عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jul-2025

مستقبل المليشيات؟*احمد ذيبان

 الراي 

ثمة حدث يمكن وصفه بالتاريخي، يتعلق برضوخ حزب العمال الكردستاني التركي لمعطيات الواقع الجديد، والتسليم بالحقائق على الأرض، بعد نحو أربعة عقود من الكفاح المسلح الذي مارسه الحزب ضد الدولة التركية، واعترف عمليا بحقيقة فشل هذا النهج، وأن مشروع اقامة دولة كردية غير ممكن، وأعلن رئيسه عبدالله اوجلان قبوله بالدخول في عملية سلام مع الحكومة التركية.
 
وكانت أولى الخطوات في تنفيذ هذا الاتفاق، قيام مسلحي الحزب بحرق أسلحتهم في خطوة وصفت بالرمزية، في منطقة جبلية قرب مدينة السليمانية في كردستان العراق، وكانت مشاهد عملية حرق أسلحتهم مثيرة للاهتمام، وتبدو وكأنها تجرع "كأس السم" وتعكس مرارة الشعور بالهزيمة!
 
ولم تكن هذه العملية لتحدث لولا ادراك أوجلان للمستجدات الاقليمية، وأن الاستمرار بنهج الكفاح المسلح يعني سفك المزيد من الدماء بلا نتيجة.
 
وهذا انجاز يسجل للرئيس التركي أردوغان.. وأظن أن هذه العملية ستنعكس اوتوماتيكيا على أكراد سوريا، بقيادة قوات سوريا الديمقراطية التي يرمز لها اختصارا ب( قسد).
 
وهنا لا بد من الاشارة الى مركزية الدور الاميركي في هذه القضية، ذلك أن واشنطن هي الراعي الأساسي لقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما أكده المبعوث الأميركي الى سوريا ولبنان توماس باراك "وهو من أصول لبنانية"، خلال زيارته الأخيرة الى سوريا ولقائه الرئيس احمد الشرع في نقد دبلوماسي مبطن، بقوله: "على (قسد) أن تقبل بفكرة سوريا موحدة "، مشيرًا إلى أنّ "دمشق أبدت حماسًا كبيرًا لضم قوات سوريا الديمقراطية إلى مؤسساتها، مشيرا الى أن "قسد" كانت بطيئة في القبول والتفاوض والمضي قدما مع دمشق"، وقال: "نصيحتي لقسد أن يسرعوا، فطريق المفاوضات يؤدي إلى دمشق.
 
وعقب ذلك عقد اجتماع في دمشق بين مسؤولين بالحكومة السورية ووفد من (قسد) والإدارة الذاتية الكردية في دمشق. وذلك يشير الى أن ثمة ضغوطا أميركية واضحة على "قسد"، ستفضي على الأرجح الى اندماج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة السورية، وثمة نموذج مركزي طازج أمام "قسد"، وهو تسليم حزب العمال الكدستاني التركي سلاحه، واعترافه بفشل الوصول الى دولة كردية!.
 
ولا شك أن هذه المعطيات تشكل جزءا من ترتيبات اقليمية أوسع، لكن تبقى العقبة المستعصية ضمن هذه الميليشيات، تتعلق بحزب الله اللبناني الذي رغم هزيمته العسكرية في حربه الأخيرة مع الكيان الصهيوني لا يزال يماطل ويرواغ ويفتعل الذرائع، بشأن تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، رغم تأكيد الدولة بمرجعياتها الأساسية، سواء كان من خلال خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية جوزيف عون، بعد انتخابه من قبل مجلس النواب، أو البيان الوزاري لحكومة نواف سلام وورد فيهما بوضوح احتكار الدولة للسلاح!.
 
وهنا لا بد من الاشارة الى زيارة المبعوث الرئاسي الاميركي، باراك الى بيروت للمرة الثانية خلال شهر، التي سبقت زيارته الى دمشق والتي كان موضوعها الأساس، المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، لكن الغريب أن رد الدولة اللبنانية المتمثل برئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء جاء ضبابيا، يعكس الفشل في اقناع حزب الله بنزع سلاحه، في الوقت الذي أعلن فيه أمين عام الحزب نعيم قاسم أن الحزب لن يتخلى عن سلاحه، لكن ذلك يعني اطلاق يد اسرائيل بمواصلة الاعتداءات والاغتيالات، التي تنفذها يوميا في لبنان وربما توسيع عملاتها العسكرية، لتصل الى حرب شاملة لتدمير ما تبقى من مقدرات الدولة اللبنانية، وخلاصة القول ان زيارة باراك الى بيروت، تحمل مضمونًا خطيرًا يتلخص: “غيّروا موقفكم أو ستدفعون الثمن"!.
 
وفي ضوء هذه المعطيات يطرح تساؤل مهم، ما هو مستقبل الميليشيات في المنطقة سواء كانت ذات طابع كردي بهدف اقامة دولة كردية وقد فشلت، أو تلك التي صنعها نظام الملالي الايراني، التي استثمرتها طهران سياسيا لخدمة أجندتها، تحت مسمى محور المقاومة أو ذلك الوصف الفكاهي، الذي اطلقه كاتب وصحفي لبناني "محور رز بحليب"! لا شك أن زمن الميليشيات الخارجة عن سلطات الدول انتهى، وما بقي منها يلفظ أنفاسه الأخيرة.
 
ويبقى السؤال الكبير: ما هو مستقبل نهج الكفاح المسلح في مختلف المناطق التي تشهد صراعات، وخاصة فيما يتعلق بقضية الفلسطيني التي يعاني شعبها، من الظلم والعدوان والاضطهاد في أبشع احتلال استيطاني عرفه التاريخ الحديث؟.