عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Feb-2020

لجذب الانتباه: نمامون “يتسلون” بأسرار ومشاكل الآخرين!

 

ربى الرياحي
 
عمان-الغد-  بحثها الدائم عن التواجد وإصرارها على أن تكون سيدة الجلسة مع صديقاتها وزملائها في العمل وحتى أهلها وحبها للفت الانتباه، هي في الحقيقة أمور صنعت من العشرينية سهى اسماعيل شخصية ثرثارة “تتسلى” على مشاكل الناس وتستمتع بإفشاء أسرارهم والتحدث عن خصوصياتهم.
سهى لا تحسب حسابا لمشاعر من حولها ولا تحترم حقهم في أن يكونوا بمأمن من ألسنة الناس وتأويلاتهم وظنونهم الجارحة في أغلب الأحيان. هي ولأنها تريد وباستمرار أن تكون محور الحديث والمصدر الموثوق للمعلومات والأخبار تعتمد أساليب مثيرة ومشوقة أثناء سردها للأحداث والقصص وتبالغ في إعطاء أدق التفاصيل لتتمكن من جمع الناس حولها حبا في الظهور وتقديم نفسها على أنها الوحيدة التي تعرف كل شيء وخاصة على صعيد العمل.
سهى لا تتوانى أبدا بالخوض في الكثير من الأمور التي تجذب بها آذان زملائها، محاولة بذلك وضع نفسها تحت الأضواء، ولا تكتفي بذلك بل تلجأ إلى تضخيم المواضيع وتهويلها غير مكترثة بخطورة ما تفعله من تعدّ على حقوق الآخر والتشهير به واستخدام أسراره الخاصة كمادة دسمة في جلساتها اليومية.
أسباب كثيرة وحقيقية تقف خلف اختراق خصوصية الآخر، وجعل حياته الخاصة مشاعا للجميع فهناك بعض الشخصيات السطحية والهشة والتي تسعد بإفشاء أسرار الناس والتسلية على مشاكلهم وتداولها كأنها حق مشروع بإمكان أي أحد الإطلاع عليها والخوض فيها بدون أدنى مراعاة لمشاعر أصحابها الذين أجبرتهم الحياة ربما على الفضفضة أمام أشخاص يبحثون باستمرار عن دور البطولة في كل المواقف معطين لأنفسهم حجم أكبر مما يستحقون. هؤلاء يستخدمون هموم الناس ومشاكلهم ليثبتوا أنهم موجودون ولديهم كل القدرة على معرفة كل شيء.
استغراب واضح وكبير بدا على المعلمة إلهام، وذلك عندما سمعت إحدى المعلمات تتحدث وبأسلوب مسيء عن موقف كانت شاهدة عليه في بيت عزاء والدة صديقتها. تقول وبكل أسى: ألهذه الدرجة أصبحنا لا نبالي بآلام غيرنا؟ لماذا غدت هموم الناس وأسرارهم هي محور نقاشاتنا اليومية وتسليتنا الوحيدة التي تجعل ممن يعرفها ويتناقلها أسياد المشهد؟
وتتابع الجميع يمر ببعض المواقف الحساسة والصعبة ومن الطبيعي أن نبوح بالكثير من الأسرار الشخصية تحت ضغط الصدمة وقسوة ما نعيشه في لحظات الحزن تحديدا، لكن الغريب فعلا هو أن “نتخذ من جروح الآخرين ومعرفتنا بها سلم يوصنا إلى مصالحنا وتحقيق غايات شخصية تبدأ من جذب الانتباه انتهاء بمشكلات أعمق وأكثر ألما كالتجرؤ على حرمة الموت وانتشار الشائعات وأحداث بلبلة نتيجة فضح بعض المعلومات”.
وتبين أن تطرق زميلتها لتفاصيل حساسة عن الفقيدة وعلاقتها بأبنائها، تصرف أزعجها جدا واعتبرته خاليا تماما من الإنسانية والاحترام، لافتة إلى ضرورة التوقف عن مثل تلك الأساليب المهينة التي يتبعها البعض، متجاهلين خطورة ما يقومون به من استهانة واستهتار بحياة أناس ليس لهم ذنب سوى أنهم وقعوا ضحية ألسنة لا ترحم ونفسيات مريضة تهوى الظهور والاهتمام.
الثلاثينية رانيا هي الأخرى تستنكر أسلوب جارتها التي تعيش على “فضح” خصوصيات الجيران والتفنن في نشرها. تقول لم تعد سعيدة أبدا أو حتى مرتاحة ببيتها الجديد، والسبب أنها باتت تشعر بالضيق من جارتها المجاورة لها والتي تجدها شخصية مستفزة ومصدر قلق لكونها تحترف مراقبة الآخرين وتهتم كثيرا بسماع مشاكلهم حتى لو من وراء الأبواب.
ولا يقف بها الأمر عند هذا الحد، بل تأخذ من معرفتها لتلك الأسرار حجة قوية لتتقرب من الجيران، محاولة بذلك إشعارهم بأنها مطلعة على كل خفايا العمارة وأن الأخبار جميعها عندها. لذلك، قررت قطع علاقتها بها نهائيا والابتعاد عنها حتى لا تكون شريكة لها في خرق خصوصيات الناس والتعدي على حياتهم الخاصة دون أدنى حق أو تبرير.
ويرى الأخصائي الاجتماعي مفيد سرحان أن الإنسان اجتماعي بطبعه بمعنى أنه لا يستطيع أن يستغني عن الآخرين مهما كان موقعه أو إمكانياته. وأثناء تعامله مع الآخرين واختلاطه بهم ربما يطلع على بعض خصوصياتهم وأسرارهم، ومن واجبه المحافظة عليها وعدم إفشائها.
ويذهب إلى أن لكل إنسان خصوصياته التي لا يحق أن يعرفها الجميع، وبعض الناس يتلذذ في نقل أخبار الآخرين بل والبحث عن أدق التفاصيل بطرق غير مشروعة والتباهي بمعرفة الأسرار ونشرها، بل أن البعض يشعر أن لديه على الآخرين ما يمكنه من ابتزازه والضغط عليه والتشهير به وهذا ليس من الأخلاق والمروءة.
ويبين سرحان أن الستر على عيوب الآخرين وأخطائهم هم المطلوب، وللأسف فإن هذه السلوكيات الخاطئة والتي تنم عن ضعف الشخصية والاستهتار بالآخرين وأعراضهم تجد من يساهم فيها. والأصل عدم نشر الأسرار الناس وتتبع عوراتهم لأن من يتتبع عورات الناس وخصوصياتهم سيجد من يتتبع خصوصياته.
ويذهب الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن اعتماد بعض الأشخاص على استخدام مشاكل الناس ومصائبهم وإصرارهم على جذب الانتباه لهم أمر في غاية الخطورة يتسبب حتما في اختلاق الشائعات والأكاذيب وخيانة الأمانة والطعن في أعراض الناس واقتحام حياتهم الخاصة والإساءة لهم.
ويبين مطارنة أنه مثل هذه التصرفات تصدر عن أشخاص لديهم نقص، لذا يسعون من خلال فضحهم لأسرار الآخرين أن يكونوا متواجدين وأيضا ليثبتوا لأنفسهم ولمن حولهم أنهم قادرون على جمع الناس حولهم وإقناعهم بأن لديهم الكثير من المعلومات التي من شأنها أن تكون “مادة دسمة” يتناقلونها فيما بينهم بهدف التسلية والتباهي وحب الظهور.