عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2021

من موسكو، عن دنف العروبة وسقامها*د. نضال القطامين

 عمون

أسوأ الدهشات في موسكو، هي أخبار العالم الثالث وقد اقتتلوا على البقايا، وتركوا للعالم الحر مهمة القيادة ومساحات الإختراع وقاموس الحريات.
 
ثمة حيرة وشده، هنا على ضفاف نهر موسكفا وهو يتهادى على أكتاف موسكو، حيرة من الدَنَف الذي دها العروبة ومن سقامها وقد أعيت البلسم والترياق، وشدهٍ حيال كل الأمم التي تكبوا في صراع الحياة ثم تنهض قوية، سوى أمتنا القابعة وسط أمواج الفتن وقد أطبق على نفقها الطويل ظلام أطول وأشد عتمة.
 
هنا في روسيا الإتحادية، يطرق التاريخ وجلا في مواجهة العراقة. تنضج تجارب العالم المتقدم وتثمر غراسها الباسقة وتطرح على شعوبها ظلالا وثمارا. ثمة تعددية دينية وسياسية وثمة نموذج للدول التي تسير وفق مصالح أبنائها، بعيدا عن صراع الحقوق ومأساة الحريات. لا فتن مفتعلة غطاءً لفتن، ولا حروب على المياه وقد تعاظمت في الأخبار أخطار الصراع على مياه النيل.
 
هنا في روسيا الإتحادية تجربة أينعت وجنى الناس استقراراً سياسيا، ظفروا في إطاره بتطور علمي وتقدم حضاري وعدالة اجتماعية، على الرغم من انتفاء التعددية السياسية، وقد ضمّ الإتحاد خمسة وثمانين كيانا إداريا تحت مظلة واحدة، مستقرة ومنتجة.
 
لن تأخذني دهشتي نحو تعظيم التجربة الروسية أو تفخيمها على ما لها من نجاحات واستقرار ومواقف مع الشعوب سابقة، لكنه الأسى وقد ذابت مبادىء العروبة في الإقليميات وصهرت نيران الإستعمار مبادىء الوحدة والإستقلال، ولم يعد لنا، سوى رؤية الناس يعيشون بحرية لا حدود لها سوى قانون صارم، ويمتهنون ما يرغبون، من زراعة وصناعة وتجارة، وقد تهيأت لهم الحقول والساحات والجامعات، مراكز تنوير ومشاعل حرية.
 
مؤسف أن العالم العربي دون العالم المتقدم حيث تنتفي التعددية السياسية وتقترب تجربته من المجتمع الأحادي حيث تتداخل السلطات وتبتعد عن جودة الأداء وعدالته وتبتعد الرقابة عنه، وفي المحصلة، معاناة دائمة تفرّخ كل انواع الحرمان والعنف والابتذال.
 
أطلق النظر من شرفات الفندق على ضفاف النهر، وأركض بقدمين كبّلهما التعب في الساحة الحمراء، كي أصنع لتعبي استرخاء في حديقة مكسيم غوركي وفي روايات دستويفسكي أحد الفلاسفة الذين قدمت رواياته للعالم فهماً عميقاً للنفس البشرية وتحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية، وأقرأ له، أن البؤس رذيلة وأن المجد لا يطعم خبزا، وما أسعد الذين لا يملكون شيئاً، يستحق أن يوصدوا عليه الأبواب بالأقفال، وقد فتحت لي عبارته الأخيرة بيت أبي تمام :
 
فاضَ اللِئامُ وَغاضَتِ الأَحسابُ..
وَاِجتُثَّتِ العَلياءُ وَالآدابُ..
 
هَب مَن لَهُ شَيءٌ يُريدُ حِجابَهُ.. ما بالُ لا شَيءٍ عَلَيهِ حِجابُ.
 
غير أن النفس ما تزال تتوق أن ترى أمة العرب في الحد الأدنى من هذا النعيم، وترنو ليوم نفخر فيه بالإنجاز والحضارة، وبحياة قويمة لا تقلقها لقمة الخبز، ولا ننظر لسلّم الأقوام فلا نرى أحد خلفنا.