عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Aug-2025

المتاهة اللبنانية* غازي العريضي

المدن 

 
- "كفى حروب الآخرين على أرضنا". وتستمر هذه الحروب. وينزلق اللبنانيون بانقساماتهم نحو الرهان على هذا الآخر أو ذاك ويبقى البلد في دوامات العنف أو الفوضى أو القلق ويبقى ابناؤه في متاهة الرهان على تدخل الآخرين. لكل طرف داخلي" آخَرهُ" هذا صديق يريد مصلحة لبنان. ذاك حليف يريد حماية لبنان. وتستمر المعاناة.
 
- "يجب إعلان حياد لبنان". وليس ثمة في لبنان محايد! بل تحت عنوان الحياد تنقسم الأطراف اللبنانية إلى "جياد" يراهن عليها هذا الخارج أو ذاك ويبقى الداخل مهتزاً.
 
- "يجب حماية سيادة لبنان". أين هي السيادة بالفرز الحاصل مع "الآخرين" أو بين "الجياد". وأين هي عندما يلتزم فريق بخارج يستقوي به اليوم، ثم يقابله فريق آخر يستقوي بخارج آخر، ثم تتبدل الرهانات وعمليات الاستقواء باستبدال "الخارج" والجهات التي يستقوي بها هؤلاء؟ ما هي المعايير السيادية في مثل هذه الحالة الفريدة من نوعها؟ نعيش رهاناتنا وحساباتنا ونبرّر أخطاءنا واستحضارنا كل "الخارج" إلى البلد تحت عنوان "الخوف على الوجود"، "المعركة الوجودية"، الخوف من بعضنا البعض في الداخل والخوف من بعض الخارج، اللاثقة بين بعضنا، الغرائز، العصبيات المتنافرة المتناحرة، وندفع أثماناً هائلة وقلة قليلة تتعلم من تجاربها وأخطائها وتبدو شبه عاجزة في هذه المتاهة عن حماية البلد ووحدته واستقراره؟ اين السيادة وتفاصيل حياتنا السياسية اليومية بين أيدي الخارج وفي خطواته السياسية لا يخطو هذا أو ذاك خطوة إلا بعد مراجعة " خارجه " والبعض لا يكلف نفسه عناء التفكير بالخطوة بل تأتيه من "خارجه " الذي يلتزم به ويراهن عليه ويستقوي بحضوره ودوره وفاعليته ؟؟  يتبدّل " الخارج " ونتصرف مثل " الخوارج " على الدولة ومؤسساتها وكل ذلك باسم السيادة الوطنية !! السيادة شجاعة ومعيار واحد لا نسكت عن تدخل " خارج " واحتلال" آخر " وتهور " ثالث " ومحاولة " رابع " استخدام لبنان " وخامس " الضغط عليه .
 
 
 
- "نحتكم الى الكتاب " اي الى الدستور وكثيرون جاؤوا في تاريخ البلد الى مواقع المسؤولية من خارج الكتاب والدستور. لطالما نام أهل البلد في استحقاقات معينة على أسماء ما لملء المناصب السياسية العليا ثم استيقظوا على اسماء أخرى جاءت من الخارج ووقع فرز جديد بين اللبنانيين يعكس فرزاً بين " الآخرين " في الخارج وتقدم هذا على حساب ذاك وتغيّرت أدوار. 
 
- "لا بد من إصلاح " والتزام باتفاق الطائف. الطائف فرض في الخارج. صفقة دولية إقليمية بعدما تعب " الآخرون " منا. وحققوا ما يريدون وتقاسموا ما يريدون فاستُدعينا الى الطائف لإقرار ما كنا قد ناقشناه واتفقنا عليه في مناسبات ومؤتمرات عديدة على وقع القصف وتحت النار والحروب التي دمرت البلد. " حُجز " ممثلونا حتى يخرجوا باتفاق. من منعنا كلبنانيين من تطبيقه ؟؟ " الآخرون ". لا شك أن لهم تأثيرهم. كل " آخر " في مرحلته. لكنني لست مؤمناً أن هؤلاء منعونا من القيام بكثير من الأمور، ومن احترام الذات، وتحمّل المسؤولية وحل كثير من المشاكل والالتزام بحس الإدارة والإرادة ومعالجة قضايا الناس. لا أحد يفرض على أحد لا من الداخل ولا من الخارج  أن يكون فاسداً او مهملاً أو مقصراً أو مرتكباً. والأبشع من كل ذلك أننا في مراحل معينة – مثل المرحلة الحالية – ينادي كثيرون بالإصلاح ويحاولون الذهاب اليه تحت تهديد " الخارج " كأننا لا نأتي الى القيام بالواجب إلا تحت أسواط الخارج وبإهانة الداخل رغم ارتفاع كل الأصوات فيه منادية بالإصلاح وبناء دولة المؤسسات. قلة قليلة جداً أيضاً التزمت فكرة الدولة ومنطق الدولة وعملت وأنجزت وتعبت وأثبتت احتراماً للمؤسسات وللناس وكراماتهم ومصالحهم وقضاياهم بعيداً عن المزايدات والحسابات الفئوية والمذهبية والطائفية والمصالح الشخصية أو الحزبية أو السياسية الضيقة. تعبت لكنها نجحت. فلماذا التذرّع الدائم بالخارج ؟؟
 
- "لا بد من تطبيق الطائف " هذا أمر بديهي. طبيعي. لكن من أغرق المسؤولين في علمية الاستنساب وفي استحضار البنود غب الطلب للمزايدة على بعضنا؟ إما أننا أمام دستور، وينبغي تطبيقه، إما أننا في شريعة غاب. في هذا السياق كان المعلم كمال جنبلاط يقول: " نعيش في شريعة الغاب. أخشى ما أخشاه أن نصل الى غاب بلا شريعة ساعتئذ يتهدد الكيان ". كأننا اليوم في هذه الحال للأسف. يكتب الكثير عن هذه العناصر والعوامل المؤثرة سلباً في حياتنا اليومية ويخرج بعض الداخل ليعطينا أمثلة في إدارة الحكم مستشهداً بما يجري في الكونغرس الأميركي أو أوروبا أو بريطانيا أو حتى بعض الدول  العربية " الجديدة ". لبنان بلد فريد. نظامه لا مثيل له. نعمة التنوّع فيه حولها سوء الإدارة والممارسة الى " نقمة ". ارتحنا قليلاً في مراحل معينة يوم كانت اتفاقات دولية إقليمية أمّنت استقراراً وكان ثمة كبار رجال دولة في الداخل . اليوم، الصفقة لم تأت بعد. ولا كبار في لبنان إلا قلة نادرة، وعامل الوقت ليس لمصلحتنا. ونحن غارقون في المتاهة. 
 
 
 
منذ أيام اتخذت الحكومة قراراً بحصرية السلاح في يدها. في يد الجيش اللبناني. هذا أمر بديهي في حياة الدول الطبيعية، لكن نعيش في بلد غير طبيعي. لا قرار مركزياً فيه، ولا اتفاق فيه وتداخل بين " آخرين " و" داخليين " ولم يتوقف النقاش حتى الآن ولن يتوقف حول الضغوطات الخارجية واسرائيل واحتلالها وعدوانها المفتوح وإيران وتهديداتها واستغلالها وسوريا، وعرب وغرب وأجانب وأميركا. ونحن في المتاهة تتكاثر أمراضنا ولا نعرف كيف نحدّ من الخسائر ونوقف النزف. لغة تخوين وتهديد وشماتة واستقواء ب " خارج " وكأن البلد مجدداً على برميل بارود مهدد بوحدته ومستقبله وإطباق عليه من كل الجهات ومتغيرات هائلة في لعبة الدول قد تطيح بكل شيئ ونتصرف بطريقة نبدو فيها أصغر منها بكثير، أضعف من مواجهتها، بل عاجزين عن مواكبتها. من سينفذ القرار في مثل هذه الحالة ؟؟ كيف سينفذ إذا استمر هذا الانقسام والتحدي والتخوين ؟؟ أي خارج غير اسرائيل، ولو مدعومة من أكثر من " خارج " ويراهن عليها بعض " داخل " ؟؟ ما هي النتيجة في بلد الهواجس والقلق ؟؟ اعتدنا في لبنان أن نحل الأمور بالتوافق لنقل بالسياسة. 
 
لسنا في مرحلة تحقيق أي ربح. نحن في مرحلة الحد من الخسائر للدخول في مرحلة تحقيق ربح استعادة البلد واستقراره واستمراره موحداً وإعادة بناء مؤسساته وبدء الخروج من المتاهة ومعالجة أمراضنا. هل يفكر المعنيون في كل المواقع بهذه الطريقة بعيداً عن البطولات والعنتريات والتحديات لنجد الحل الأهدأ الأمثل لتأكيد منطق الدولة وتكريس حصرية السلاح بيدها أم نبقى في المتاهة؟ 
 
وهل نوحد موقفنا لنحمي لبنان الكبير حدوداً ووحدة وطنية في ظل لعبة الدول؟
 
تحية للجيش اللبناني وشهدائه ولتكن دعوة وطنية لبنانية عامة لكل الدول التي أبدت حرصها عليه وأشادت بإنجازاته: بادروا الى مساعدته، حقّق إنجازات كبيرة وقدّم تضحيات غالية ولم تقدموا شيئاً له. ماذا تنتظرون بعد؟ أين وعودكم وعهودكم؟