عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Feb-2025

الأردن صوت لا ينكسر*فريهان سطعان الحسن

 الغد

منذ بدء العدوان على غزة، ظل الأردن ثابتا في مواقفه تجاه الأشقاء. وكانت المبادرات الملكية تتوالى انطلاقا من حس إنساني عال، بضرورة تخفيف المعاناة عن الأشقاء، مع دعوات متكررة بضرورة إنهاء العدوان، وتدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب. ذلك ليس مجرد موقف فحسب، إنما التزام تاريخي وأخلاقي لا يقبل المساومة.
 
 
وفي وقت تخاذل فيه العالم عن إيقاف آلة القتل الصهيونية والإبادة الجماعية، والتي تمارس ضد الفلسطينيين، كان الأردن وحده في الصفوف الأمامية، يسخر كل إمكانياته للوقوف إلى جانب المنكوبين، كما كان دائما وأبدا. لم يكتف بالمساعدات الإنسانية، بل حرك وفعّل كل أدواته الدبلوماسية في لقاءات دولية مستمرة، يقودها الملك والملكة وولي العهد، يدعو إلى ضرورة التفات المجتمع الدولي إلى الظلم التاريخي الذي يقع على الفلسطينيين، ويذكر بأن القفز على الحقوق الوطنية المشروعة لهذا الشعب، سيظل دائما سببا لعدم استقرار الإقليم، ومصدر قلق لأمن العالم بأكمله.
 
اليوم، وفي مواجهة "عبثية" التصريحات الأميركية التي تدعو إلى تهجير الغزيين إلى الأردن ومصر، وتدفع نحو إفراغ القطاع من سكانه تحت تهديدات مستمرة؛ يبقى موقف الأردن ثابتا وواضحا؛ فالتهجير مرفوض من حيث المبدأ، وإعادة إعمار القطاع لا تكون إلا بوجود أصحاب الأرض، أولئك الذين عانوا آلام الفقد والتدمير، ولم يرحلوا رغم أن الموت هناك طغى على كل أشكال الحياة.
الأردن لم يساوم على الحق يوما، ولم يقبل بأنصاف الحلول، ففي ثوابته، فإن الدولة الفلسطينية المستقلة وفق "حل الدولتين"، هي الطريق الوحيد لإنهاء الصراع، كما أنه لم يسمح بأن يكون صامتا على المجازر التي ترتكب كل يوم بحق الفلسطينيين، لذلك حمل قضية الأشقاء إلى كل منابر العالم، مطالبا بإيقاف العدوان، والسماح بتدفق المساعدات.
ورغم السطوة الأميركية الإمبريالية على كل العالم، والانحياز الأعمى للسردية الصهيونية التي أثرت في ضمير العالم، بقي الأردن متمسكا بمواقفه، ويسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، كما حافظ على فتح حدوده لضحايا الحرب، ومن يبحثون عن الشفاء الجسدي والنفسي. أما التهجير، فهو ليس في قاموس الأردن، "فالأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين". الأمر بهذه البساطة بالنسبة للسياسة الأردنية الثابتة.
في لقائه مع ترامب قبل يومين، أكد جلالة الملك قائلا: "سأفعل الأفضل لبلادي"؛ وهي ليست مجرد كلمات، بل هي إيمان وعهد والتزام، ورسالة صريحة لكل من يحاول التحريف أو التشكيك، فالأردن لا يساوم على أرضه واستقراره وأمنه والسياسي والاجتماعي. أما القضية الفلسطينية فهي جزء من التزامنا، من دمنا، من أرواحنا، والرد على خطط التهجير سيكون بقرار عربي موحد، دون المساس بحقوق الفلسطينيين، بل بإعادة إعمار يحفظ كرامتهم على أرضهم.
حينما يتحدث الملك، فهو لا يعبر فقط عن موقف سياسي، بل عن ضمير شعب بأكمله، وعن وجدان أمة لن تساوم على الحق. موقف ثابت وراسخ كالتاريخ المشترك الذي نحمله في قلوبنا.
في لفتة إنسانية ليست بالغريبة عن الأردن وقيادته، أعلن الملك عن استضافة ألفي طفل فلسطيني من غزة لتلقي العلاج في مستشفيات الأردن، بمنحهم فرصة للحياة بعد أن سرقت الحرب طفولتهم. وهو موقف لم يتغير منذ اليوم الأول للعدوان، لذلك ينبغي لمن يبرعون في تأويل الأمور أن يكفوا عن محاولاتهم، فهناك آلاف الفلسطينيين ممن يتلقون العلاج في المستشفيات الأردنية، وهو أمر لا يمكن ربطه بالتهجير، ولا بمخططات غير موجودة إلا في خيالاتهم المريضة.
نعترف أن هناك، ومنذ سنوات، حملة منظمة تقف خلفها جهات فاعلة، ودولة قادرة على التمويل، مهمتها الأساسية التشكيك بدور الأردن والتقليل من مواقفه، وتحريف الحقائق، والترويج لروايات مغلوطة تخدم أجندات خاصة، مستبيحين مواقع التواصل بالتحريض والتضليل، ولكن افتراءاتهم لا يمكن لها أن تؤسس لحقائق، ولن تغير أبدا وجه الواقع، فالتاريخ يكتب بالمواقف، لا بالأوهام والأكاذيب والخداع، مهما تعالت أصوات التشكيك!
 اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى موقف عربي موحد، فهو ضرورة وليس خيارا. لا تضعفه الضغوط مهما كانت. والمخططات الأميركية والصهيونية لا تستهدف فلسطين وحدها، بل تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحها ورؤيتها.
أما نحن الأردنيين، فكما دائما، سنبقى مؤمنين بوطننا، وخلف الملك، وخلف الحق الذي لا يقبل المساومة، لأن الأردن ليس مجرد اسم، بل وعد راسخ، ومبدأ ثابت، وصوت لا ينكسر.