عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-May-2022

ناشونال إنترست: حرب باردة جديدة مع روسيا لا تنذر بخير ولن تنتهي بانتصار أمريكا

 القدس العربي-إبراهيم درويش

كيف ستنتهي الحرب الباردة الجديدة مع روسيا؟ سؤال طرحه بروفسور بول بيلار الذي عمل في المخابرات الأمريكية لمدة 28 عاما وعمل في ملفات لتحليل المعلومات الأمنية من الخليج وجنوب آسيا. وعمل أيضا في المجلس الوطني للاستخبارات.
 
ويرى بيلار بمقاله بمجلة “ناشونال إنترست” أن حربا باردة جديدة مع روسيا لا تنذر بخير ولن تنتهي -هذا إن انتهت- بلحظة انتصار وهيمنة قطب واحد على العالم. وقال إن الرد الغربي الذي قادته الولايات المتحدة ضد العدوان الروسي على أوكرانيا كان مثيرا للدهشة وأبعد من توقعات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن المشكلة في هذا الرد أنه تطور إلى أبعد من المواجهة العسكرية المباشرة في أوكرانيا إلى نزاع طويل وواسع مع روسيا. وبدا هذا التوسع واضحا من الهدف الأمريكي المعلن وأنه لم يعد متعلقا بوقف العدوان ضد أوكرانيا بل وإضعاف روسيا.
 
ويعكس هذا الهدف تحولا في السياسة الخارجية، وليس خروجا عن النصر للرئيس جوي بايدن عندما قال إنه يجب عدم السماح لبوتين البقاء في الحكم. ويرى بيلار أن تحديد هدف أمريكا وحلفائها بإضعاف روسيا يطرح مشكلتين، واحدة أنه يؤكد دعاية بوتين التي تؤكد أن الغرب لا يدعم أوكرانيا فقط بل ويهدد روسيا. أما المشكلة الثانية فالإعلان يعقد من أي تسوية ويخفض ثقة موسكو بأنها لن تحصل على أي مخرج ذي معنى من العقوبات الغربية والنبذ مهما فعلت في أوكرانيا. وبالمحصلة فما تقوم به الولايات المتحدة هو الإعلان عن حرب باردة جديدة مع روسيا.
 
ويؤكد الكاتب أن حديثه عن هذا لا يعني أنه يقوم بتوزيع اللوم بين الغرب والشرق. فبوتين يتحمل كل المسؤولية عن التحول السيئ في الشؤون الدولية عام 2022، تماما كما يتحمل جوزيف ستالين والاتحاد السوفييتي مسؤولية أعمال الأربعينات من القرن الماضي بما فيها إخضاع دول أوروبا الشرقية والحصار على برلين التي كانت سببا في الحرب الباردة السابقة.
 
وفي الوضع الأخير فلدى واشنطن خيار آخر وهو تحديد شروطها المحدودة التي تؤكد على مظاهر القلق من الحرب الجارية في أوكرانيا وأن إنهاء الحرب هناك هو الهدف. فعلى المدى البعيد، يجب أن يكون وقف الحرب في أوكرانيا أولوية، وستكون هذه المهمة صعبة حتى بدون خطاب متشدد. فليس من السهولة العثور على صيغة ترضي المطالب الدنيا لكل طرف.
 
 وفي حالة الفشل في تقديم صيغة، ستؤدي إلى بداية حرب باردة جديدة إلى جانب إطالة أمد معاناة الشعب الأوكراني. وستصبح الحرب الباردة الجديدة علامة للعلاقات الدولية ولسنوات قادمة. وينسحب هذا على أوكرانيا، سواء استمر فيها القتال أو تحول النزاع إلى حرب مجمدة بدون أية فرصة لاستعادة المناطق التي سيطر عليها الروس. ولا أحد يعرف إن كانت دوائر المسؤولين فكرت بالحرب الباردة الجديدة وأين ستتجه وكيف ستتوقف.
 
وربما رضي البعض بحرب باردة دائمة، تماما كما حدث في الحرب الباردة السابقة. وكان هذا واضحا من موقف رونالد ريغان الذي تصور نهاية للحرب الباردة الأصلية وحاول تقريب النهاية، مقارنة مع مسؤولين في إدارته كانوا مستعدين لخوض الحرب الباردة وإلى الأبد.
 
ويعتقد بيلار أن حربا باردة جديدة مع روسيا لن تخدم المصالح الأمريكية أو الأمن الدولي بشكل عام. وستترك آثارا خطيرة على الميزانيات العسكرية وتزيد من مخاطر أزمات قد تتطور إلى حروب وتعرقل أي تحرك فيما يتعلق بالمشاكل العالمية التي تخص الجميع.
 
ومن المفيد تذكر ما قاله أستاذ نظرية الاحتواء عند بداية الحرب الباردة القديمة، جورج كينان الذي دعا إلى الصبر في شن الحرب الباردة، إلا أنه اعتقد بنهايتها. وفي مقاله “بند إكس” عام 1947، تحدث عن إطار زمني ما بين عشرة إلى خمسة عشر عاما، إلا أن الحرب انتهت بعد 40 عاما، مع أن نهاية الحرب كانت تصديقا لتحليل كينان وهو أن الشيوعية السوفييتية احتوت على بذور دمارها، وستنهار بسبب ضعفها الداخلي. ونظرة متفائلة هي روسيا اليوم التي ينظر إليها بطريقة دونية كدولة تملك النفط ورؤوسا نووية، لكنها تحمل عناصر ضعف تماثل ضعف الاتحاد السوفييتي السابق.
 
إلا أن الحرب الباردة الأولى كانت لديها نهاية متميزة ولا يمكن تكرارها مع الحرب الجديدة. فالأولى انتهت بسبب انهيار جاذبية الأيديولوجية الماركسية- اللينينية والانهيار السريع المدهش للحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية وأخيرا انهيار الاتحاد السوفييتي نفسه، حيث كتب الفصل الأخير له بوريس يلتسين من خلال ولادة الفدرالية الروسية. واليوم أصبح تابع وتلميذ يلتسين، بوتين هو المشكلة الرئيسية. فأي عملية استبدال لبوتين حتى من خلال السيناريو المتفائل لتغيير النظام، والذي سيكون عبر القوى الأمنية أو الجيش لن تنتج بديلا أفضل منه، بل وسيكون أسوأ.
 
وكان ستالين قاسيا وحاكما مطلقا إلا أن وفاته عام 1953 لم تنه الحرب الباردة. وفي تحليله للاتحاد السوفييتي فرق كينان وبوضوح بين النظام الشيوعي “وقادة أفراد قساة مثل نابليون وهتلر”، ورأى مميزات وسلبيات في التعامل مع كل نوع، وكتب مع ذلك أن مواجهة قادة قساة وأفراد سيكون أصعب من النظام السوفييتي لأن قادته يكونون أقل حساسية للقوة المعاكسة وأقل ميلا للدبلوماسية عندما تكون هذه القوة قوية جدا ولا يهتمون بالمنطق وخطاب السلطة. ويمكن تطبيق هذا الجدال على بوتين العدواني، وهو ما يقلل من مساحة التفاؤل عند استخدام القوة المعاكسة في أوكرانيا وما يمكن أن تفعله لسياسات بوتين هناك أو لحكمه بشكل عام.
 
جانب آخر من الاختلاف بين الحرب الباردة القديمة والجديدة والتي لا تبشر بخير للمنظور الغربي في “الفوز” بالجديدة، ويتعلق بالقوة التي طالما ذكرت بشكل دائم كعدو في الحرب الباردة الجديدة: الصين. ففي أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانت العلاقات الصينية مع الاتحاد السوفييتي سيئة نتيجة حرب الحدود بين البلدين. واليوم تعد الصين قوة عظمى اقتصادية وربما عسكرية وتقدم عمقا استراتيجيا لبوتين.
 
 وتحدث كينان عن عنصر آخر تحتاجه الولايات المتحدة والغرب للفوز في الحرب الباردة تلك، وتتعلق بالطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع شؤونها الداخلية. وهذا ما كتبه كينان أن “المستوى الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة بخلق انطباع بين شعوب العالم بأنها بلد يعرف ما يريده وقادرة بنجاح على حل المشاكل الداخلية ولديها مسؤولية الدولة العظمى ولديها حيوية روحية كافية للحفاظ عليها بين التيارات الأيديولوجية في ذلك الوقت” و”أي مظهر تردد وانقسام وتفكك داخلي داخل البلاد” سيعزز من قوة العدو الشيوعي.
 
وكان كينان يكتب في عصر تم فيه التعاون وبشكل مدهش بين الحزبين في الشؤون الخارجية والذي كان أساس الانتصار في الحرب العالمية الثانية وإنشاء الأمم المتحدة واستمر التعاون في السنوات الأولى من الحرب الباردة. وتعاون الصوت الجمهوري البارز في السياسة الخارجية أرثر فاندبيرغ مع إدارة ترومان لمواجهة التمرد الشيوعي في اليونان وتركيا وإنشاء خطة مارشال ومعاهدة حلف منظمة شمال الأطلنطي. وكان لدى كينان في ذلك الوقت، الكثير من الأسباب التي تدفعه للتفاؤل بشأن القدرات التي تملكها الولايات المتحدة والتي اعتبرها ضرورة للنصر ضد الاتحاد السوفييتي. والمقارنة مع اليوم لن تدعو إلى التفاؤل، فقد طغى التحزب في الولايات المتحدة على ملامح مهمة في السياسة الخارجية الأمريكية، مثلما طغى على أمور أخرى.
 
وتواجه الديمقراطية الأمريكية نفسها خطر الفشل، وعاشت الولايات المتحدة أربع سنوات من رئاسة ظلت تتملق لبوتين، حاول فيها الرئيس بالبيت الأبيض تعليق الدعم العسكري لأوكرانيا مقابل حصول على تعهد من حكومتها بالبحث عن قذارات تخص منافسه في السباق الرئاسي. لكل هذا فحرب باردة جديدة لا تبشر بخير كما في الحرب الأولى ولن تنتهي بلحظة انتصار القطب الواحد.