البرامج الحزبية.. واقعية أم محكومة بالخيال؟
الغد-جهاد المنسي
على بعد أسبوع من الصمت الانتخابي، الذي يسبق الذهاب إلى صناديق الاقتراع في العاشر من أيلول (سبتمبر) الحالي بـ12 ساعة، يمكن تلمس مدى التباين في البرامج الانتخابية بين السواد الأكبر من الأحزاب السياسية التي أعلنت نيتها خوض الانتخابات من خلال قوائم على مستوى الوطن، وعددها 36 من أصل 38 حزبا.
ومن البديهي أن سائر القوائم الحزبية توافقت على كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني كما هي العادة في كل الانتخابات السابقة.
أما القضايا الأخرى فحضرت في بعض البرامج بشكل تفصيلي، فيما غابت قضايا عن برامج نظيرة، ولعل أبرزها قضية التعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وتوجيه الجهود نحو اقتصاد وطني منتج.
والأمر ذاته ينطبق على الحديث عن استثمار الثروات الطبيعية الكبيرة، وتعديل التشريعات الناظمة للحياة الاقتصادية، وعلى رأسها قانونا ضريبة الدخل والمبيعات، وتطبيق مبدأ العدالة بين المواطنين، وإيجاد بيئة تشريعية وقوانين تحول دون وقوع الفساد بكل أشكاله، ومحاسبة كل من يعتدي على المال العام، وتطبيق القانون بالتساوي بين المواطنين، ورفع مخصصات وزارتي التعليم والصحة في الموازنة العامة.
كما حضرت قضية التأمين الصحي المجاني كحق دستوري، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوسيع المشاريع الإنتاجية لمواجهة البطالة بين صفوف الشباب، وتعديل قانون العمل لحماية العمال من الفصل التعسفي، وسنّ قانون خاص للنقابات العمالية يطلق حرية التنظيم النقابي ويصون حقوق العمال، وتحقيق المساواة والعدالة بين المواطنين رجالاً ونساء حسبما نص عليه الدستور، بحيث تشمل الحقوق الأساسية وعلى رأسها: التعليم والرعاية الصحية والعمل، وتوفير كل الشروط اللازمة لانخراط الشباب في الحياة السياسية والعامة بما في ذلك الانتساب للأحزاب السياسية.
أيضا، كانت ثمة مطالبات بتوجيه الاهتمام نحو الثقافة الوطنية والإنسانية للأجيال الصاعدة، ونشر المؤسسات الثقافية والرياضية والتدريب المهني، ومؤسسات البحث العلمي في جميع محافظات المملكة، فضلا عن تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وعلى أساس المساواة في الحقوق دون تمييز، خصوصا حق تلقي الرعاية الصحية والعمل في منشآت القطاع العام، ودعم القطاع الزراعي، وإعفاء المزارعين من عبء الديون وفوائدها، وتقديم قروض ميسرة لهم.
ويعتقد مراقبون أن البرامج الحزبية التي تم الإعلان عن بعضها كان مدروسا، وقدم حلولا واقعية لقضايا البلاد الضاغطة، فيما اكتفت برامج ثانية بالتأشير على المشكلة دون الخوض في تفاصيلها.
ويرى فريق آخر أن الأحزاب لا تزال عاجزة أو عن إيصال الرسائل للناخبين، داعين إياها للتواصل مع الجماهير عبر جميع أدوات التواصل السياسي، لتشكيل ثقافة البرنامج الحزبي لديهم، خاصة أن الناخبين لا يزالون غير جاهزين للتعاطي مع البرامج الحزبية والانتخابية، ويعتقدون أن على الأحزاب التخفيف من وعودها في برامجها الانتخابية، ذلك أن المشروع السياسي ما زال حديثا، ولا يمكن تنفيذ كل ما تعد به، وفق المحلل السياسي هايل الدعجة.
ويتابع الدعجة بالقول إن البرامج الانتخابية "مطولة وكثيرة، ولا يمكن معرفة إن كان جمهور الناخبين تمكنوا من الاطلاع عليها أم لا، إذ ستحكم تلك البرامج العلاقة بين الناخبين والمترشحين (النواب اللاحقين).
ويرى أن على الأحزاب أن تكون "واقعية، وأن لا تصل مع الناخبين إلى لحظة اغتراب عن الواقع، وطرح حلول منطقية يمكن التعامل معها وليس حلولا مرّيخية، وأن معالجة قضايا ضاغطة تتطلب رؤية واضحة حتى لا يقع الحزب في المحظور لاحقا، وينظر اليه باعتباره يصرف كلاما دون تطبيق".
ويقول الدعجة إن الاحزاب بدأت تعرف يقينا أن الرؤية المستقبلية للإصلاح في الأردن ستصبح جزءا من الحياة السياسية في البلاد، وأن المؤشرات تفيد بأن التمثيل الحزبي سيغلب على شكل مجلس النواب، ويرتفع تدريجيا في مجالس مقبلة، ومن هنا فإن على الأحزاب أن تحرص على تقديم معالجات منطقية واقعية حتى لا تخسر مصداقيتها أمام جمهور الناخبين.
بدوره، يرى الدكتور أمجد آل خطاب أن بعض الأحزاب تستسهل تقديم الوعود السياسية في برامجها لسهولة ترجمتها على شكل مواقف سياسية تحت القبة، فيما تغيب الوعود بحلول اقتصادية، وخدمية وإنمائية.
كما يرى آل خطاب أن بعض الأحزاب نجحت في التصالح مع المواطنين، وكسر عقدة الخوف من الانتماء الحزبي، الذي أثر بشكل كبير على الناس قبيل تأليف الأحزاب، داعيا للاستثمار في ذلك، وعدم خلق فجوة بين الوعود والتطبيق.
أما التباين البرامجي بين الأحزاب التي أعلنت نيتها خوض الانتخابات فيظهر أيضا في يافطات وشعارات مرشحيها، ففي الوقت الذي تبرز فقرات على يافطات وإعلانات لقوائم حزبية تتحدث عن قضايا عميقة، نرى شعارات أخرى تكتفي بإطلاق الوعود، ويمكن تلمس ذلك من خلال رصد إعلانات القوائم على الإذاعات او مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا تزال نصف القوائم تقريبا تتأنى في إعلان تفاصيل برامجها الانتخابية للمستقبل، بيد أنه يمكن رصد أن أحزابا أخرى حرصت على وضع خطة شاملة، وبرامج تتضمن حلولا، في حين تكتفي أحزاب بتشخيص الواقع دون حلول، ومنها ما يتحدث عن المشكلة والحل وفق وجهة نظره، مثل قضايا المديونية والفقر والبطالة والتعليم والصحة والجامعات، والقطاع العام والخاص والزراعة، والأطراف، والتنمية المستدامة وغيرها.
وفي هذا الصدد، يرى مدير مركز راصد عامر بني عامر أن هناك تباينا بين مجموعة البرامج الحزبية المطروحة على الرأي العام، مشيرا إلى أن بعضها مدروس وينطوي على بعض المؤشرات الواقعية والدراسات المقبولة، فيما تبتعد أحزاب أخرى في برامجها عن الواقع وتقدم صورة إنشائية إلى حد ما، في حين لم تقدم بعض الأحزاب حتى الحد الأدنى من فكرة البرامج.