عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Dec-2019

“مين بتحب أكثر” سؤال يربك الأطفال.. هل له آثار نفسية؟

 

تغريد السعايدة
 
عمان -الغد-  حالة من الصمت والذهول يقع بها الأطفال حين يباغتهم أحدهم بالسؤال “مين بتحب أكثر.. بابا أم ماما؟”، ذلك السؤال المتكرر الذي يلاحق الأطفال من قِبل المحيطين بهم، بهدف الممازحة أو استفزاز أحد الوالدين، إلا أن هذا السؤال “العفوي” كثيراً ما يسبب للصغير إحراجاً، فهل يمكن أن يخلف تأثيرات نفسية وأسرية على المدى البعيد.
العديد من أولياء الأمور يؤكدون كثرة تداول هذا السؤال على مسامع أبنائهم، بل أن أغلبهم يقومون بتوجيه هذا التساؤل بأنفسهم لأبنائهم، دون معرفة عواقبه، كما تذكر والدة الطفل محمود (ابن الأربعة أعوام)، التي عادة ما يستفزها هذا السؤال، ويثير حيرتها، خصوصا بأن إجابة صغيرها دائما “بابا”.
بيد أنها تؤكد بأن الأطفال ليسوا على وعي كامل وإدراك بما يقدمونه من الأجوبة وعادةً ما يكون “عفويا” وبناء على الحالة التي يكونون فيها، كما في الوقت الذي يرغبون فيه باستعطاف الأب مثلا لمصلحة ما، أو اختيار الأم في أحوال أخرى.
وتشاركها الرأي والدة الطفل سيف، بأن طفلها كذلك عادةً ما يكون جوابه، بأن الأحب لنفسه “والده”، ولكن لا تأخذ بعين الاعتبار بكلماته، فالأطفال عادةً يحبون ويميلون لوالدتهم، إلا أن غياب الأب أحياناً عن الأطفال لساعات طوال، ومسايرته واستجابته لمطالبهم، قد يكون سبباً في تلك الإجابات، مبينة، انزعاجها وشعورها بالحرج أمام الغرباء.
تعتقد الكثير من الأمهات اللواتي تم طرح السؤال عليهن في “هل تعرض طفلك لسؤال من تحب أكثر ماما أو بابا” أن الإجابات عادةً تكون غير دقيقة ووليدة اللحظة، فالكثير منهم في المقابل تكون إجابتهم “بابا وماما”، ولكن الأصعب من ذلك هو إصرار الكبار على أن يختار الطفل اسما واحدا فقط، وهذا يجعله يدخل في دوامة التفكير والإحراج والخوف من ردة فعل الآخرين من حوله، فيلتزم الصمت، وخاصة أمام من هم من خارج الأسرة أو الاقارب.
سهاد أحمد، وهي أم ولديها أطفال، ترى أن تعليم الطفل أن يختار دائماً إجابة تشمل الوالدين هو أمر في غاية الأهمية، فهذا ما اعتاد عليه أبناؤها، وهي إجابة تجنبهم الإحراج والخوف والتردد الذي قد يصيبهم خلال الحديث، حيث يشعر الطفل بالثقة والاطمئنان كونه أرضى طرفي المعادلة “الأم والأب”.
هذه الإجابة، التي قد لا ترضي الأطراف الأخرى، تجعلهم يلحون على الطفل أن يكون لديه خيار واحد، من باب المداعبة والتكرار، خاصة إذا كان من أشخاص محددين، يجعل الطفل يتجنبهم باستمرار حتى لا يتعرض لذلك السؤال، والذي أصبح “مزعجا” بالنسبة له ولوالديه.
العشرينية سديل خالد، التي ما تزال تذكر هذا السؤال الذي كان يتكرر عليها بشكل دائم من أقربائها وحتى والديها، تعتقد أنه حالة متعمدة من الإحراج للطفل، ولا يعتبر نوعاً من المداعبة أو المزاح والضحك، والأصعب من ذلك أن الجواب عادةً ما يجد قبولا من طرف ورفض آخر، وتتذكر حالات الإحراج التي حدثت لها خلال فترة طفولتها التي تتذكرها “بعمر 6 إلى 9 سنوات” تقريباً، كما تذكر. وعلى الرغم من ذلك، تستغرب سديل من نفسها كونها تقوم أحيانا بتوجيه السؤال لبعض الأطفال، وهو ما يجعلها تجزم أن “هذا السؤال أزلي.. لا يمكن أن يتغير لما يكون فيه من إجابات طريفة قد تثير الضحك لدى الحاضرين”، على حد تعبيرها.
اختصاصية علم النفس والمختصة في شؤون الأطفال الدكتورة أسماء طوقان، تؤكد لـ”الغد” أن هذا السؤال الذي يقلق أي طفل يتم توجيهه إليه، وفي أي مرحلة عمرية يمكن أن يمر بها هو أمر خاطئ جداً، وله العديد من الآثار السلبية التي قد تظهر على المدى البعيد، وله عميق الاثر النفسي السلبي في تفكيره وحياته مستقبلاً، عدا عن حالة الذهول والصمت التي تصيبه في ذات الوقت، خاصة إذا كان طفلاً خجولاً.
من تلك الآثار كما تؤكد طوقان هو “وضع الطفل في حالة صراع غير ظاهرة لنا بشكل مباشر، ويشكل لديه قلقا نفسيا كبيرا من الإجابة مهما كانت لديه، عدا عن جعله شخصا مترددا في قراراته وإجاباته، ولا يتحمل ردود الأفعال من الآخرين، قد تستمر معه هذه الحالة حتى مرحلة متقدمة من عمره، ويجد صعوبة في اتخاذ قراراته في أبسط الأمور.
ما يتبع إجابات الطفل من انتقاد بناء على إجابته قد يكون له أثر سيئ على الطفل، كما جاء في دراسة نفسية أجريت في جامعة ميشيغان في الولايات المتحدة الأميركية، أن “الأطفال الذين يتعرضون للانتقاد هم الأقل تحقيقاً للنجاح، ومخاوفهم أكبر من الأطفال الآخرين”، لذا من الأجدى أن نبتعد بالأطفال عن أي موقع قد يسبب لهم الإحراج أو الانتقاد، كما في حالة السؤال ذاته، وأن يكون الحب للوالدين غير مشروط وغير مُجزأ.
لذا، تنصح طوقان الأهل أولاً بأن يبتعدوا عن هذا السؤال، فليس من الجيد أن يكون حب الطفل للوالدين مشروطا ومقسما بين افراد عائلته، ويمكن توجيه السؤال بطريقة أخرى وبشكل غير مباشر مثل، “من الأقرب لك في التعامل، من يفهمك أكثر، من يلعب معك أكثر؟”، وغيرها من صيغ السؤال، والتي تساعد الطفل في الخروج من حالة الرهاب أو التردد، ويبقى لديه الجزم بأن يحب كلا والديه، ولكن أحدهم أقرب أو يفهمه أكثر.
كما تنصح طوقان الأم أو الأب أن يتدخلوا سريعاً في مساعدة الطفل على الإجابة في حال تعرض للإحراج، ولا يتم توجيه اللوم والعقاب له مهما كان الجواب، وذلك من خلال قولهم “إنه يحبنا كلانا.. ونحن نحبه”، وبذلك يساعدونه على التخلص من التردد أمام الآخرين والشعور بالاطمئنان، خاصة في المرحلة العمرية ما بين 4 – 6 سنوات.
وتضيف، ولكن لا ضير من الشرح له فيما بعد عن أهمية أن هناك خصوصية في حب الأسرة، وليس لأحد سلطة عليه لتقسيم هذا الحب “فالأسرة والوالدان وحدة واحدة وحضن للطفل وحب دافئ بكل أفرادها”.