الراي - كان منهج نسوان الحارات المنسية المتبع في التعامل مع أي شيء مادي أنه لازم.. إنضُبُّه.. وحتى لو لم يعُد صالحاً، وانه قد نستفيد منه. فكُّنَّ يتعاملن معه من منطلق.. إحيانه إنكُبُّه وراح يجي يوم نعتازه.... لذلك فنسوان تلك الحارات كُن يُجِدن.. إعادة التدوير، لكل تالف في المنزل ولمخلفات الطبيعة دون ان يكون لديهن أدنى معرفة بمكنونات هذا المصطلح، إضافة الى خبرتهن في الإدارة والتدبير ويطبقن مقولة: حتى المي بالبير بدها تدبير.

أبو فلاح يقول لام فلاح: يا بنت الحلال سروالي الدِچِة إهتلَس وبطل ينفع معاه الترقيع، هاچ أُعثريه من وجهي وإحرقيه، وهاتِ السروال الجديد. تقول ام فلاح: يمّه يا فليحة إحيانه نحرق سروال أبوچ، قومي أدحَشيه بعدِل الشرايط والخلقات، لبين ما ييجي طحّان الشرايط، مشان نطحن هالخلقات والوِعية الخربانة ونساوي منهن وسايد ولُحُف.

ابو عودة أنهى تلقيط البندورة، وما ظل غير زرور بندورة خضرا. فتقوم أم عودة بالتجوال على كل بيوت البندورة، وتلَقَّط وتعبي بالسَحّارة كل زِر إخضر، ويقول لها أبو عودة: يا غبرا لويش إمغَلبِه حالچ وشو بدّچ بيه، دَشريه، خلي هالمعزى يوكلنّه. تقول أم عودة: چيف چيف شو بدي بيه؟! واالله إحوينة إندشّرهِن للمعزى، بكرة بساوي منهن مكبوس، وبخبي منه شوي بالتبّان، ومن هون للشتويه بقلبِن حُمُر وراح ييجيهن يومهن.....

أبو فالح ينهي عمله عالبيدر، وينقل القمح والتبن للخان. فتقوم حفيظة ام فالح بجمع القْراقَرَة وتعبيهن بكيس خيش، وتجمع القصل من توالي البيدر وتعبيهن كذلك بكيس خيش ثاني. يسألها ابو فالح: هاظ شو بدچ بيه؟!! خلّيه يوكلن منه الطيور. تقول: أحيّانه عليهن، وجاجاتي خَيّوه اولى بيهن، بكرة بالشتويه بعَلّفهن منه، وبحط القصل تحت الجاجات اللي راح يُرقُدِن ....

أم عوض مَرة ابو عوض الأطرم على راسها الجونه، وكل ما لاقت شوكة فار او عرنوس لزّاب او عود حطب او طبق جَلِّة بتحطّه بالجونة. واللي يسألها لويش بدچياه؟ تقول: إحوينة... نعتازه شُغل ورّيثة لنار الصاج او للموقدة .....

سعدى العواد وين ما شافت بزرِة زيتون بحوش الدار بتحطها بجيبة شُرشِتها. يسألها ابن ابنها عبدالكريم: وشو بَدِّج بيه هاظ يا جِدّه؟!! تقول: إحيانه عليهن، هظول يمّه بنظفهن وبخزقهن وبلظُمهن بخيط بساويهن مسبَحة بظل أسبح بيها.....

هويشان الراعي بذبح جدي إزغير للطواف، ويترك جلده مرمي بالحوش. تذهب مَرته نوشه وتوخذه. يقول لها هويشان: اقلعيه غاد. تقول: أحوينه عليه، بكره بنظفه كويس وبعمل منه ظبيه للبن....

فاطمة الحجي تجمع بقايا الزهرة والملفوف والخبيزة والسبانخ وتوالي البندورة الخربانة. وتقول إحيانه تنكب بالزبالة، خليهن للمنايح .....

عيشة المحمود بتحافظ على كل كسرِة خبز وما بتكُب الخبز الجافر، بتخبيه وتقول إحوينه عليه بكره بعمل عليه فتِّة عدس، وخلي هالاولاد يوكلوا...

هكذا كانت نسوان الحارات المنسية يتعاملن في بيوتهن، فليس كل تالف غير مفيد، وليس كل قليل القيمة منه المنزل لا يستفيد. بخبرتهن الفطرية تعلّمنَ كيف يُدرن بيوتهن وكيف يواجهن أزماتهن. رحم االله نسوان الحارات المنسية وسقيا لتك الحارات........