الدستور
صحيح، ليس كل ما يُعرف يُقال، ولا كل ما يدور من نقاشات، أو يُتخذ من قرارات، داخل الغرف المغلقة، يستوجب النشر، صحيح، أيضاً، لدى الأردنيين ثقة بالدولة وبما تفكر به من خيارات، وبما تفعله إذا جدّ الجدّ وقت الأزمات، لكن من حق الأردنيين أن يجدوا من يتحدث معهم بصراحة ومسؤولية، ومن يضعهم في صورة ما يحدث حولهم ويستهدفهم، ليس فقط من أجل أن يطمئنوا أو يستعدوا، وإنما من أجل بناء جبهة أردنية صلبة مسلحة بالوعي، وقادرة على مواجهة أي خطر، وعصية على أي اختراق.
سؤال من يتحدث مع الأردنيين يفتح «دمامل» كثيرة، ويستدعي عمليات جراحية عميقة وعاجلة، لا أريد أن أُقلّب المواجع في مثل هذا التوقيت الذي يمر فيه بلدنا بأصعب المراحل، أريد أن استنهض همّة كل مسؤول، حالي أو سابق، كل من يمثلون الوجاهة السياسية أو الاجتماعية، لكي يتحركوا ويقولوا كلمتهم بكل أمانة ومسؤولية؛ كان لدي أمل أن تنهض بهذه المهمة الوطنية أحزابنا التي انفقنا عليها الملايين، وعبّدنا لها طريق الوصول الى البرلمان، لكن -للأسف - خيّبت آمالنا، كما سبق أن أطلقت نداءات لرجالات الدولة الذين ما زالوا صامتين لكي يقولوا كلمة خير، او يسجلوا موقفاً تتذكره الأجيال القادمة باعتزاز، لكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي.
ليس كل من يتحدث مع الأردنيين يمكن أن يقنعهم، أو يحظى بثقتهم، أو يمثل ضميرهم العام، ليس كل ما نسمعه على الفضاء العام يعبر عن الدولة الأردنية، أو يستند إلى معلومات أو قراءات صحيحة، معظم النقاشات العامة التي نتابعها ونشهدها تدخل في باب التكهنات والمجاملات، أو توزيع الشماتات، تصوروا (!) بعض من خرج من داخل أروقة ادارات الدولة لا يتورع عن مقايضتها لكي يتطهر شعبياً، تصوروا (!) استنفار الأردنيين في كورونا كان أكبر من استنفارهم الآن، وكأن ما يحدث حولنا على كل جبهاتنا وحدودنا لا يستدعي حالة استنفار سياسية وشعبية عامة.
أعرف، تماماً، حرص الدولة على حالة الاستقرار والحفاظ على سيرورة الحياة العامة، أعرف، أيضاً، ثمة من يصطاد في المياه العكرة، وينصب الفزاعات لإرباكنا وتخويفنا من القادم، أو إغراقنا في لعبة تبادل الاتهامات وتراشق المسؤولية عن الأخطاء والتقصير، أعرف، ثالثاً، أن معادلة الجهوزية والاستعداد من جهة، والمكاشفة وتهيئة الأردنيين لأي مستجدات قادمة من جهة أخرى، تحتاج إلى حكمة وعقلانية وتوازن، لكن كل هذا لا يبرر، أبداً، أن نصمت أو نغلق لواقطنا، وإنما يستدعي فتح قنوات الاتصال بين الدولة والمجتمع، بين المسؤولين والإعلام، بين من يملك المعلومة ومن يقع عليه واجب إيصالها للأردنيين، بعيداً عن المبالغات وإثارة العواطف، وبما يخدم مصالح الدولة ويعبر عنها بدقة وإخلاص.
نحتاج، اليوم، لمن يتحدث مع الأردنيين ويكسر حالة الصمت والانتظار والتردد، لمن يتحرر من ثنائية (المغانم والمغارم) ويضع مصالح الدولة العليا أولوية فوق كل اعتبار، لمن يجتهد في الرأي والنصيحة ولا يردد المقولات الجاهزة، او يُزيّن الوقائع ويُهوّن المخاطر، نحتاج لرجالات يلتفون حول الدولة وينطقون باسمها، ويكونون أوفياء لمبادئها ومصالحها، نحتاج لمن يقول للأردنيين : نحن معكم وقبلكم من أجل الدفاع عن الأردن وحمايته، لا لمن يستعرض بطولاته، أو يجهز حقائبه، أو ينتظر مكافأة نهاية الخدمة، نحتاج لمن يُذكّرنا ( فعلاً ) بالرجال الأوائل من قاماتنا الوطنية الذين صدقوا الله والوطن، والعرش والشعب، وما بدلوا تبديلاً.