تعود معرفتي بالكاتب الأستاذ الدافئ ياسر أبو هلالة كاتب المقالة المعنية إلى بعيد، حين كان طالبا بجامعة اليرموك. وقد اجتهد فأرسل لجريدة الرأي مقالة ترد على مقالة كتبتها في زاوية "سبعة أيام" حول (الإخوان المسلمون)، وأثارت تلك المقالة جلبة واسعة. ومن بريد القراء تم تحويل مقالة ياسر إلي، وكانت نقدا مريرا لمقالتي، وحرصت أن تنشر في ذات الموقع، كسابقة فعلتها في حياتي مرتين واحدة للطالب ياسر وأخرى للدكتور بسام العموش.
كانت "السبعة أيام" زاوية من مسؤولية المرحوم رئيس التحرير أبو العزم (الأستاذ محمود الكايد رحمه الله)، واعترض على ما قررته من إخلائها لياسر. وجادلته جدالا حارا حتى اقتنع. كنت أرد جميلا في ذلك لمعالي الدكتور هاني الخصاونة، الذي أخذ بيدي ودرجني وأعلى من شأن قلمي في رعاية منه حاسمة لخلق جيل من الكتاب جديد.
وتشاء المصادفات أن أرد جميلا له اليوم، متغاضيا عن أهمية موقع ولده، الذي جسد درسا مثل دروس القديسين والقساوسة والأولياء والصديقين في البر بالوالدين.
أي نبل تعلمته منه وأنا الكهل الذي ينشد مرضاة الله حين أجاب على السؤال المحرج لسمير الحياري عن رابطة العلاقة مع أبيه، وبصرف النظر عن الذي هو فيه (بشر الرئيس). وأجد علي واجبا أن أرد الجميل لذلك اليعربي الطيب معنا كجيل في المهنة، الدكتور هاني الخصاونة.
عودة لمقالة الرد للطالب ياسر، فقد زارني ياسر بعدها في الرأي، وتوطدت علاقتنا إلى حد كنت فيه من وراء دعوته للمثول بين يدي جلالة المرحوم سيدنا ضمن مجموعة صحفية كان ياسر أصغرهم عمرا، ولم يوفق يومها في الكلام، وركضت التمس من الكبير سيدنا يرحمه الله أن يسمع لياسر لأن اللغة خذلته.
وقد كان الاردنيون مولعون بالرواية الشفوية، حتى تكون على مقاسات واقعهم وليس ماضيهم. فلقد تطرق هو وتطرق معروف البخيت لحوار الإخوان المسلمين مع الديوان الملكي الهاشمي (في التسعينيات). وكان ياسر درة المجموعة التي انتخبناها بأمر من سيدي حسن، وكل منهم تحدث على أنه هو صانعها. إلا أن الأحياء يرزقون بعد الشهود على ذلك الحوار، ويعرفون من صممه ومن صنعه ومن رعاه!!؟
بعد ذلك، توطدت العلاقة مع ياسر وأنا أتشرف بالعمل في الديوان الملكي الهاشمي. ودعاني ذات مساء إلى عشاء مغلق في منزله. كان ذلك المنزل دافئا وعلى قدنا، قبل الجزيرة طبعا (يطعم كل مشتهي) عملا بنصيحة غيروا عتباتكم ترزقون.
في جبل الحسين.. في شقة بسيطة حميمة.. لاقيت كاتبا أفغاني الأصل سعودي التابعية، يحكي لهجة المدينة المنورة أو لهجة جدة اسمه جمال خاشقجي (ما غيره).
ياسر موغل في المطبخ الدولي مبكرا. كان ذلك الشاب (الخاشقجي) يملؤه كبر وخيلاء غير مبرر. وسبحان الله، فلم أرتح له، ولم أر بعد ذلك الخاشقجي إلا مرتين: في البحرين حيث كان يعمل على إنجاز محطة تلفزيونية أعتقد كانت تحمل ذات الاسم للجريدة التي يكتب فيها الآن ياسر، فهل ذلك بمحض الصدفة؟ لست أدري! وقد وقعت مسوولية متابعة إنشاء تلك المحطة في نطاق مسؤولياتي في ذلك البلد الدافئ (البحرين)، وحتى أتجنب ملاقاة جمال، حذفتها كمسؤولية على وزير الإعلام وقتذاك.
لكن جمعتني واجبات العمل مع جمال الخاشقجي مرتين. وحدث بيننا ما حدث في لقاء منزل ياسر أول مرة، ولقد شهدت ليلة إلقاء القبض على تجربة جمال خاشقجي وإغلاق محطة أدارها ليوم واحد بعد البث الأول، وتلك من أسرار مملكة البحرين الشقيقة، لا نجيز لأنفسنا البوح بها.
توقفت العلاقة مع ياسر ومال إلى معسكر آخر في الدولة، وكان قد تم فرضه كاتبا في جريدة الرأي. وبعدها توالت نجاحاته حتى بلغ القمة حين انفرد بعرض جثتي الشهيدين عدي وقصي وحفيد الكبير صدام حسين. كان ياسر في قلب مطبخ القناة التي يعمل فيها عندما (زفت) وأثناء وجوده في العراق خبر عرض الجثتين والطفل للعالم، وبصخب تميزت به وحدها من دون كل إعلام البشرية. تلك المحطة التلفزيونية التي لا يعرف كثيرون كيف أنشئت، إلا أن مجموعة محددة (ومنهم ناصر جودة وزهير عورتاني ومصطفى أبو لبدة) يعرفون ماذا أقول وعن ماذا أتحدث، ودور (إستي لودر) في لعبة إعلام الشرق الأوسط الجديد، ومن بينها تلك المحطة.
بصراحة، وبعد أن أصبح الأستاذ ياسر ضالعا في أمر الحرب الأمريكية ضد العراق، وارتفاع مستوى موقعه العربي والدولي وأنا ظللت على محليّتي، تباعدت الرؤى. وابتعدنا عن بعض كثيرا، ولا أظن أننا التقينا على مدار الزمن ما بعد سبقه الصحفي (عرض جثث شهداء الأمة)، إلا مرة واحدة في مزرعة الدكتور ممدوح العبادي حين جمع على طريقته الجبهوية كل بني التناقضات. وكنت يومها أعمل في البحرين، فرأيت ياسر.
هذي المقدمة سقتها لأبرر لياسر وقراء ياسر لم كل هذا الكره للدكتور هاني الخصاونة، فالعم أبو محمد أعزه الله بعروبة قبض عليها كالقابض على اللهب. وإن أكرمه الله بأن اختار سيدنا عبدالله ولده ليكون رئيسا، فذلك دلالة حاسمة للأسباب التي تجعل مدرسة الأستاذ ياسر تبغض مدرسة العروبة التي ينتمي لها معالي العم العزيز هاني الخصاونة.
نحن أبناء المدرسة المحلية الوطنية التي لم نكتب حرفا في صحيفة خارج وطننا، وبرغم أن سيدي صاحب الجلالة الهاشمية قد بعثني لمملكة البحرين الحبيبة لأقدم خدمة كأردني في بلاط سمو ولي العهد، فإنني أباهي أنني رحت أردنيا وعدت بعد أحد عشر عاما برسالة من سمو ولي العهد يشكرني فيها (كسفير للثقة الهاشمية).
وبعد، فإن قصة الــ 1989 لم تكتب بعد يا ياسر! وأنت كنت لم تزل بعد في معية شبابك طالبا على ما أحب أن أتذكر، وما نسبته لزميلات أو زميلة حول دور الدكتور هاني، أشك في حدوثه كما رويته. إذ أنني كنت في ذلك المؤتمر، وأنا في معية الزميلة الأستاذة كارولين فرج ويوسف العلان قد ذهبنا لجنوب الحب، بتوجيه من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، وبرعاية وحماية وتسهيل كامل من معالي وزير الإعلام الدكتور هاني الخصاونة، وأجرينا على مدار 17 يوما تحقيقات صحفية ميدانية، قال فيها أهلنا في الجنوب كل ما يريدون، وكنت أستلم تشجيعا يوميا ومؤازرة كاملة من معالي الدكتور هاني الخصاونة ومعالي الأستاذ راكان المجالي رئيس تحرير الرأي في ذلك الوقت، الذي فتح صفحات الرأي للحقيقة.
يا ياسر.. أيها الإعلامي الدولي الكبير.. سيبك من قضايا الأردن، فهذه أمور أضحت صغيرة عليك وعلى إنجازاتك، أطال الله أمد صلتك بالجزيرة. وهذه النباهة التي تتمتع بها والتي جمعت بين مؤازرة الشيخ يوسف القرضاوي ودعم ومؤازرة العالم عزمي بشارة، لا تحتاج إلى دليل مهني بعد ذلك.
دعك في نجاحاتك الدولية، وفتح الله عليك باب الهداية دوما. وليس هاني الخصاونة من يغمز في حاله، إلا اذا كانت السهرة أمريكية بحتة. ولا أقول سوى ذلك حياء واحتراما لعيش وملح جمعنا ذات لحظات بريئة مرت عليك وعلي. واسلَم.
لقراءة مقال ياسر أبو هلالة انقر هنا