عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-May-2025

"من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى".. مراجعة نقدية للحركة الوطنية الفلسطينية

 الغد-عزيزة علي

 يتناول كتاب "من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى" نقاشا في السيرة الذاتية التراجيدية للحركة الوطنية الفلسطينية"، للباحث ماجد كيالي، التفكك التدريجي في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاقتها في منتصف الستينيات، مرورا بما حققته من إنجازات في عقدها الأول، ثم ما أصابها من جمود وانكفاء، حتى تحولها إلى سلطة سياسية منزوعة الفعالية، سواء في لبنان سابقا أو في الضفة الغربية وقطاع غزة لاحقا، وذلك على حساب وظيفتها الأصلية كحركة تحرير وطني.
 
 
جاء الكتاب الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بخمسة فصول محورية، منها: مركزية الكفاح المسلح، إشكاليات الهوية الوطنية، وتحول "طوفان الأقصى" إلى لحظة كاشفة عن التصدعات الداخلية والخارجية في بنية المشروع الوطني الفلسطيني. كما يطرح الكاتب مقترحات لإعادة بناء استراتيجية سياسية وكفاحية أكثر واقعية، تراعي معطيات الواقع، وتعتمد على المشاركة التمثيلية، والتجديد الفكري، واستعادة وحدة الشعب والقضية.
 
ولا يغفل الكاتب العوامل الخارجية الضاغطة التي ساهمت في إضعاف الحركة، مثل الاحتلال الإسرائيلي، والهيمنة الإقليمية، والبيئة العربية والدولية المعادية، لكنه يضع في قلب تحليله العامل الذاتي، ممثلا في غياب الرؤية السياسية المتبصرة، وتضخيم الشعارات، وسوء إدارة الموارد، والتخبط التنظيمي، وتآكل البنى التمثيلية للكيانات السياسية الفلسطينية.
الكتاب ليس فقط نقدا للتجربة الفلسطينية، بل هو دعوة صريحة لطي صفحة الماضي العقيم، والانطلاق نحو مراجعة عميقة وصادقة، تسعى إلى بلورة مشروع وطني جديد يعبر عن طموحات الفلسطينيين، ويستند إلى إمكانياتهم الفعلية، في ضوء مستجدات الزمن الفلسطيني والعربي والدولي. حيث يناقش الكتاب، كما ورد في مقدمته، عددا من القضايا والخيارات الأساسية التي استعصت، من وجهة نظر المؤلف، على الحركة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب الأخطاء الاستراتيجية التي يرى أنه ارتكبتها.
ويقر المؤلف بدور العوامل الخارجية والظروف الموضوعية، وتفوق إسرائيل في موازين القوى وفي مختلف المجالات، مقابل واقع الشعب الفلسطيني المجزأ، المفتقر إلى الموارد، والواقع في إقليم. ومع ذلك، يرى كيالي أن ضعف العامل الذاتي المتمثل في غياب البصيرة السياسية لدى القيادات الفلسطينية، وسوء تقديرها لموازين القوى، وتخبطها في إدارة الموارد البشرية والنضالية، قد لعب دورا محوريا في تعميق أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية وعجزها عن مواصلة نجاحاتها السابقة.
ويضيف كيالي أنه اعتمد في كتابه على منهج معايشة الأحداث والقضايا، التي تناولها، استنادا إلى معاصرته لها، إلى جانب تجربته الشخصية. وقد ركز على البحث في الممارسة السياسية للكيانات الفاعلة، بدلا من تحليل الأدبيات الرسمية التي يرى أنها يغلب عليها الطابع الإنشائي والتبريري. وعندما يستند إلى وثائق في بعض المواضع، فإنه يحيل إلى الوثائق الرسمية الأساسية ذات الصلة.
ويؤكد المؤلف أن اعتماده على المنهج الواقعي لا يمنعه من تقديم بعض الملاحظات العامة حول الوثائق السياسية الصادرة عن الفصائل الفلسطينية، حيث يرى أن معظم هذه الوثائق تبقى حبيسة الأدراج ولا تتحول إلى سياسات عملية ملزمة. ويضرب مثالاًعلى ذلك بـ"حركة فتح" التي اعتمدت "البرنامج المرحلي" المتعلق بالتسوية منذ منتصف السبعينيات، ضمن منظمة التحرير، لكنها واصلت التمسك ببرنامج "التحرير" حتى مؤتمرها الرابع العام 1981، فقط جرى اعتماد البرنامج المرحلي في مؤتمرها الخامس بتونس العام 1988. ويتابع أن هناك فجوة واسعة بين ما تطرحه الوثائق من شعارات وما هو ممكن فعلا، مشيرا إلى أن هذه الوثائق غالبا ما تتجاهل أسئلة الواقع وموازين القوى والظروف الذاتية، والتدرج في العملية النضالية، ومرحلة الأهداف، وصولا إلى الهدف النهائي. كما يرى أن كثيرا من البرامج تحاول قول كل شيء بهدف الاستهلاك الشعبوي، لكنها في الوقت ذاته لا تقول شيئا محددا.
ويضيف أن معظم البرامج تتحدث عن اعتماد الكفاح المسلح، لكن لا أحد يتحدث عن ماهية الاستراتيجية عسكرية واضحة للفلسطينيين في ظروفهم الخاصة، ولا أحد يشرح ذلك؛ منذ ستة عقود، إذ ترك الأمر للعفوية والتجريبية. ويرى أن الوثائق غالبا لا تعرض للنقاش العام، ما قد يغنيها، أو يفيدها، ولا سيما، أن هذه الفصائل تطرح نفسها ممثلة للعشب، وأنها  وطنية، وأن ما تقوم أو ما لا تقوم به يؤثر مباشرة على الفلسطينيين.
يتألف الكتاب من خمسة فصول: "الفصل الأول يتناول بإيجاز مشكلات صعود وهبوط الحركة الوطنية الفلسطينية، الفصل الثاني يناقش مركزية الكفاح المسلح في الفكرة، والكيانية الوطنية الفلسطينية، وتداعيات هذا الخيار، الفصل الثالث يسلط الضوء على إشكاليات الهوية الوطنية الفلسطينية، وصيرورة تشكل الفلسطينيين كشعب. الفصل الرابع يتناول هجوم "طوفان الأقصى"، والحرب التي شنتها إسرائيل على الفلسطينيين، بوصفها نكبة جديدة. الفصل الخامس يتضمن استخلاصات ومقترحات استراتيجية وسياسية وكفاحية للحركة الوطنية الفلسطينية".
ويحتوي الكتاب على ملحق يضم وثائق فلسطينية أساسية تضيء بعض ما طرح فيه، إلى جانب إحالات إلى مراجع ومصادر تشرح المصطلحات والأحداث الواردة في المتن.
يشير المؤلف إلى انتمائه المبكر لحركة "فتح" في مطلع السبعينيات، قبل أن يغادرها قبل نحو أربعة عقود، مكرسا جهده لاحقا للكتابة والتعبير عن ذاته وهمه وتجربته الثقافية، ويعبر عن امتنانه للمنابر التي كتب فيها وما يزال، مثل "النهار" و"المستقبل"، "درج"، اللبنانيات، "الحياة"، "المجلة"، في لندن، إلى جانب مجلات فصلية مثل "شؤون فلسطينية"، و"دراسات فلسطينية"، و"شؤون عربية"، و"الفكر الاستراتيجي العربي"، و"المستقبل العربي".
وفي خاتمة الكتاب، يدعو المؤلف إلى قراءة نقدية جريئة ومسؤولة للتجربة الوطنية الفلسطينية الممتدة على مدى ستة عقود، بما لها وما عليها، في ظل حالة الجمود وانسداد الأفق أمام الخيارات السياسية والكفاحية، سواء فيما يتعلق بخيار الدولة المستقلة في الضفة والقطاع، أو بالكفاح المسلح. ويرى أن هذه المراجعة يجب أن تشمل الخطابات، والبُنى، والعلاقات، وأشكال العمل، بما في ذلك الجرأة على طي صفحات الماضي المستهلَكة، لأن الشعب الفلسطيني يدفع ثمن المكابرة وتغليب الشعارات على الواقع.
ويؤكد أن أي استراتيجية جديدة يجب أن تقوم على نقاشات عميقة داخل أطر سياسية تمثيلية وشرعية، وأن تستند إلى الواقع، والظروف الذاتية والموضوعية، وتراعي طموحات الشعب وأهدافه القريبة والبعيدة، مع تحديد الوسائل الممكنة، والكيانات القادرة على تحمل المسؤولية، بما يضمن استعادة وحدة الشعب، الأرض، القضية والرواية التاريخية.