الغد-ديمة محبوبة
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي أدوارا كثيرة في حياة الأفراد وكل حسب طريقة استخدامه لها، ويبقى الدور الإنساني الأبرز عبر هذه الوسائل بأن يظهر وينتشر ويعمم بين الأفراد.
سامية علي مشتركة في "جروب" مخصص للسيدات، وجدت منشورا يدعو للتعاون ودعوة لمن يريد المساعدة في توفير مواد تموينية، وذلك لعمل طرود خيرية تحتوي على المواد الغذائية المتنوعة، لتوزيعها على عائلات محتاجة.
تقول سامية: "أعجبتني الفكرة، فتواصلت مع صاحبة المنشور للتحقق من صحة المعلومات التي نشرتها وأنها مسؤولة عن توزيع هذه الطرود على المحتاجين طوال العام بالتعاون مع صديقاتها، وأنهن دائما بحاجة إلى متطوعين ومتطوعات للمساعدة في توزيع المهام".
تضيف "اليوم، أصبحت من أعضاء هذه المجموعة وأسهم بنشر كل ما يتعلق بالمبادرة عبر صفحات مختلفة، مما يساعد على أن يعم الخير وتزيد التبرعات وعدد المتبرعين".
في حالة أخرى تم نشرها عبر "فيسبوك"، كانت لطفل يعاني من مرض مزمن في الدماغ. يوضح خليل أن الطفل بحاجة إلى دواء للأعصاب بشكل دوري، نظرا لطبيعة مرضه، ما يضع عبئا ماليا كبيرا على عائلته.
يقول خليل: "عندما رأيت المنشور، لم أستطع تجاهله. تواصلت مع والد الطفل للتحقق من المعلومات، وطلبت منه إرسال التقارير الطبية التي تؤكد الحالة. بعد التأكد، قمت بالتبرع بقيمة العلاج لمدة شهرين".
وأضاف "نظرا لأن الحالة مزمنة وتتطلب العلاج مدى الحياة، طلبت الإذن لنشر الفكرة على صفحتي الشخصية، بهدف المساعدة في العثور على الدواء بتكلفة أقل من دول أخرى، أو تشجيع أشخاص آخرين للمساهمة في تأمين العلاج، وأبدى الكثيرون الرغبة بالمساعدة، وهو ما حصل بالفعل".
تروي إسلام مصطفى تجربة أخرى؛ حيث رصدت منشورا على إحدى الصفحات المخصصة للفتيات، ذكرت فيه إحدى العضوات: "أملك جهاز عروس كاملا بحجم متوسط، ويمكنني تقديمه للمساعدة لفتاة مقبلة على الزواج. من تحتاج إليه، أرجو التواصل معي". هذا المنشور أوجد تفاعلا كبيرا.
تقول إسلام: "كان هذا المنشور بمثابة مفاجأة لي عند قراءته. تخيلت كيف يمكن للفرد أن يصنع الخير حتى من خلال جراحه. الفتاة التي تبرعت بجهاز عرسها ذكرت أنها لم توفق في إتمام زواجها، ورغبت في تقديم الجهاز بالكامل لمساعدة فتاة أخرى تحتاج إليه للزواج".
ما أثار إعجابها أكثر هو التعليقات التي كشفت عن وجود فتاة يتيمة مقبلة على الزواج وبحاجة فعلية إلى هذه المساعدة، وهو ما جعل المبادرة أكثر إنسانية وتأثيرا.
اليوم، ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي ووصولها إلى أيدي معظم الناس، أثبتت هذه الوسائل قدرتها على أن تكون فعالة لربط المحتاجين بالمتبرعين بسرعة وكفاءة. يمكن أن تتحول إلى أداة قوية لتعزيز قيم الخير والتكافل الاجتماعي، بشرط استخدامها بحكمة وحذر.
ويبقى من المهم التحقق من دقة المعلومات المقدمة ومصداقية الحالات الإنسانية، بالإضافة إلى ضمان الشفافية في إيصال المساعدات. هذه المعايير تسهم في استدامة الجهود الإنسانية وتعزيز الثقة بين جميع الأطراف المعنية، مما يجعل هذه الوسائل أداة حقيقية لدعم العمل الخيري.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، يوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي تجاوزت دورها التقليدي كمنصات للتواصل أو تبادل الأخبار، لتصبح أدوات حيوية للعمل الإنساني والتطوع، مما أحدث تحولا جذريا في كيفية تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين.
ويشير خزاعي إلى أنه مع تزايد أعداد مستخدمي هذه المنصات، ظهرت صفحات وحسابات متخصصة تسعى لربط العائلات المحتاجة مع الأفراد والمؤسسات الراغبة في تقديم العون. توفر منصات مثل "فيسبوك"، "تويتر"، و"إنستغرام" فرصة مميزة للوصول السريع والفعال إلى المحتاجين، من خلال نشر منشورات مخصصة تتضمن نداءات إنسانية يمكن أن تصل إلى الجمهور في غضون دقائق.
ويضيف أن خاصيات مثل المشاركة تسهم في انتشار المنشورات بسرعة هائلة، مما يتيح وصولها إلى جمهور واسع. هذه الصفحات أصبحت ملاذا للأسر التي كانت تجد صعوبة في طلب المساعدة بطرق تقليدية، سواء بسبب الخجل أو عدم المعرفة بالقنوات المناسبة.
كما يوضح أن ميزة الخصوصية التي توفرها الرسائل المباشرة تعزز من شعور الأسر بالأمان، حيث يمكنهم التواصل مع مسؤولي تلك الصفحات من دون الحاجة إلى الكشف العلني عن هوياتهم، مما يساعدهم على طلب المساعدة بطريقة تحفظ كرامتهم.
توضح ميادة، وهي سيدة تعمل في جمع التبرعات المختلفة وفق احتياجات الناس، أن فوائد وسائل التواصل الاجتماعي لا تقتصر على مساعدة المحتاجين فحسب، بل تمتد أيضا لتسهيل عملية التبرع على المتبرعين، حيث توفر لهم طريقة أسهل وأكثر شفافية لتقديم الدعم. تقول ميادة: "مكنتني هذه الوسائل من نشر تفاصيل دقيقة عن الحالات المحتاجة، سواء من خلال الصور، الفيديوهات، أو الشهادات التي تعزز المصداقية قبل وبعد التبرع، هذا الأمر جعل جمع التبرعات أسرع وأسهل، وساعدني في تحديد نوع المساعدة المطلوبة، سواء كانت مالية، عينية، أو حتى معنوية".
كما تشير إلى أن ظهور هذه الأدوات الرقمية أدى إلى تطور أشكال العمل التطوعي، فلم يعد التطوع يقتصر على العمل الميداني فقط، بل أصبح للمتطوعين الرقميين دور كبير في إدارة الصفحات، تنظيم الحملات، نشر المحتوى والتواصل مع المتبرعين. فالمنصات الرقمية أسهمت في تقليل التكاليف والجهود اللازمة لتنظيم حملات المساعدة، مقارنة بالطرق التقليدية، مما جعل العمل الإنساني أكثر انتشارا.
توضح ميادة أن الأثر الأكبر لوسائل التواصل الاجتماعي هو خلق شعور أعمق بالمسؤولية المجتمعية من خلال التفاعل مع المنشورات الإنسانية، مما يجعل المستخدمين أكثر وعيا بالقضايا المحيطة بهم ويشجعهم على المشاركة والمساهمة. وتضيف أن الانتشار السريع للمعلومات يخلق نوعا من الضغط الاجتماعي لدعم المبادرات، مما يعزز التضامن بين أفراد المجتمع.
ومع ذلك، تشير إلى أن هناك تحديات كبيرة تواجه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في هذا السياق، من أبرزها صعوبة التحقق من مصداقية بعض الحالات أو الحملات. كما أن هناك خطرا من الاستغلال أو التلاعب بالمشاعر الإنسانية. لذلك، تؤكد ميادة أن الشفافية والمصداقية أصبحتا من الأمور الحيوية لضمان استمرار الثقة بين المتبرعين والمحتاجين.
وتوضح أن الأثر الأكبر للسوشال ميديا هو خلق شعور أكبر بالمسؤولية المجتمعية من خلال التفاعل مع المنشورات الإنسانية، فيصبح المستخدمون أكثر وعيا بالقضايا المحيطة بهم، مما يشجعهم على المشاركة والمساهمة.
ووفق ميادة، فإن وسائل التواصل أعادت تعريف مفاهيم المساعدة والتطوع، محولة العالم إلى قرية صغيرة، حيث يمكن للجميع تقديم الدعم ومد يد العون لبعضهم بعضا. وتؤكد أنها تأمل أن تواصل هذه المنصات لعب دور محوري في العمل الإنساني، مما يعزز قيم التكافل والتعاطف في المجتمعات.