تظهر وأوضاع الصحيفة تتراجع.
في الدستور وفي عام 2011 وحين رفض ممثلو الضمان الموافقة على الميزانية وانتخاب مجلس الإدارة السابق، طالبوا بحصولهم على خمسة مقاعد في مجلس الإدارة، وبذلك تصبح لهم الأغلبية، وكان من الواضح أن هناك مخططًا ما يتم تنفيذه بشكل سريع، وقد تم اختيار أستاذ جامعي ووزير سابق رئيسًا لمجلس الإدارة، وقد هلَّل التيار القوي داخل الجريدة للانقلاب، رغم أن سيف الشريف هو من اختار رئيس التحرير وقام بتعيينه، وألقى خطابًا يوم أعلن ذلك على الموظفين والصحفيين، قال فيه: أنه تم اختيار رئيس التحرير لأنه ابن عشيرة معروفة، ولديه سنوات طويلة من الخبرة، رغم أن عشرات الصحفيين كانت لديهم خبرات وسنوات أكثر، ولكن قد لا يبدو أن قرار رئيس المجلس كان مستقلًا، فلا نعرف خلفيتات اتخاذ القرارات في كل مؤسساتنا الاعلامية حتى اليوم. وإن كان هناك مجالس إدارة فربما يتم تعيين رئيس التحرير أو المدير العام دون علمهم، وما عليهم سوى الموافقة، وقد لا يستطيعون فرض سياسة متفق عليها مع المدير العام، أو رئيس التحرير.
بعد الانقلاب التاريخي على الدستور، والذي كان أشبه بمسلسل ليلة القبض على فاطمة للمخرج محمد فاضل، بطولة فردوس عبدالحميد، تم رفع العلم الأردني بشكل مبالغ فيه على الواجهة الأمامية، بل تم وضع العلم على شبرة الصحيفة، وكانت تلك حركات استفزازية، تقصد القول أن الصحيفة لم تكن أردنية، رغم أن المرحوم محمود الشريف صار وزيرًا للاعلام، وشقيقه كامل الشريف ظل وزير أوقاف لعدة سنوات طويلة، بل كان مستشارا للملك حسين للشؤون الاسلامية، وكان وما زال شعار الدستور يحمل صورة الأقصى ممزوجة بصورة البترا، ولكن كانت هناك مبالغة في ردة فعل "المنتصرين"، وإشارات بأنهم حرروا الجريدة من (أعداء الوطن)، دلالة على أن الربيع العربي أسقط العائلة (المالكة) للدستور، علمًا أن العدد الأول من الصحيفة صدر في شهر آذار (يعني قبل خمسة وخمسين عامًا) في مدينة القدس قبل الاحتلال، وتم نقل الجريدة إلى عمّان، وواصلت الصدور بشكل منتظم، حتى جاء رئيس الوزراء زيد الرفاعي في نهاية الثمانينيات وقرر السيطرة على صحيفتي الرأي والدستور، وقرر حشر المقالات كلها في صفحة واحدة، ثم قام بتغيير الإدارة ورئاسة التحرير، ولكن يبدو أن الملك حسين رحمه الله لم يكن راضيًا عن ذلك، وعمَّا آلت إليه الصحف اليومية، فأعاد الاعتبار لآل الشريف وللمرحوم محمود الكايد في الرأي.
ومع نهاية السنة المالية 2011 بدأت الصحيفة تتراجع مهنيًا، وتخسر ماديًا منذ السنة الأولى للمجلس المؤقت الجديد، وكان قد بدأ الانهيار، وبدأت الخسارة تزداد عامًا بعد عام، وصارت الخسائر تتراكم وصندوق الضمان، يعزل من يشاء ويعين من يشاء، في مجلس الإدارة وفي المناصب العليا، وبدأت رواتب الموظفين تتأخر وصار العديد منهم يخرجون للاحتجاج والاعتصام، وكان الحل دائمًا تخفيف الرواتب الشهرية، والاستغناء عن أعداد من الموظفين والعمال، حتى وصل الحال اليوم إلى تراكم الخسائر والديون بالملايين، رغم أنه تم فصل العديد من الصحفيين والموظفين والعمال، فقد تم فصل أو الاستغناء أو اقالة أكثر من 65% من الموظفين والصحفيين والكتاب، كان العدد قبل الانقلاب يزد على 600 موظف وبات اليوم في حدود ال200 هذا عدا الإستغناء عن عدد من الكتاب ومراسلي الدستور في العديد من العواصم العربية والغربية.
رفع عدد كبير من المفصولين قضايا ضد الشركة، وكسب الكثير منهم قرارات قضائية، وغرقت الصحيفة في ديون كثيرة وصلت اليوم إلى الملايين، وصارت ترحل أزماتها المالية، وتطالب الحكومة بإنقاذ الشركة، فقام الضمان الاجتماعي نفسه بشراء مباني الدستور، ثم قام بتأجيرها ضمن ما يسمى التأجير التمويلي للجريدة، بل يقال أنه رفع قضايا على الجريدة وقام بالحجز على بعض الموجودات فيها...ولا نعرف هل هذه حقيقة أم هي لمنع حجز دائنين آخرين.
وكما جرى في الدستور كان يجري بصورة أخرى في الرأي نتيجة الهيمنة والإدارة الخاطئة للصحيفتين من قبل الضمان الاجتماعي، طبعًا صار الضمان هو المالك الأكبر للصحف، ولكن التعيينات نفسها بما في ذلك رئيس مجلس الإدارة والمدير العام ورئيس التحرير لا يتم تحديدها في مجلس الإدارة نفسه، كما قلنا سابقًا.
ترى من يتحمل مسؤولية ما جرى، وما وصلت إليه الصحافة اليومية، من تراجع مهني، وخسائر مالية، غير صندوق الاستثمار في الضمان الاجتماعي وسياساته واختياراته التي أوصلت الصحيفتين إلى وضع مالي صعب، وقد بات من الصعب انقاذهما دون تدخل حكومي، فهل سيتحمل الضمان الاجتماعي مسؤولية قرارته وينقذ الصحف اليومية أم يسحب يده منهما ويحتفظ بمساهماته في كافة الشركات بنسبة لا تؤهله للهيمنة على هذه الشركات ويظل في منآى عن إداراتها وتحمل مسؤولية الخسائر لأن هناك فرقًا كبيرًا بين إدارة القطاع العام وإدارة شركات القطاع الخاص، ومن يهبط بالباراشوت ليس كمن أسس وصنع وفكر وتحمل الربح والخسارة فليست النائحة كالثكلى .
واليوم ما هو السبيل للخروج من الأزمات التي تعاني منها الصحيفتان هل هو بالمزيد من الفصل وعدم دفع حقوق المفصولين وحرمانهم حتى من تنفيذ القرارات والأحكام التي صدرت عن القضاء الأردني، أم لدى صندوق الاستثمار في الضمان خطط بديلة ما دام قد حقق أكثر من 70 مليون دينار كأرباح للعام الفائت كما تقول مديرته. وهل لدى الحكومة نية وخطة لحل أزمة الصحف المالية، بعد هذا التراجع المهني والتراجع في حرية التعبيرـ وعزوف الكثيرين عن شراء الصحف وانخفاض حجم الإعلانات التي صارت المواقع الالكترونية تنافس على استقطابها.