الوجه الآخر للخلافات.. كيف يكون فرصة للفهم والنضج لا القطيعة؟
الغد-تغريد السعايدة
كثيرا ما نسمع مقولة: "كسب القلوب أولى من كسب العقول"، والتي يتفق عليها كثيرون بأن إنهاء جدال أو خصام أو خلاف، أفضل بكثير من كسب رهان موقف.
لكن لا يمكن أن تكون هناك أي علاقات متشعبة أو حتى فردية، إلا وكان وجود الخلافات جزءا لا يتجزأ منها، فطبيعة النفس البشرية تظهر دائما حدوث اختلاف، سواء في الآراء أو طرق التواصل، والقدرة على تحمل أخطاء الآخرين وتمريرها، أو الوقوف عندها وحدوث مشاكل ومشاحنات ربما تؤدي إلى "القطيعة والهجران".
استثمار نتائج الخلافات لترميم العلاقة
ولأن الخلافات تحدث في مختلف العلاقات، ينصح كثير من الخبراء بأن تكون هناك "مصالحة مع الواقع"، ومحاولة استثمار نتائج تلك الخلافات لتكون دافعا لترميم علاقة، أو بدء طريق جديد ونجاح جديد، أو حتى البحث عن آخرين قريبين من القلب والطبع والصفات، للحد من وجود تلك الخلافات وتأثيرها على النفس والعلاقات الاجتماعية.
وفي ذلك، كتبت إسلام تيمور تعبر عن رأيها بقولها ان "وجود اختلاف في الطباع ووجهات النظر، وحتى في طبيعة التعامل مع المشاكل، يجب ألا يصل إلى حد أن يخسر أحدهم محبة الآخر ويبتعد عنه، بل يجب أن تكون هناك طريقة تحمي تلك العلاقة، أو طريقة أخرى للوصول إلى حد التفاهم من خلال تقبل آراء الآخرين وإفساح المجال لهم للتعبير خلال فترة الخلافات، ومن ثم بناء علاقة جديدة متينة قائمة على الوضوح والصفاء".
في حين يعبر وائل وزان عن رأيه بوجود خلافات مع الآخرين، معتبرا إياها "علاقة إنسانية طبيعية"، فهذه الخلافات لا تقع مع أشخاص غرباء، وإنما مع أفراد يعيشون معنا في محيطنا، قريبين منا، سواء كانوا من العائلة أو في العمل أو الدراسة أو من مجتمع الأصدقاء.
بناء جسور المودة مجددا
لذلك، يرى وائل أنه يجب أن تكون هناك مرونة في التعامل مع تلك الخلافات، وهي الطريقة التي يحاول من خلالها استثمارها عبر معرفة الأمور التي تغضب الأصدقاء والمقربين ومحاولة تجنبها، أو بوضع اليد على بعض النقاط السلبية في تلك العلاقات، والتي تظهر من خلال الاختلافات، ومن ثم محاولة بناء جسور المودة مجددا.
من جهته، يقول الاستشاري الأسري والاجتماعي مفيد سرحان في حديثه لـ"الغد" من الصعب أن تخلو العلاقات مع الآخرين من الخلافات والمشكلات، والتي ترتبط في أذهاننا جميعاً بصورة سلبية، توحي بأجواء من التوتر والقلق، وسبب للمشكلات وتهديد العلاقات الأسرية والعائلية والاجتماعية مهما كانت قوية ومستقرة. ولهذا يسعى الكثير منا لتجنبها.
بيد أن سرحان يرى أن الخلافات تحدث بين الأشخاص بشكل طبيعي، وهي ليست دائماً سلبية، وهذا يعتمد على طبيعة الأشخاص والقدرة على إدارة الخلافات، التي تُعد أمرا واردا في حياة الناس سواء بين الزوجين أو بين أفراد الأسرة أو الاصدقاء والزملاء وداخل المجتمعات على اختلافها.
هل للمشكلات جوانب إيجابية؟
وعن أسباب تلك الخلافات، يقول سرحان، إنها تنشأ في الحياة الاجتماعية بين الناس لأسباب عديدة، قد تكون بسيطة، او بسبب سوء فهم او عدم قدرة على التعبير او بسبب سوء الظن، وتختلف درجتها وأثرها من شخص لآخر، وغالبا ما ينظر إلى سلبيات الخلافات وآثارها، ويتم إغفال ان للمشكلات جوانب إيجابية يمكن النظر اليها.
"الخلافات لا تكون سيّئة في كثير من الأحيان"، تقول وسن الحنيني، والتي كتبت أيضاً في رايها عن كيفية استثمار الخلافات في العلاقات الإجتماعية، أنها يمكن أن تكون بوابة جديدة للتعرف على الأشخاص، قد نكتشف معادنهم ونتجنب "السيئين منهم ونتقرب ونكسب ود الأنقياء فيهم"، على حد تعبيرها.
كما تعتقد وسن أن الخلافات، كما يُقال، ترتب موقع الأصدقاء والأسرة وفي قلوبنا، فهي فرصة لنعرف من يمد جسور المحبة لكسب الود وامتداد العلاقة المتبادلة، او من يبحث عن عمل بسيط لزرع بذور الخصام والقطع في العلاقات، ومن هنا علينا أن نكون قد سخرنا الخلافات لصالحنا وليس لتؤثر على مسار حياتنا الطبيعي.
وإدارة الخلافات بشكل جيد يمكن أن يساهم في بناء علاقات قوية ويساعد في فهم حجم وأسباب الخلاف، ومعرفة السلوكيات التي قد تثير المشاكل، وفق سرحان، وقد تكون سبباً في التعرف اكثر على الآخرين، كما أنها تكشف عمق العلاقة وقوتها، ومدى التأثر والحرص على سرعة إصلاح العلاقة والاستعداد للاعتذار او التسامح مع الآخرين.
كما يمكن استثمار الخلافات لتقوية العلاقات الاجتماعية، من خلال مراجعة أسباب الخلاف والمشكلة والالتزام بإيجاد الحلول المناسبة لضمان عدم تكرار المشكلة، كما ينصح سرحان، عدا عن أن الاختلاف يثري العلاقات بين الناس، وقد يجد البعض ان حدوث المشكلات يكسب العلاقة نكهه خاصة ويبعدها عن الروتين.
كسب مهارات في حل المشكلات والتواصل
وهذا لا يعني بالضرورة افتعال المشكلة أو تمنى حدوثها، بل يعني النظرة الإيجابية وتعلم الدروس والعبر واستثمار الخلاف، وإتقان فن إدارة الخلافات لبناء علاقات سوية وقوية، كونها أيضاً تساعد الشخص في معرفة جوانب جديدة في شخصية الآخرين، وتكشف نقاط عدم التوافق، وإدراك كيفية التعامل مع جميع الشخصيات.
والتعامل مع الخلافات باحترام متبادل يؤدي إلى علاقات أكثر عمقًا وقائمة على التفاهم، إذ إن المشكلات قد تمنح التنوع في الأفكار، والمرونة في التعامل معها يدفع الشخص إلى أن تكون لديه قدرة أكبر على مواجهة متطلبات الحياة وتحدياتها، وكسب مهارات جديدة في حل المشكلات والتواصل مع الآخرين.
كما ان الخلافات، بحسب سرحان، تساعد على إيجاد حلول فعالة للمشكلات والعمل على عدم تفاقمها، كما انها تجعل الشخص اكثر تسامحا، وتمنحه فرصة لاكتشاف الذات ومواجهة التحديات مهما كانت صعبة او خطيرة، وتعلمه مهارات جديدة، وعدم التعصب واعتماد وجهات نظر جديدة، والحرص على التأني في اتخاذ القرارات، وما يمكن ان يثير الغضب لدينا او لدى الآخرين.
وفي النهاية، يمكن القول إن حدوث المشكلات بين الحين والآخر أمر طبيعي، والعلاقات الصحية لا تعني غياب الخلافات، بل هي القدرة على إدارة الخلافات بمهارة وحكمة، وهدوء وتوازن والتجاوز، وتحويل "الخلافات إلى فرصة للتعلم".