عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Sep-2020

عفن الاعتياد* رمزي الغزوي
الدستور -
 
شاهدت بعضاً من مقاطع حفلة استثنائية أقامها عدد من الرجال اليابانيين في حديقة عامة وهم يلبسون أجمل ثيابهم ويحملون ورودا يانعة، ثم يخرجون واحداً واحداً إلى منصة ليوجهوا كلمات حب رقيقة وعذبة إلى زوجاتهم. الرجل الياباني كالعربي كتوم ولا يبوح بمشاعره. ومن عاداته أنه يحب ويعشق، ولكنه لا يرغب بكشف حبه وخصوصا لزوجته.
وهذا يذكرنا برجال الطوارق في الصحراء الكبرى شمال افريقيا ولثامهم الأبدي، وفائدته الجوهرية. فهم لا يفكون لثام وجوههم أبداً، ليس اتقاء من زوابع الرمال وسوافيها، بل لأن على الطارقي أن يبقى غامضاً ومبهماً ومقفلاً، ويجب أن لا تظهر على وجهه أية تعابير تشي وتنبئ بمشاعره وجوانيته سواء كانت مفرحة أو محزنة، وهذا بكل تأكدي ينسجم مع مثلنا الأردني الشائع: (الرجال صناديق مقفلة).
لسنا نزقين وعصبيين وسريعي الغضب كملح البارود محمص فحسب، بل نحن أسرع من الضوء في بث مشاعرنا السلبية تجاه الآخرين، في حين أننا كتومون لدرجة الطمس والدمس لمشاعرنا الإيجابية والبوح بها، مع أن الحكمة تقودنا إلى أن نحبَّ و(نواري)، أي نظهر هذا الحب، وأن نكره و(نداري) ما استطعنا في الإخفاء من سبيل، وهذا المسعى يتوازى بكل تأكيد مع الحديث النبوي الشريف الذي يحث على أن نخبر من نحب أننا نحبه.
لا تحتاج العلاقة الزوجية إلى التشميس والتهوية، كل أسبوع أو كل شهر على أقل تقدير فقط، لنخلصها من عفن الاعتياد القاتل، الذي يولد السأم والملل في النفوس، فيجعلها راكدة حتى تأسن وتتكاثر فيها جراثيم وطحالب المشاكل، بل تحتاج إلى بوح وإذكاء لنارها وإوارها، كلما لاحت فرصة أو لم تلح. فالرجل يرى بأنه قد حصل على صك أبدي بأنه محبوب في نفس زوجته، وكذلك المرأة. وهنا المقتل.
أرى أن نفك اللثام عن وجه مشاعرنا ونشمّسها، حتى لو ضربتنا زوابع العادات والاعتياد. نحتاج بين الحين والحين أن نفتح صناديق أنفسنا، ونقول للذين نحبهم إننا ما زلنا نحبكم. الرجل يحتاج أن يعرف كل يوم، وحتى لو اشتعل رأسه شيبا، بأنه ما زال ذلك الفتى الجميل في نفس زوجته. والمرأة تريد أن تعرف كل ساعة بل كل لحظة بأنها ما زالت سيدة قلبه.
أحيانا على المشاعر أن تقال تصريحاً، وليس تلميحاً.