عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Dec-2025

الإعلام متأخر عن الركب: انتقاد إسرائيل لم يعد عبئا سياسيا

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جيمس زغبي* - (كومون دريمز) 2025/12/10
حرب إسرائيل على الفلسطينيين تركت آثارًا واضحة، سواء على شعبية تلك الدولة لدى الناخبين الأميركيين أو على السياسات التي يرغب هؤلاء الناخبون في أن تتخذها حكومتهم للحد من سلوكيات إسرائيل العدوانية.
 
 
وتظهر استطلاعات الرأي الآن أن الناخبين أصبحوا أقل ميلًا إلى التصويت للمرشحين الذين يرفضون انتقاد إسرائيل أو يتلقون أموالًا من لجان العمل السياسي المؤيدة لها.
 
تغيرت مواقف الناخبين الأميركيين تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لكن المعلقين الإعلاميين والاستشاريين السياسيين لم يدركوا ذلك بعد. إنهم عالقون في الماضي ويحتفظون بافتراضات قديمة عن الناخبين، وما يزالون يتصرفون وفق كُتيّب إرشادي قديم.
ثمة مقالة مميزة نُشرت في صحيفة "الواشنطن بوست" الأسبوع الماضي بعنوان: "أسماء يجب مراقبتها مع انطلاق سباقات منتصف المدة للعام 2026"، والتي تقدم أفضل دليل على مدى انقطاع المحللين عن الواقع. وقد تناولت المقالة ستة سباقات اعتبرها كُتاب "البوست" جديرة بالمراقبة في العام المقبل.
أحد هذه السباقات البارزة كان ترشح الأميركي-العربي الدكتور عبد السعيد عن الحزب الديمقراطي لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية ميشيغان. بعد أن وصف المقال "تقدميته الصريحة" -دعمه لبرنامج الرعاية الصحية "ميديكير للجميع" ولزيادة الضرائب على المليارديرات، وحصوله على تأييد السيناتور بيرني ساندرز (المستقل عن ولاية فيرمونت)- يوجه الكاتب إليه الانتقاد التالي:
"ربما تكون آراؤه حول السياسة الخارجية هي الأكثر إثارة للجدل. فقد وصف أعمال إسرائيل في غزة بالإبادة الجماعية، وهو يدعو إلى قطع المساعدات العسكرية عن الدولة اليهودية".
ثمة ما يثبت انفصال الكاتب عن الواقع هو ادعاؤه أن اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية أو الدعوة إلى قطع المساعدات العسكرية عنها هي مقترحات سياسية مثيرة للجدل. ربما كان هذا صحيحًا قبل بضع سنوات، لكن حرب إسرائيل على الفلسطينيين تركت آثارًا مهمة على شعبية هذه الدولة بين الناخبين الأميركيين، وعلى السياسات التي يرغب هؤلاء الناخبون في أن تتخذها حكومتهم لضبط سلوك إسرائيل والحد من عدوانيتها. وينطبق هذا التحول بشكل خاص على الديمقراطيين، وهم الناخبون الذين سيحتاج عبد السعيد إلى دعمهم للفوز في الانتخابات التمهيدية المقبلة.
أثبتت مجموعة واسعة من استطلاعات الرأي مدى اتساع التغيرات في مواقف الناخبين الأميركيين. وكان أحدثها وأكثرها شمولًا هو الاستطلاع الذي أجرته مجلة "الإيكونوميست" في آب (أغسطس) 2025، والذي أظهرت نتائجه ما يلي:
• يؤيد 43 في المائة من الناخبين خفض المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، مقابل 13 في المائة فقط يرغبون في زيادتها. وكانت النسبة بين الديمقراطيين تأييد 58 في المائة للخفض مقابل 4 في المائة يعارضونه، وكانت النسبة بين المستقلين متقاربة جدًا.
• هل ترتكب إسرائيل إبادة جماعية؟ من بين جميع الناخبين، يقول 44 في المائة "نعم"، و28 في المائة يقولون "لا". وبين الديمقراطيين، كانت النسبة 68 في المائة قالوا "نعم" و8 في المائة فقط قالوا "لا"، وكانت النسبة بين المستقلين 45 في المائة قالوا "نعم" مقابل 19 في المائة مع "لا".
كما أظهرت استطلاعات رأي أخرى أن الناخبين الأميركيين هم أكثر ميلًا إلى دعم المرشحين الذين يتبنون مثل هذه المواقف وأقل ميلًا إلى التصويت للمرشحين المدافعين عن السياسات الإسرائيلية أو الراغبين في الحفاظ على المستويات الحالية من المساعدات العسكرية.
الاستنتاج الواضح من هذه البيانات هو أن المرشحين الذين يتخذون مواقف مثل التي يدعمها عبد السعيد لم يعودوا مثيرين للجدل -بل إنهم أصبحوا جزءًا من التيار الرئيس الجديد في الولايات المتحدة.
وثمة أدلة إضافية على هذا التحول. مع اقتراب الانتخابات النصفية وبقاء أقل من عام على إجرائها، يُلاحَظ أن أكثر من عشرين مرشحًا للكونغرس أعلنوا مسبقًا نيتهم رفض المساهمات التي تقدمها لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل للحملات الانتخابية، بمن فيهم ثلاثة أعضاء حاليين في الكونغرس كانوا سابقًا من أكبر الداعمين لإسرائيل وتلقوا ملايين الدولارات من هذه المصادر، ومنها لجان العمل السياسي والمصروفات المستقلة. وقد تحدث أحد هؤلاء الأعضاء مؤخرًا في "متحف الهولوكوست" الأميركي واعتبر أعمال إسرائيل في غزة إبادة جماعية، وأعلن دعمه للتوقف عن إرسال الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.
هذه التغيرات في المواقف تجاه إسرائيل كانت تتبلور منذ سنوات عدة، لكنها تسارعت بشكل كبير بسبب الهجوم الإسرائيلي الذي استمر أكثر من عامين على الفلسطينيين في غزة. صحيح أن الفظائع المصاحبة لهجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ولّدت في البداية دعمًا لإسرائيل، لكنّ هذا الدعم سرعان ما انهار مع تزايد عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين واتضاح حجم الدمار الواسع والمتعمد الذي أحدثته العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
كان هذا الاتجاه واضحًا بشكل خاص في الانتخابات الرئاسية للعام 2024، حيث أظهرت التحليلات التي ظهرت بعد الانتخابات أن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، فقدت دعم مجموعة واسعة من الناخبين الديمقراطيين والمستقلين لأنها رفضت الانفصال بحزم عن دعم الرئيس جو بايدن لإسرائيل. وبدلاً من الاستماع إلى حدسها وتوجيه نقد أكثر صراحة للممارسات الإسرائيلية والدفاع عن حقوق الفلسطينيين، استمعت هاريس إلى استشاريي المؤسسة الذين حذروها من "إثارة الموضوع" في هذه القضية الحساسة.
لم يكن المستشارون وطواقم الحملات والمحللون الإعلاميون يفهمون التغيرات التي طرأت على المشهد آنذاك -وما يزالون عاجزين عن فهمها الآن أيضًا. إنهم عالقون في وهم النظر إلى السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط وكأن حرب إسرائيل الإبادية على الفلسطينيين لم تحدث. لكنها حدثت، وكانت محورية.
في السابق، كان يُقال إن انتقاد إسرائيل يشبه المساس بـ"الخط الثالث" في السياسة الأميركية - تجنبه أو احترق. وفي الواقع، ما يزال الأمر كذلك، وإنما بالاتجاه المعاكس. كان دعم إسرائيل شرطًا أساسيًا لنجاح المرشحين للكونغرس. والآن تظهر الاستطلاعات أن الناخبين أصبحوا أقل ميلًا إلى التصويت للمرشحين الذين يرفضون انتقاد إسرائيل أو يتلقون أموالًا من لجان العمل السياسي المؤيدة لها.
مع اقتراب انتخابات منتصف المدة المقررة في العام 2026، يمكن توقع رؤية المزيد من المرشحين الذين يعلنون النأي بأنفسهم عن السياسات الإسرائيلية. كما يمكن توقع الذعر الذي سيصيب مجموعات الدعم لإسرائيل التي ستعمد إلى زيادة إنفاقها بملايين الدولارات لهزيمة المرشحين المنتقدين لإسرائيل. وشعوري أن هذا قد يأتي بنتائج عكسية، لأن ما سيكون مثيرًا للجدل في العام 2026 هو السياسات الإسرائيلية والمساهمات المؤيدة لإسرائيل، وليس العكس. ولذلك، كلما أسرع المحللون والاستشاريون والإعلاميون في إدراك ذلك، كانت السياسة أفضل.
 
*د. جيمس ج. زغبي James Zogby: مؤلف كتاب "أصوات عربية" Arab Voices (2010) ومؤسس ورئيس "المعهد الأميركي العربي" في واشنطن، وهو منظمة تعمل كذراع بحثي وسياسي للمجتمع الأميركي العربي. منذ العام 1985، قاد مع المعهد جهود الأميركيين العرب لتحقيق التمكين السياسي في الولايات المتحدة من خلال تسجيل الناخبين والتعليم والتحفيز، مما جعل الأميركيين العرب جزءًا من التيار السياسي الرئيسي. كما شارك زغبي شخصيًا في السياسة الأميركية لسنوات عديدة؛ في 1984 و1988 شغل منصب نائب مدير الحملة ومستشار أول لحملة جيسي جاكسون الرئاسية. وفي 1988 قاد أول مناظرة حول الدولة الفلسطينية في مؤتمر الحزب الديمقراطي في أتلانتا، وفي الأعوام 2000 و2008 و2016 كان مستشارًا للحملات الرئاسية لكل من غور وأوباما وساندرز.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Media Is Behind the Times: Criticizing Israel Is No Longer a Political Liability