الغد
بين اعتبار عملية الطوفان "معجزة عسكرية" أو اعتبارها "فشلاً ذريعاً"، ما يزال الخبراء في هذا الصدد مختلفين، والحقيقة ان الآراء الموضوعية قليلة، فأغلب الآراء صادرة عن موقف مسبق من حماس نفسها ومن الإسلام السياسي وخاصة حركة الإخوان المسلمين وأيضاً من تحالفات حماس مع إيران بما عرف بمحور المقاومة!
حجم الخسائر مأساوي، ومصير غزة بعد وقف الحرب ما يزال مجهولًا حتى الآن. ومع ذلك، يبدو أن هناك ترتيبات تُجرى بما يتماشى مع رؤية إسرائيل الحالية، التي تتطابق مع رؤية جابوتنسكي أحد أهم منظري الصهيونية، كما وردت في كتابه "السور الحديدي" عام 1923.
تتلخص هذه الرؤية في إيصال الفلسطينيين والعرب إلى قناعة "عدم جدوى المقاومة"، وذلك باستخدام القوة المفرطة والضرب بيد من حديد وعدم تقديم أي تنازلات للفلسطيني؛ مما سيجبره على قبول دولة يهودية على كامل التراب الفلسطيني وكذلك على كامل مساحة إسرائيل الكبرى!
خبراء الحروب يقولون إن أهم الحروب هي التي لا تخوضها فعلا، ويقولون أيضا إنه في حروب التحرير فإن بقاء جذوة المقاومة هي معيار انتصار حركات المقاومة؛ ولهذا يروِّجون لفكرة أن حقيقة تفاوض إسرائيل مع حماس يعني أن حماس والمقاومة لم تمحق، الأمر الذي يعتبر انتصارا لها من هذا المنظور.
يضيفُ آخرون أن إجرام إسرائيل في حرب غزة قد فاق كل التوقعات - وليس فقط توقعات حماس- فهذا البطش الإسرائيلي ألحق بإسرائيل ذاتها خسائر سياسية كبيرة، وأهمها سقوط فكرة الضحية عن إسرائيل وتجاوز مسألة معاداة السامية، إضافة إلى تَشَكل رأي عام عالمي مناصر للقضية الفلسطينية وخاصة بين الشباب. ومع ذلك، يشكك آخرون في أن هذا الزخم العالمي قد لا يكون مستداما، وقد يتغير مع مرور الوقت. كما يرون أنه وفي كل الأحوال لا يبرر "مغامرة حماس" التي ألحقت دمارًا جسيما بغزة. يرد البعض أن هذه طبيعة الحروب بين الجيوش النظامية وحركات التحرر، وخاصة جيش مثل جيش الاحتلال الصهيوني المسلح بجميع أنواع الأسلحة التقليدية والحديثة، ناهيك عن الدعم التقني والاستخباراتي من أميركا وغيرها من دول العدوان، فخسائر فلسطين مقابل المليون ونصف شهيد لا تتعدى 1.5 ٪ من عدد الشهداء الجزائريين!
الواقع يشير إلى أن إسرائيل اليوم تحصد نتائج عدوانها على غزة، فتحصد نتائج ضرب حماس وتصفية قادتها وتحصد نتائج ضرب حزب الله وقادته وتحييد إيران شبه الكلي كذلك، وهي تحاول إعادة ترتيب المنطقة، ويبدو المشهد كأنه تجديد لعهد الاستعمار الأوروبي والأميركي في منطقة الشرق الوسط، وذلك بفرض شروط إسرائيل وترامب واليمين الأوروبي، ولهذا فإن المهزوم الحقيقي هو النظام العربي خاصة والنظام الإسلامي عامةً ومهزومٌ لأنه لا ولم يملك مشروعا اقتصادياً سياسيا علميا حضارياً، مهزوم لأن أغلب دول النظام العربي والاسلامي متورطة في حمايات أجنبية أغلب هذا الحمايات الأجنبية حليفٌ لإسرائيل ومشروعها في المنطقة، مهزوم لأن مشروعه القومي كان مشروعاً فردياً توتاليتاريا قمعيا، ومشروعه الإسلامي كان منقسما وجوديا وطائفياً بامتياز، أما تياره الليبرالي فكان جبانا غير مواجه منشغل بالحريات الاجتماعية على حساب الحريات السياسية والجماعية. المهزوم الحقيقي أنظمة ظنت أن الأجنبي سند لها واليوم ترى أنها ورقة في مهب ريح إسرائيل، تضعها حيث تتطلب مصالحها، ومن ذلك أن تزيلها عن الوجود!
إن المشغولين بتقييم طوفان الأقصى يغفلون في المقام الأول عن الهزيمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي لحقت بالوطن العربي بمختلف أطيافه السياسية والفكرية. هذا ليس جلدًا للذات، بل دعوة للاعتراف بالواقع كخطوة أولى نحو تغييره. وليس كل تكرار يُدان، ذلك أن الغفلة أصبحت عامة وطامة، جنابكم.