عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Oct-2019

وزير قطري: استخدام الفن والثقافة خطيئة كبرى اقترفتها دول الحصار
 
حوار/ عماد مراد - أكد وزير الدولة القطري المرشح السابق لمنصب رئاسة اليونسكو الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، أن قطر تخطت جميع تأثيرات الحصار من الناحية الاقتصادية والسياسية، ولكن ما لا يستطيع أحد أن يتخطاه هو تأثير الحصار على الناحية القيمية في المنطقة التي تعد أسوأ التأثيرات على المواطن الخليجي.
وشدد الوزير القطري -في حوار خاص مع الجزيرة نت- على أن دول الحصار قامت بالعديد من المؤامرات لمنع المرشح العربي من الوصول إلى رئاسة المنظمة الدولية لحساب مرشحة فرنسا، مشيرا إلى أن قرار إعادة ترشيحه مرة أخرى ليس في يده، فيما لو رأت قطر أن الظرف الآن مناسب لإعادة الترشح فإنه بالطبع لن يتردد.
 
وأضاف الكواري أن استخدام الفن والثقافة في الأمور السياسية هي خطيئة كبرى اقترفتها دول الحصار منذ بداية الأزمة وحتى الآن، مشددا على أن قطر لا تجاري تلك الدول بل تسير في اتجاه دعم الثقافة العربية من بوابة العديد من الفعاليات التي تهدف إلى تنمية الثقافة العربية، كجائزة الشيخ حمد بن خليفة للترجمة وجائزة الرواية العربية وجائزة كتارا لشاعر الرسول، وبالنظر إلى جنسيات الفائزين في تلك الجوائز ترى أن قطر لا تدخل الشعوب العربية في الأزمات السياسية.
 
الوزير الكواري أصدر مؤخرا كتابا عن تجربة ترشيحه لليونسكو تحت اسم "وظلم ذوي القربى"، يلخص فيه تجربته خلال تلك الفترة منذ بدء الحملة الانتخابية وحتى نهاية عملية التصويت.
 
وإليكم نص الحوار:
 
- ما سبب اختيار هذا العنوان للكتاب؟
 
لدي عدة كتب وأصعب شيء في الكتاب العنوان، لذلك أنا دائما أترك عنوان الكتاب إلى آخر لحظة، فعنوان الكتاب يجب أن تكون له دلالة على محتوى الكتاب كله ويكون أيضا مشجعا للقراءة.
 
وفي كتاب "وظلم ذوي القربى" فكرت كثيرا في العنوان، ولكن بالشرح تجد أن من نجح في انتخابات اليونسكو سيدة فرنسية، لكنها لما نجحت، نجحت بعمل دول الحصار، فهو ظلم ليس لي بل للثقافة العربية.
 
وهذه هي أول مرة في تاريخ انتخابات اليونسكو يحصل فيها شخص على المركز الأول في الدورات الأربع الأولى أمام منافسة أكبر دول العالم، فرنسا والصين وفيتنام ومصر، فجاءت دول الحصار التي كانت تتصور أن حمد الكواري لن يحقق شيئا في الانتخابات، وكانوا ينظرون نظرة علوية، فعندما جاءت نتيجة الدورة الأولى وإذا بي أحصل على 50% من الأصوات، فصعقوا وبدأت الحملة الشرسة من ذوي القربى.
 
أما الناحية الثانية فعندما ننظر إلى نتيجة الانتخابات نجدها انتصارا كبيرا لقطر في هذه الانتخابات، رغم المؤامرات الكبيرة التي حيكت ضد مرشحها، فالفائزة حسمت نتيجتها أمام مرشح قطر بفارق صوت واحد وبعد خمس جولات تصويت.
 
وهنا علينا النظر كم صوتا عربيا أجبر على عدم وصول المرشح العربي إلى رئاسة اليونسكو؟ لبنان أجبر في الجولة الأخيرة على التصويت ضد المرشح العربي، كما أن صوت السودان والمغرب ومصر أيضا لم يكن مع المرشح القطري، إذن هذا هو ظلم ذوي القربى وأنا سعيد بهذا الاسم لأنه ملخص للكتاب كله.
 
- خصصتَ فصلا في الكتاب ليومياتك في اليونسكو، ما الموقف أو الجملة التي لن تنساها؟
 
بالفعل حرصت على سرد بعض اليوميات في الكتاب لأنها عنصر جذب للقارئ، ورغم وجود عشرات القصص التي ستظل عالقة في ذهني فإن هناك كلمات لها دلالة حدثت أثناء الانتخابات.
 
فقبل انتخابات الجولة الأخيرة بيوم كان بصحبتي وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء، فنصحته بالاجتماع مع نائبة سفير بنغلاديش التي تقوم بالتصويت في الانتخابات.
 
جاءت نائبة السفير فقال لها وزير الخارجية شكرا لدعمكم لمرشحنا في الجولات الأربع الأولى ونريد دعمكم في الخامسة، قالت أنا عندي تعليمات من بلدي لأصوت لقطر في الانتخابات، ولكن لو أعطيت تعليمات بأن أصوّت لغير مرشح قطر فسأقطع يدي قبل أن أصوت، لأني أعرف أن قطر تحب الفقراء، وأنها إن وصلت على رأس اليونسكو فستخدم الفقراء.
 
وفي زيارة أخرى إلى أفريقيا قبل بدء الانتخابات، تلقيت اتصالا بأن رئيس زامبيا إدغار لونغو طلب الاجتماع معي، ورغم أن زامبيا ليس لها صوت في الانتخابات فإننا قررنا الذهاب إلى هناك، وعندما التقينا بالرئيس قال لي أنتم الآن محاصرون ولكن لدي رسالة، أنا أعلم أن من أسباب الحصار هي قناة الجزيرة الفضائية، ولكن أقول لك لماذا لا يقاطعون بريطانيا وفيها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)؟ لا تسمعوا لهم فالجزيرة فخر لكم في قطر، ونحن في أفريقيا نهتم بمشاهدة نسختها الإنجليزية وندعوكم إلى عدم الاستجابة لمطالبهم وإغلاق الجزيرة.
 
- بدأت حملتك الانتخابية قبل ثلاثة أعوام من الانتخابات، متى جاءت فكرة الترشح لليونسكو؟
 
جاءت فكرة الترشح إلى اليونسكو بعد انتهاء رئاستي للمؤتمر الثالث عشر لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، وانتخابي بعدها رئيسا للمنظمة لمدة عام.
 
وبعد الردود الإيجابية التي جاءت بسبب رئاستي للأونكتاد، وجهني سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بأن أفكر في الترشح لرئاسة منظمة دولية، فأجبت بأن اليونسكو تتفق مع خبراتي وعملت فيها مندوبا، وعشت في باريس وأعرف مهام المنظمة بالكامل، فرد بالموافقة على ذلك ولكن كانت الفترة قليلة لانتخابات 2014، لذلك قررت تأجيل الأمر إلى الانتخابات التالية حتى يتم الاستعداد بشكل جيد.
 
- قدمت الفصل الأخير وجعلته في بداية الكتاب. ما دلالة ذلك؟
 
كثير من القراء يكتفون بقراءة الصفحات الأولى من الكتب دون إكمالها، لذلك رأيت أن هؤلاء القراء المتسرعين لو وضعت مقدمة تقليدية فسيقرؤنها ويكتفون بذلك، فرأيت أن تكون الخاتمة في البداية.
 
وقد عملت نوعا من التلخيص للكتاب في الصفحات الثلاث الأولى، بحيث أن من لم يقرأ إلا العنوان والصفحات الثلاث هذه، يكون كأنه قرأ الكتاب كاملا، وهذه كانت فكرتي في تقديم خاتمة الكتاب.
 
- هل يمكن تكرار تجربة الترشح لليونسكو مرة أخرى؟
 
ضمن الظروف الراهنة الوضع صعب جدا، لكن الأمر ليس بيدي فالأوضاع السياسية يجب أن توضع في الاعتبار، وأنا في النهاية جندي، إذا قررت قطر أي شيء فأنا بالطبع لن أتردد، رغم أننا حققنا نتيجة من الصعب جدا تحقيقها مرة أخرى لأننا حققنا نجاحا كبيرا، ورغم الحصار وما مورس من أساليب وحرب ضد قطر ومرشحها فإننا خرجنا مرفوعي الرأس.
 
- حصلت على تعاطف شعبي عربي كبير، متى لمست هذا التعاطف؟
 
من اليوم الأول للترشيح وأنا أتلقى الدعم من المثقفين في كافة الدول العربية، وأكثر بلد كنت أتلقى منها الدعم كانت مصر، وهناك عشرات الاتصالات اليومية من مثقفين مصريين، بالطبع لن أكشف عنهم حتى لا يتعرضوا لمضايقات، ولكن الشاعر فاروق شوشة رحمه الله كان على اتصال دائم بي.
 
وكان شوشة يقول أتمنى أن يمد الله في عمري حتى أراك في رئاسة اليونسكو، وكان دائم الدعم لي، وهو أستاذ وأديب وشاعر له مكانته في مصر والعالم العربي، وكان لي داعمون من المغرب ولبنان، لذلك نتأكد أن الحكومات كانت في واد والشعوب في واد آخر.
 
- دول الحصار سخرت كل إمكانياتها لمنعك من الوصول إلى هذا المنصب، برأيك ما دافعها من وراء ذلك؟
 
دول الحصار أدركت أن وجود شخصية قطرية في رئاسة اليونسكو بالطبع سيكون له دور إيجابي كبير في هذه المنظمة ودورها في العالم، ومع استضافة قطر لكأس العالم 2022 سيكون ذلك نجاحا قطريا في كافة المستويات، لذلك عملوا على إفشال ترشحي لرئاسة اليونسكو.
 
أنا قلت في النقاش الذي شاهده ثلاثة ملايين شخص حول العالم إن دوري لن يكون سلبيا ولم أسع لوظيفة، فأنا منذ نعومة أظفاري وأنا سفير ووزير، ولكني جئت إلى هنا لأخدم المنظمة، فدول الحصار كانت تدرك أن من سيأتي سيخدم، وبالتالي فهي لا تريد لقطر -خاصة في ظل هذه الظروف السياسية- هذا المجد وهذه المكانة.
 
لو كانت مؤامرات هذه الدول موجهة لشخصي لما آلمتني، ولكن ما ألمني أن هذه المؤامرات موجهة لبلدي قطر، وخاصة أن هدفها قتل الفرحة، فهم لا يطيقون أن تفرح قطر.
 
- توليت منصب وزير الثقافة مرتين لفترة طويلة، كيف ترى الحياة الثقافية في قطر الآن؟
 
التنمية لا تتجزأ، والتنمية في قطر متكاملة، وأعتقد أن الثقافة هي الجانب الروحي من التنمية، وأي تنمية لا تهتم بالثقافة والتعليم ليست تنمية حقيقية بل ستنهار في وقت قصير، ولذلك عندما نتحدث عن الثقافة لا نتحدث عنها بشكل مفرد بل نتحدث عن التعليم أيضا.
 
وفي قطر مؤسسات ثقافية عدة تتضافر لأداء دور قطر، لذلك نرى الحي الثقافي كتارا الذي أسميه رئة الثقافة بنشاطاته المتنوعة، وأيضا وزارة الثقافة ودورها الكبيرة، ومتاحف قطر، والظاهرة الوحيدة في العالم وهي مؤسسة قطر التي تجمع داخلها تسع جامعات في مجمع واحد، فهي أيضا ظاهرة ثقافية كبيرة تضم جميع جنسيات العالم. باختصار الثقافة في قطر في وضع ممتاز للغاية، وأنا سعيد جدا بما تتبوؤه قطر من مكانة في هذا الإطار.
 
هناك إنجازات كثيرة في قطر، ولكن أهم إنجاز من وجهة نظري هو أن قطر الأولى في التعليم في العالم العربي، فهذا الإنجاز هو الأكبر لأنه الركيزة لأي تنمية حقيقية.
 
- فرض الحصار على بلدك منذ 5 يونيو/حزيران 2017، هل حقق هذا الحصار أي من أهداف المحاصرين؟
 
لا شك أن الحصار ظاهرة مؤلمة جدا وخاصة أنه ظلم من ذوي القربى، والحصار فاجأ الجميع، وأنا كنت أحد ضحاياه، ففي يوم الحصار استيقظت على هذه الأخبار، وكان الانطباع الأول أنه خلاف بين إخوة ولن يستمر كثيرا، كنت أعتقد أنه سيزول وإذا بالأمور تتصاعد بشكل كبير.
 
ونفهم تأثير الحصار من الجانب الاقتصادي والسياسي، ولكن ما لا نستطيع استيعابه هو تأثيره على الناحية القيمية في المنطقة، وذلك هو أسوأ نتائج الحصار؛ ولكنه تحول في قطر إلى استقلال جديد، فما تتبوؤه قطر الآن من مكانة دولية واستقلالية دليل على فشل أهداف المحاصرين.
 
فقطر تعلمت اقتصاديا واجتماعيا، وتوسعت دائرة معارفها فهي لا تتجاهل أيا من الدول بما فيها الفقيرة، فهي مؤثرة عند اجتماعها، لذلك تجد أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يركز الآن على دول أميركا اللاتينية ودول الكاريبي والدول الأفريقية بشكل كبير.
 
كنت أتصور أن الحصار لن يصل بالتضحية بأمور إستراتيجية ومن ضمنها هذه العلاقات الاجتماعية الوثيقة بين أبناء الخليج العربي، فالخليج أسرة واحدة، لكن الأسر الآن تشتت فقد خلقوا وضعا اجتماعيا ما كنا نعرفه حتى عندما نختلف مع بعضنا بعضا.
 
أما بالنسبة لقطر فخرجت منتصرة من هذا الحصار وعززت اقتصادها، وهي تعزز أواصرها مع العالم الخارجي باستمرار.
 
- أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يقوم بجهود كبيرة لحل الأزمة الخليجية، كيف ترى هذه الجهود الكويتية؟
 
ليس لدي شك إطلاقا في إخلاص الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ورغبته في تسوية هذا الخلاف، وكنت على يقين منذ اليوم الأول للحصار أن الدول الأربع لو كانت تفكر بمبدأ الحكمة التقليدية لكانت الأمور قد انتهت على الفور، لكن تبين أن هناك قرارا بعدم حلّ هذه المشكلة، واليوم لا يتذكر أحد الشروط الثلاثة عشر التي أعلنت عنها دول الحصار لحل الأزمة، لأن هذه الشروط غير معقولة.
 
- كيف تنظرون إلى مطالب دول الحصار لحل الأزمة، وهل ما زالت على الطاولة؟
 
لا أعرف ما المطالب، لكن القراءة المتأنية تشير إلى أنه لو توفرت الإرادة السياسية -بمعنى نية الحل- لأمكن حل المشكلة، وهذه النية غير متوفرة، وأنت لا تستطيع حل أي مشكلة إلا عندما تتوافر النية للحل أو حوار بين الطرفين.
 
أزمتنا في العالم العربي أننا لا نحاور بعضنا بعضا بل نستعدي بعضنا بعضا، وعادة الذي لا يجلس للحوار هو من ليس لديه ما يقوله فيه. عندما نختلف لا بد أن نتحاور، ولكن عندما تقول ليس علينا أن نجلس فهذا يعني أنك ليس لديك ما تقوله ولست على استعداد لأن تناقش القضية.
 
هم تخطوا كل المعقول، واستعملوا الفن والثقافة ضد دولة شقيقة في التحريض على الناس، ووصلت بهم الأمور إلى إبلاغ دور النشر أنها لن تشارك في معارض الكتاب في الدول الأربع، لو شاركت في معرض قطر.
 
- كيف تقيم دور قطر في دعم الثقافة العربية؟
 
هناك العديد من الفعاليات الثقافية في قطر والتي تدعم الثقافة العربية بشكل عام، على رأسها جائزة حمد بن خليفة للترجمة والتعاون الدولي التي تعد من أهم الجوائز، فإن من أسباب نهضة الحضارة العربية وقوتها اعتمادها على الترجمة بوجهيها، من العربية إلى العالم ومن العالم إلى العربية.
 
كما أن جائزة كتارا لشاعر الرسول تعتبر رسالة ثقافية دينية سامية تحث الناس على القيم، وترفع من قيمة اللغة بحيث تسمو لتكون في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وليس في مدح الحاكم هذا أو ذاك؛ فضلا عن جائزة الرواية العربية والعديد العديد من الفعاليات الأخرى التي تشمل الثقافة العربية بشكل عام.
 
- دول الحصار استخدمت الفن والثقافة في أزمتها مع قطر، فهل استخدمتم أنتم أيضا هذه المجالات؟
 
على الإطلاق، قطر لم تدخل الشعوب في الأزمة بل على العكس تماما، لا نعاملهم بالمثل. نحن ننتقد رداءة هذا الخطاب والوصول إلى الحضيض في اللغة السياسية، فضلا عن حملات التحريض والخوض في الأعراض.
 
خلال انتخابات اليونسكو قام أحد الإعلاميين المصريين بعرض صورتي على الشاشة، وقال "هل هذا شكله عربي"، حتى عروبتي يحاول أن يشكك فيها، وبعدها يقول إن آل الكواري جميعهم إرهابيون وهذا زعيم الإرهابيين، وإن زوجته أخت زوجة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن! هم تجاوزوا كل الأعراف والقيم، ولكن نحن في قطر لا نجاريهم في تلك البذاءات، وكلما هبطوا نحن نسمو بخطابنا.
 
المصدر : الجزيرة