عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jan-2025

الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية: محور التعليم المهني والتقني (3-1)*د.عبدالله سرور الزعبي

 الغد

لطالما تصدرت مسألة تطوير المهارات لدى الشباب الأردني مكانة كبيرة لدى جلالة الملك منذ توليه سلطاته الدستورية، لتمكينهم من اكتساب المهارات التي تؤهلهم لمواكبة سوق العمل المتغير مع التطورات التكنولوجية المتسارعة والانتقال إلى اقتصاديات المعرفة. 
 
 
على الرغم من المحاولات الحكومية المتكررة منذ عقود من الزمن، وإنشاء المدارس المهنية ومؤسسة التدريب المهني ولاحقاً جامعة البلقاء التطبيقية وصندوق التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني ومجلس التعليم والتدريب المهني والتقني والذي أصبح عام 2007 مجلس التشغيل والتدريب المهني والتقني (وتشير الإستراتيجية إلى أن المجلس وعلى الرغم من استقلاليته إلا أنه لم يحقق أهدافه، بسبب ولاءات أعضائه إلى وزاراتهم، كما أن وزارة العمل كان من المفروض أن تقود الإصلاحات الصادرة عن المجلس، إلا أنها لم تفعل بل كانت تنظر إلى مهامه بأنه عمل إضافي وليس مكوناً رئيسياً لها، موثق في صفحة 212 من الإستراتيجية) والشركة الوطنية للتشغيل والتدريب ومراكز التميز في وزارة العمل وغيرها من المؤسسات والمراكز المعنية بالتدريب) وتبني الكثير من السياسات والإستراتيجيات (إستراتيجية التشغيل والتدريب المهني والتقني عام 1998، وما تبعها من إستراتيجيات وخطط وسياسات)، يضاف اليها رؤية الأردن 2025، والتمويل المقدم من الحكومة مباشرة أو من الجهات الدولية مثل USAID، ومنظمة العمل الدولية واليونسكو المؤسسات الأوروبية الداعمة المختلفة والبنك الدولي واليابان وكوريا وغيرها، إلا أن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب، وقد يكون أحد الأسباب الرئيسة في ذلك وجود سياسات وقرارات وقوى جذب مختلفة باتجاه أنماط أخرى من التعليم بكافة مستوياته وخاصة التعليم العالي كانت أقل كلفة وأسهل تطبيقاً، أدت إلى حدوث تشوهات، لا بل خلل كبير في المستويات المهنية وفقدان المهارات المطلوبة لسوق العمل وزيادة كبيرة جداً في أعداد حملة الشهادات دون أن يكون لديهم المهارات الكافية والمنافسة لمتطلبات سوق العمل، الأمر الذي رفع نسبة البطالة بين الشباب لأرقام غير مسبوقة. 
 
لتأتي التوجيهات الملكية بتشكيل لجنة لوضع خطة إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية، والتي قدمت رؤية رائعة للنهوض بقطاع التعليم المهني والتقني، منطلقة من أن هذا القطاع يعتبر من أهم أدوات التنمية الاقتصادية. 
قدمت الإستراتيجية أهدافا وخطط مشاريع واضحة (بلغ عددها 16 مشروعا) لتحقيق الأهداف المنشودة بحلول عام 2025. وجاء فيها إلى أنها تهدف إلى تحقيق طموحات الأردن من خلال إكساب الشباب الخبرات التقنية والمهنية الجاهزة للعمل والمشاركة الفاعلة بالمشاريع الريادية، وزيادة أعداد الطلبة الملتحقين بالتعليم المهني والتقني وكذلك تحسين جودة مخرجات التعليم والتدريب لتقديم المهارات والكفايات اللازمة لسوق العمل المستقبلي، وعندها كان الحديث يدور عن إنشاء مركز الاعتماد وضمان الجودة لهذا القطاع، وكان بعض أعضاء المجلس- منهم أنا شخصيا والمهندس أحمد الطراونة وآخرون (اعتذروا عن ذكر أسمائهم، حيث من عادتي أن اتصل بمن أذكر أسماءهم احتراماً لهم) لنا رأي آخر وهو أن يتم هيكلة هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضبط الجودة لتصبح هيئة اعتماد وطنية شاملة (National Accreditation Body) لها صلاحيات واسعة في اعتماد وضبط الجودة لكافة المؤسسات بدلاً من تشعبها، وتكون مهام هذا المركز من ضمن مهامها، إلا أنه لم يؤخذ عندها بالرأي الآخر وأنشئ المركز بالفعل، كما أن الهدف النهائي للإستراتيجية، هو خفض نسبة البطالة (التي كانت تشكل في عام 2016 ما نسبته 15.3 %، حسب تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة) والفقر وتشجيع وزيادة الاستثمار. 
يضاف إلى ذلك بأنه كان هناك توجه لإصدار نظام خاص بالإطار الوطني للمؤهلات NQF والذي صدر بالفعل وقسم المستويات الوظيفة إلى عشرة مستويات (وقد كان لنا في جامعة البلقاء رأي بأن تكون المستويات ثمانية فقط على غرار الإطار الأوروبي، وقد تم مناقشة هذا الموضوع مع الخبراء الألمان من فريق GIZ  خلال زيارة الوفد الأردني إلى ألمانيا (وزارة العمل، هيئة الاعتماد وجامعة البلقاء ووزارة وغيرها من المؤسسات) والذي كان من المفروض عندها أن يكون برئاسة معالي وزير العمل آنذاك، المهندس سمير مراد ونظراً لانشغاله فقد كلفني أن أترأس الوفد الأردني نيابة عنه، وتوافقنا مع الفريق الألماني على ذلك لتسهيل معادلة المستويات في الأردن مع الإطار الأوروبي للمؤهلات، في حال التحاق الشباب الأردني للعمل في الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا (كان الحديث يدور بقوة عندها لاستفادة الشركات الألمانية من القوى العاملة الأردنية، لحقها زيارات أخرى بهدف تشغيل الأردنيين هناك برئاسة معالي وزير العمل نضال البطاينة، وقد كنت مشاركا فيها)، وخبراء GIZ نبهوا إلى أن اعتماد إطار في عشر مستويات سيؤثر في المستقبل على سرعة معادلتها مع الإطار الأوروبي واعتمادها لسوق العمل، إلا أن هيئة اعتماد مؤسسات التعليم لعالي كان لها رأي آخر، وصدر نظام  الإطار الوطني للمؤهلات بعشرة مستويات في عام 2019. 
وهنا نشير إلى أن الإستراتيجية كانت قد أوصت بإنشاء مجالس للقطاعات المهنية وهي التي أنشئت فعلاً، وأعتقد بأنها تقوم بدورها بشكل ممتاز، وقد يعود السبب إلى أن معظم أعضائها من أصحاب الاختصاص والمصلحة من القطاع الخاص. كما واوصت بإنشاء مجلس التوظيف الوطني (والتي نبه عندها رئيس ديوان الخدمة المدنية والأمين العام للديوان بأن مهام هذا المجلس في حال تشكيله ستتعارض مع مهام ديوان الخدمة المدنية). 
كما كان التوجه بإنشاء هيئة مستقلة لتنمية المهارات، وقد تشرفت بأنني كنت رئيس الفريق الذي أعد مسودة القانون لها، ليكون قانونا عصريا متقدما، وقد كان لعطوفة فاروق الحديدي دور كبير في إقراره من مجلس التعليم والتدريب المهني، إلا أنه ومع كل أسف تم تعديل عدد من مواده لاحقاً دون العودة للمجلس والتي كان واضحاً منذ البداية تأثيرها السلبي على تقييد عمل المؤسسة المستقبلي، وهو نفس القانون الذي رفض مجلس النواب مناقشته بالإجماع، وصوت عليه مجلس الأعيان كما هو، وأنشئت بموجبه هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية. بعد إنشاء الهيئة أطلقت ووزارة العمل إستراتيجية أخرى تحت اسم إستراتيجية الأردن الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني (مشروع الأردن 888). وهنا نشير إلى أن مجلس الوزراء قد اصاب في اتخاذه قراراً بدمج هيئة تنمية وتطوير المهارات ومركز اعتماد وضبط الجودة وغيرها من المؤسسات المهنية مع هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، آملين أن نرى قريباً مؤسسة وطنية واحدة وشاملة للاعتماد وضبط الجودة لكافة مؤسسات القطاع العام والخاص.
نلاحظ بأنه وخلال العشر سنوات الماضية وعلى الرغم من وجود الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، والمشاريع المقترحة من قبلها، إلا أنه تم تفريخ عدد آخر من الإستراتيجيات.  
في الجزء القادم من هذا المقال نستكمل الحديث عن الإجراءات والنتائج التي تحققت خلال السنوات العشر من عمر الإستراتيجية.