عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Apr-2021

العمر الطويل أيها الوطن..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

من النادر أن يكون المرء شاهدا على المئوية الأولى من عمر بلده. لكن أجيال الأردنيين الأحياء من مختلف الأعمار ولدوا وكبروا مع الأردن الحديث الفتي يدا بيد. رأوه وهو ينمو ويتكون. وشاركوا في تشييد كل مبنى ورصيف وشارع ومدرسة وجامعة وزرعوا كل شجرة. ورأوا مؤسساته وهي تنشأ وتؤثث، وبدأوا فيها عمل اليوم الأول.
سوف يتذكر الكثيرون كيف أرسيت البنى التحتية الأساسية من كل نوع؛ كيف تحولت الشوارع الضيقة أو الترابية إلى أوتوسترادات؛ وماذا كان هنا قبل هذا الحي أو هذه البناية أو هذا السوق، وكيف بني هذا الجسر، وكيف التحقت الضواحي التي كانت ترى قصية بقلب المدن؛ وكيف نشأت المدنية وترسخت مع أول مصباح كهربائي أضيء، ثم امتد الضوء حوله مثل شعاعات الشمس، حتى ساد النور.
 
* *
مثل كل كائن ينشأ ويكبُر، تكون السنوات الأولى من عمر الأوطان –والمائة رمشة عين في عمر الأمم- سني تكوين، تتشكل فيها الهوية والملامح والشخصية، وتُصنع الأشياء كلها للمرة الأولى وتتكون الخبرة بالتجريب والتعلم. وكلما تنوعت الاختبارات وخرج منها البلد ناجيا، أصبح أكثر صلابة، ونضجا، وحكمة.
السنوات المائة من عمر الأردن يعرف معظمنا تفاصيلها معرفتهم أنفسهم لأنها حياتهم هم؛ بعضهم عاش ثلاثة أرباعها أو نصفها أو أي سنوات منها كيوميات. كلنا شاهدو عيان على النجاحات والإخفاقات، ومتفاعلون مباشرون مع كل لحظة من تاريخ البلد. ولذلك، سيكون سرد تفاصيل هذه السنوات المائة –كتاريخ- شأنا يخص التوثيق لأجيال المئويات القادمة.
ما يعني الحاضرين في هذا المنعطف على رأس قرن، هو التطلع قدما بيقين الذي شحذت شخصيته خبرة السفر والطريق بحيث أصبحت مواصلة المسير أسهل ومفاجآته أقل. وينبغي أن تكون الخيارات أكثر وضوحا، وأولها أن الكدح من أجل وطن أقرب إلى الاكتمال للأبناء ليس له بديل. الأوطان لا تُخلع مثل قميص قديم.
* *
في إحدى الروايات، يسأل قائد كتيبة في الجبهة جنوده: ما الوطن؟ البعض يستدعون العبارات الإنشائية الطنانة، وآخرون يذكرون أشياء أكثر بساطة. ثم يختصر القائد الإجابة في كلمة وحيدة: الوطن هو أنت. ببساطة، إذا مات، أو انهزم، أو فقد إرادة العمل والحياة الجندي في الجبهة، والآخرون الذين يديمون الحياة في المصنع والمزرعة والمدرسة والمؤسسة والمتجر ويشيعون الحياة، فلن يكون هناك وطن ولا شيء.
لذلك، إذا أراد أحد أن يتفقد أحوال الوطن ويصفها بلا إنشاء، فليتفقد أحواله فحسب. والمناسبات فرصة للتوقف والنظر في المكان الذي يقف فيه المرء. وفي التوقف يقول المرء لنفسه: أصبت هنا وأخطأت هناك. سأحتفظ بهذا وأغير ذاك. وعندما تكون المناسبة كبيرة وجليلة مثل مئوية وطن، سوف تعرف هذه اللحظة ملامح الطريق، والحياة نفسها، للحاضرين والقادمين إلى آخر الزمان.
الإجابات عن سؤال الأحوال هي خريطة الطريق التي يبدأ على أساسها العمل بطريقة مختلفة في اليوم الأول من المئوية الثانية. وفي حالة الأوطان الفتية المتطلعة إلى حياة طويلة معافاة، لا يكون الأوان قد فات على شيء ولا غادرت أي قطارات بلا عودة. فيها، لم تصبح الأشياء قاسية وعنيدة وعميقة بعد بحيث تستعصي على التغيير، مثل عقل عجوز.
* *
التحديث. لن يصمد الناس والأوطان بلا مواكبة لتطور العالم، ماديا وفكريا، وإذا تُركت البنى والمؤسسات والعقول راكدة لتبلى. المواطنة المتساوية، حيث العدالة والفرصة والمكانة المتساوية وفق حكم القانون الذي لا يستبعد مواطنا. والمشاركة، على أساس الحصة للجميع في الغنم والغرم، وحيث يكون للمواطن رأي في القرارات بشأن حاضره ومستقبله.
الأمان الشخصي والاجتماعي، حيث التعليم والرعاية الصحية والعمل وحماية الممتلكات مضمونة للجميع بنفس المقدار. الجدارة، حيث المؤهلات المناسبة للمهمة هي المتطلب الوحيد لشغل الأردني أي وظيفة أو منصب، وحيث لا محسوبيات ولا واسطات ولا حصص وتقسيمات. التخطيط الواعي المستنير، لاستثمار الطاقات والإمكانيات والتحول إلى مجمتع إنتاج بمشاركة الجميع وللجميع من دون استئثار قلة بالثروة والسلطة والامتيازات وإحباط الكثرة وإفقادهم الحس بالجدوى. والثقة كمتطلب أساسي لكل نجاح، وكشبكة تجمع كل من يعيش على هذه الأرض في نسيج متماسك واحد، وصولا إلى أن يجيب كل أردني: أنا سعيد، بخير، وأحوالي؟ تمام التمام!