الدستور
كانت أمي حين تغضب يحمر وجهها، وهي الخجولة التي بالكاد يسمع صوتها، تغني من الفلكور الشامي ما يتحدث عن فترة أواخر الحكم العثماني للأمة العربية أغنية «سكابا» التي تقول كلماتها :
سكابا يا دموع العين سكابا/ تعي وحدك ولا تجيبي حدابا / وإن جيتي وجبتي حدا معاك /لاهد الدار واجعلها خرابة / تركوني أنوح واشتكي زماني / زماني والله بالهوى رماني / حبيب الروح ما ادري ليش جفاني/ عفاني وراح خلفلي العذابا.
وعندما كان أبي يدخل البيت ويسمعها تغني يقول لنا « مالها أمكم، مين مزعلها ؟ كان يعرف أنها تغني حزناً وليس فرحاً. وقد ورثت هذا الحزن من أمها ومن سبقنها. انه الجرح الممتد من العهد العثماني الى البريطاني الى الصهيوني. وها هو الجرح يفتح اليوم من جديد في حلب بعد لبنان وفلسطين وبنفس المشرط الاستعماري البريطاني « الأميركي» الاسرائيلي!
كانت الأغاني وسيلة لكتابة التاريخ بالغناء أو لنقل التعبير عن الألم بالموسيقى واللحن، كما في زوربا والحبشي الذبيح الذي يرقص من الألم في قصيدة ابراهيم طوقان. ومن تلك الأغاني تلك التي تروي حكاية الباخرة (الروزنا) وقد تعددت الروايات حول الأغنية التراثية الشامية الشهيرة في العالم العربي وغنتها فيروز وربما صباح فخري صاحب القدود الحلبية. تروي الأغنية حكاية كرم وشهامة تجار حلب مع تجار بيروت في مواجهة الحكم العثماني بعد السلطان عبد الحميد الذي رفض أن يسمح لليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين فتآمروا عليه وأزاحوه.
تقول الحكاية إنه في أواخر حكم العثمانيين أرسلت تركيا باخرة إلى بيروت تحوي جميع أنواع المواد الغذائية لبيعها بسعر زهيد جدًا بهدف المضاربة على تجار بيروت وإلحاق الضرر بهم وهذا ما كاد يحدث فعلاً حيث تكدست البضائع اللبنانية وكادت تتلف..
وعندما سمع تجار حلب بأمر الباخرة التي تريد إلحاق الضرر بتجار بيروت ما كان منهم إلاّ أن اشتروا البضاعة منهم وأنقذوهم من الإفلاس..
اسم الباخرة التركية التي كانت ستجلب الكارثة على تجار بيروت هو «الروزنا» وعربونًا للوفاء ولشكر أهالي حلب كتبت وقتها أغنية «عالروزنا» وامتدت إلى بقية بلاد الشام آنذاك (سوريا ولبنان وفلسطين والأردن). تقول كلمات الاغنية :
عالـروزنا عالـروزنا / كل الهنا فــيـها / شـو عملت الـروزنا /الله يجــازيـهــا / يا رايحين عا حلـب / حبي معاكم راح / يامحملين العــنب / تحـت العنب تفاح.
كنت كتبت بعض هذا الكلام قبل ثماني سنين وها هي المؤامرة تتكرر بأدوات أخرى. مؤامرة تقسيم المقسم وتفتيت الدول العربية الى دويلات أو «سايكس بيكو 2 «.
تقود الهجوم على حلب ما يسمى هيئة تحرير الشام المنسلخة أولاً عن القاعدة ثم عن داعش بعد أن انتهى دورهما الذي أوجدتا أميركياً من أجله، كما اعترفت هيلاري كلينتون في مذكراتها وهو ما كرره ترامب في حملته الانتخابية لرئاسته الأولى. الهيئة التي يتزعمها ابو محمد الجولاني اتخذت من ادلب عاصمة لها واحتوت كافة التيارات المنشقة عن دمشق وهي على صلة بأميركا واسرائيل.
من خلال الهجوم المفاجئ المريب الذي جاء بعد يومين من اعلان وقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل، تطمح الهيئة للسيطرة على حلب وحماة اضافة لإدلب والاعتراف بها كواحدة من «الدويلات « السورية الأربع المخطط لها من التحالف الصهيوني الغربي والهادف الى تقسيم سوريا. واذا، لا سمح الله، نجح هذا المخطط الشيطاني سيأتي الدور على مصر والعراق وبذلك يصنعون « الشرق الأوسط الجديد « الخالي من العروبة بزعامة اسرائيل الكبرى !