عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jan-2020

الوجه الجيد للإيرانيين - دمتري شومسكي

 

هآرتس
 
لا يوجد خلاف حول أن إيران هي العدو اللدود والأكثر جدية لإسرائيل في عصرنا. لذلك، من الطبيعي أن الاغتيال الأميركي قبل نحو أسبوعين لقائد “قوة القدس” في حرس الثورة، قاسم سليماني، الذي قام بتربيته الزعيم الأعلى علي خامنئي، أثار في إسرائيل الرضى الكبير. ايضا مجرد الشيطنة الجارفة والشاملة لطهران واذرعها العسكرية في الشرق الأوسط، التي هي سائدة في الخطاب الإسرائيلي الرسمي حول إيران، هي أمر طبيعي ومفهوم بحد ذاته. سيكون من السذاجة التوقع من دولة تقع في مواجهة مصيرية مع دولة اخرى أن لا تصف سلوك دولة العدو بصورة مبسطة وأحادية الجانب، حيث أنه هكذا تعمل آلة الدعاية الوطنية في أي دولة قومية حديثة، ديمقراطية وغير ديمقراطية. ورغم ذلك يجدر معرفة أنه أحيانا الواقع الجيوسياسي معقد ومتعدد الوجوده أكثر مما يظهر في خطاب الدعاية الوطني، لا سيما عندما يصرخ التصادم بين أحادية البُعد في خطاب الدعاية وبين العقل السوي الى عنان السماء.
على سبيل المثال، احدى المسلمات الاساسية للخطاب الإسرائيلي (والأميركي) حول إيران، والمتكررة جدا منذ اغتيال سليماني، تقول بأنه يوجد لإيران والمليشيات الشيعية التي تدعمها دور في ضعضعة الاستقرار في المنطقة. احيانا هذا الادعاء يتم قوله كمسلمة بدون أي دليل. واحيانا يكون مدعوما بوقائع وأرقام. مثلا، المحلل العسكري في “هآرتس”، عاموس هرئيل، الذي يريد تعزيز هذا الادعاء، شرح بعد يومين على عملية الاغتيال (“هآرتس”، 5/1) بأن أيدي سليماني كانت ملطخة بدماء كثيرة، وأن تورط إيران في الحرب في ارجاء الشرق الأوسط ساهم بقتل عشرات آلاف الأشخاص. ادعاءات كهذه طرحت ايضا في مقال هيئة تحرير “هآرتس” الذي كان ردا على تصفية سليماني (5/1).
ولكن في الوقت الذي فيه هذه الأقوال بحد ذاتها صحيحة ودقيقة فانه مطلوب منا قدر كبير من العمى التحليلي من اجل تجاهل حقيقة أنه كان للمليشيات الشيعية المؤيدة لإيران في السنوات الأخيرة دور مهم، وحتى رئيسي، في احباط سيطرة داعش على المجال في العراق وسورية. وهذه مهمة كرسها لنفسه كما هو معروف تحالف دولي كامل، برئاسة الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي رفع فيه تدخل إيران في سورية والعراق (والتدخل الأميركي في المنطقة) منسوب الدماء في الحروب الأهلية في هذه الدول، ساهمت أيضا في انقاذ ملايين الاشخاص من استعباد داعش، وحتى انقاذهم من الابادة الجماعية، لو أن داعش تمكن من أن ينشئ فيها امبراطورية دينية متعصبة وقاتلة.
يمكن الافتراض بأنه عند انتصار “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” فان مصير ملايين الشيعة في هذه الدول لم يكن ليختلف كثيرا عن مصير اليزيديين، الذين جربوا فظائع المذبحة الجماعية لداعش التي هزت تفاصيلها من وقت غير بعيد الرأي العام العالمي. صحيح أنه لا أحد يوهم نفسه – أن النشاطات العسكرية لإيران وتوابعها في الشرق الأوسط تستهدف في المقام الأول تحويل دولة آيات الله الى دولة عظمى اقليمية. ولكن في نفس الوقت لم يكن من الخطأ الاعتقاد بأن أحد أهداف تدخل إيران في الحروب الأهلية في العراق وفي سورية هو مساعدة السكان الشيعة في المنطقة للدفاع عن انفسهم امام التهديد الوجودي لداعش. هذا الهدف ليس أمرا لا يستحق وليس أمرا غير مبرر، بالعكس، بالتحديد في نظر إسرائيل، التي تهتم كثيرا بمصير يهود الشتات، فان هذا التجند لمساعدة الاخوة في الدين الذين يتعرضون لابادة شعب، يمكنه اثارة درجة معينة من التقدير.
ربما يوجد إسرائيليون، وربما حتى في أوساط قيادة الدولة، لم يعتبروا انتصار داعش في الشرق الأوسط تهديدا لدولة إسرائيل. اجل، يبدو أن النضال ضد العدو الصهيوني لم يكن على رأس سلم أولويات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
إضافة الى ذلك، احيانا يبدو أنه لو لم يظهر داعش بنفسه، لكان يجب على اليمين واليمين – وسط في إسرائيل، اختراعه بشكل سريع. حيث أنه بسبب النضال الدولي ضد داعش فان الموضوع الفلسطيني قد تم اقصاؤه نهائيا الى الزاوية. ونحن لا نريد التحدث عن التبرير الإسرائيلي الخالد ضد كل تسوية في الشرق الأوسط، الذي يتم رفعه مرة تلو الاخرى على خلفية فظائع داعش، والذي يقول بأنه لا يوجد ما نتحدث عنه بشأن تسوية حقيقية مع من ما شأنه أن ينبت من داخله وحشا كهذا.
ورغم ذلك، يجب علينا الأمل بأن هؤلاء العنصريين من بين الإسرائيليين الذين يفرحون دائما برؤية العرب وهم يذبحون بعضهم البعض، يمكنهم الفهم بأن سيطرة “الدولة الإسلامية” على فضاء الشرق الأوسط كانت ستنزل على المنطقة كارثة إنسانية ثقيلة جدا، التي على المدى البعيد كانت ستؤثر بشكل سيئ أيضا على مستقبل اسرائيل.
ومقابل التهديد الاستراتيجي الذي وضعه داعش في العقد الماضي في قلب بلاد الهلال الخصيب، ساهمت إيران بشكل لا بأس به في وقف تدهور المنطقة كلها الى هاوية حقيقية من الابادة الجماعية الشديدة. وربما حتى بمستوى يقترب من الفظائع التي حلت بأوروبا المتنورة والمتحضرة في منتصف القرن السابق – التي كانت ستسود في المنطقة عند اقامة خلافة داعش في العراق وسورية. والاعتراف بهذه الحقيقة لا يوجد فيه ما يقلل من ابعاد تهديد إيران لاسرائيل، مثلما أنه لا يوجد فيه ما يطمس التأثيرات السلبية والضارة لتدخل إيران العسكري في الشرق الاوسط، أو الطابع المتعصب والديكتاتوري لنظام آيات الله. ولكن بالذات من اجل التعامل مع التهديد الإيراني بصورة منطقية، متزنة ومدروسة، من الأفضل لإسرائيل أن ترى واقع وسياق النشاط الإيراني في المنطقة بكامل تركيبته.