عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Dec-2025

"النواب" بالسياسة والرقابة والتشريع.. ما الذي تغير؟

 أزمة العمل الحزبي والكتلي تتواصل داخل المجلس

الغد-جهاد المنسي
ارتفاع الآمال بانتقال المجلس من تسجيل المواقف إلى التأثير 
 
 
 
 لم يكن عام 2025 عاديا في عمر مجلس النواب الـ20، الذي انتُخب نتيجة منظومة إصلاح شاملة، بل شكل عاما كاشفا بامتياز للفجوة المستمرة بين دوره الدستوري المأمول، وبين الأداء الفعلي تحت القبة.
 
 
نشاط تشريعي
ففي ظل أزمات اقتصادية متراكمة، وضغوط اجتماعية متصاعدة، وتحديات إقليمية غير مسبوقة، كان الرهان الشعبي على مجلس قادر على الانتقال من إدارة النقاش إلى صناعة الأثر، ومن تسجيل المواقف إلى التأثير بالسياسات العامة، إلا أن الحصيلة النهائية بقيت دون مستوى التوقعات، مع ارتفاع الأمل بأن تكون الدورة الثانية التي بدأت للتو أفضل من سابقتها.
تشريعيا، لا يمكن إنكار أن المجلس كان نشطا من حيث الكم، إذ أقر خلال دورته الأولى أكثر من 24 قانونا، ما يعكس وتيرة تشريعية مرتفعة نسبيا؛ غير أن هذا النشاط ظل في معظمه محكوما بالإطار الحكومي العام، حيث مرت غالبية التشريعات ضمن المسار التنفيذي ذاته، مع تعديلات جزئية لم تمس جوهر السياسات أو فلسفة القوانين؛ وهنا يعود السؤال التقليدي المتجدد: هل يمارس مجلس النواب دوره كشريك كامل في التشريع، أم يكتفي بدور الممر الإجرائي لقوانين جاهزة، تُدار تفاصيلها خارج القبة أكثر مما تُصاغ داخلها؟
هذا السؤال برز بوضوح خلال مناقشات الموازنة العامة لعام 2025، التي تحولت إلى منصة خطابية عالية السقف، ارتفعت فيها حدة النقد النيابي تجاه المديونية العامة، وتراجع القدرة الشرائية، واتساع الفجوة بين الدخول والأسعار، وتآكل الطبقة الوسطى، ورغم كثافة الطروحات وحدة اللغة المستخدمة، إلا أن هذه المواقف لم تُترجم لأدوات ضغط حقيقية تفضي لتعديل بنيوي في الموازنة أو إعادة ترتيب أولوياتها.
انتهى النقاش بإقرار الموازنة كما جاءت تقريبا، وبقي الشارع أمام النتيجة نفسها، مع فارق اتساع الهوة بين الخطاب النيابي والقرار الفعلي.
 
حراك رقابي
رقابيا، يُسجَل للمجلس استخدامٌ مكثفٌ للأدوات الدستورية؛ إذ بلغ عدد الأسئلة النيابية خلال عام 2025 نحو 1176 سؤالا، وهو رقم مرتفع يعكس حراكا رقابيا نشطا من حيث الشكل، غير أن هذا الرقم، على أهميته، لم ينعكس بالضرورة على جودة الرقابة أو فعاليتها؛ ففي كثير من الحالات، اتخذت الأسئلة طابعا إعلاميا أو لحظيا، دون متابعة منهجية أو تراكم مؤسسي يُفضي إلى مساءلات سياسية حقيقية أو تصويب فعلي في الأداء الحكومي.
 غابت في حالات عديدة الحلقة الأهم في العمل الرقابي: المتابعة، وربط السؤال بالنتيجة، وتحويل الملاحظة إلى مسار إصلاحي مستدام.
استمرار أزمة العمل الحزبي
سياسيا، كشف عام 2025 استمرار أزمة العمل الحزبي والكتلي داخل المجلس؛ فعلى الرغم من وجود كتل نيابية مُعلنة، فإن الأداء ظل في جوهره فرديا، تحكمه اعتبارات خدمية ومحلية، على حساب البرامج والرؤى السياسية الشاملة.
 هذا النمط من العمل حدَ من قدرة المجلس على تشكيل معارضة برلمانية فاعلة، أو حتى بلورة أغلبية واضحة المعالم ذات برنامج سياسي واقتصادي محدد، وهو ما انعكس مباشرة على ضعف التأثير في القرار العام، وعلى تذبذب المواقف داخل القبة في القضايا الكبرى.
 أما في العلاقة مع السلطة التنفيذية، فقد حافظ المجلس على نهج التوازن الحذر، القائم على تجنب الصدام المفتوح، وهذا النهج أسهم في الحفاظ على الاستقرار السياسي وتفادي توترات غير محسوبة، لكنه في المقابل قلَص من هامش الضغط البرلماني، وجعل المجلس يبدو في بعض الملفات أقرب إلى المجاملة السياسية منه إلى الشراكة المتكافئة، خاصة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن بدايات الدورة العادية الثانية حملت مؤشرات تحسُن نسبي في الأداء، فقد لوحظ قدر أعلى من التنظيم داخل اللجان النيابية، وتركيز أوضح على الملفات الرقابية، وارتفاع في مستوى التحضير والنقاش مقارنة بالدورة السابقة.
 كما بدا أن هناك وعيا متزايدا بضرورة الانتقال من الأداء الفردي إلى العمل الجماعي، ولو في حدوده الدنيا.
 غير أن هذه المؤشرات، على أهميتها، ما تزال في إطار النوايا والمقدمات، ولم تُختبَر بعد في قرارات حاسمة أو اشتباكات تشريعية كبرى تُثبت أن التحسن ليس ظرفيا بل تحوليا.
 بالمُجمل، يمكن القول إن مجلس النواب في عام 2025 لم يكن غائبا عن المشهد، لكنه في المقابل لم يكن في مستوى اللحظة التاريخية بكل تعقيداتها.
  حيث قدَم خطابا عالي السقف، وأظهر حضورا رقابيا كثيفا بالأرقام، لكنه لم يواكب ذلك بالفعل الكافي أو بالأثر الملموس. وبينما تبعث بدايات الدورة الثانية على قدر محسوب من التفاؤل، يبقى الرهان الحقيقي على قدرة المجلس على الانتقال من إدارة التوازنات إلى صناعة القرار، ومن تسجيل المواقف إلى فرضها تشريعيا ورقابيا.
 فالشارع لا ينتظر خُطُبا أكثر بلاغة، بل نتائج أكثر وضوحا، ولا يطلب صداما مع الحكومة، بل شراكة متكافئة تُترجم النص الدستوري إلى ممارسة يومية.
 وبين هذا وذاك، يبقى عام 2025 عاما كاشفا أكثر منه عاما حاسما، واختبارا مفتوحا لقدرة المجلس على أن يكون فاعلا لا حاضرا فقط، ومؤثرا لا مُسجلا للمواقف.