عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Jun-2020

عجلون : بيوت الطين تراث وإرث تاريخي

 

عجلون - الدستور - علي القضاة - هل مضى عصر البيت الذي (تخفق الأرياح فيه ) إلى غير رجعة، لصالح القصر المنيف، أم أن ميسون بنت بحدل، التي فضلت السكن بذلك البيت ذي الأرياح على القصر، هي من مضت وحدها، بأمنياتها البسيطة؟
وعلى الغالب أن ميسون كانت تقصد واحدا من تلك البيوت التراثية الموحشة، في بعض مناطق عجلون، والخالية من كل مظاهر الترف، أو ما كنا نعرفها بـ بيوت الطين، والتي ما تزال صامدة حتى يومنا هذا، منذ أن شيدتها أيدي الأجداد قبل عشرات السنين،  لتحكي قصة الزمن الجميل الذي عاشوه بحلوه ومره، على الرغم من أن معظمها غدا اليوم مكانا  للأفاعي.
ولمدة زمنية غير بعيدة، كانت بعض تلك البيوت والمباني عامرة بمن ورثها عن الأجداد، لكنها، وإن صبغت بمسحة من الحياة المعاصرة، وزودت بالكهرباء والماء، وبعض الأجهزة الكهربائية الحديثة كالتلفاز والثلاجة، لم تستطع الصمود أمام حداثة البناء وزخرفاته، فتهاوت شيئا فشيئا إلى أن أصبحت أطلالا تعيد كل من يشاهدها إلى زمن البساطة والصفاء، الذي تلاشى مع إيقاع الحياة المتسارع.
 الثمانيني عبد الله محمد الفلاح ما يزال يتذكر كيف أن أبناء البلدة الواحدة، رجالا ونساء، كانوا يفزعون كرجل واحد لبناء أحد تلك البيوت لأحدهم، من دون أجر، وسط أجواء من الفرح تملؤها الأهازيج والزغاريد.
وقال إن غالبية تلك البيوت لم تكن تتجاوز في مساحتها  30 مترا مربعا لإيواء الأسرة، إضافة إلى مؤونتها من القمح والزيتون، والتي يضعونها في أماكن تخصص لهذه الغاية عند إنشاء البناء، إضافة إلى الأعلاف للمواشي، مبينا أن فترة البناء ربما كانت تستغرق عدة أيام أو أسابيع، حيث كانت تجمع الحجارة والأخشاب التي تستعمل كجسور للأسقف، والتراب الأبيض الذي يخلط بقش الحبوب التبن ليزداد الطين تماسكا، مؤكدا أن جدران تلك البيوت وأسقفها ربما كانت تزيد سماكتها على 60 سم، ما يجعلها دافئة شتاء وباردة صيفا.
ويقول السبعيني علي الخطاطبة إنه سكن أحد تلك البيوت، مشيرا إلى  أنه كان يستمتع بالسكن في ذلك البيت الطيني.
ويقول علي الشرع  أن ورثة تلك البيوت، اضطروا إلى مغادرتها لعدم قدرتهم على صيانتها على نحو دوري، كما كان يفعل أصحابها الأوائل، بحيث أصبحت عرضة لدلف مياه الأمطار من أسقفها وتلف الأخشاب التي تحملها؛ ما قد يؤدي بها إلى الانهيار وإلحاق الأذى بساكنيها .
إلى ذلك فقد طالب مهتمون بالتراث والسياحة والبيئة في محافظة عجلون، الجهات المعنية الاهتمام بالمباني التراثية وإعادة الحياة لها، من خلال ترميمها وإجراء الصيانة اللازمة لها، بالتنسيق مع أصحابها الذين تحول ظروفهم دون ذلك.
وأشاروا إلى  أن تلك البيوت ما تزال تستخدم كمضافات للعائلة، كما هي الحال في عدد من بلدات المحافظة، مناشدين وزارة السياحة والآثار والبلديات والتخطيط والتعاون الدولي، العمل على وضع أولوية لصيانة البيوت التراثية وإدراجها ضمن مشاريعها التنموية.
وقال رئيس هيئة شعراء وأدباء عجلون محمد سعيد المومني إن توظيف الأماكن التراثية من شأنه أن يعيد الحياة لها، من خلال استثمارها  كمطاعم شعبية تقدم الطعام البيئي الطبيعي ومتاحف ومنتديات للحوار والفكر وتربط الاجيال بالماضي كما قد  توفر عائدا اقتصاديا لعدد من المواطنين العاطلين عن العمل .
وقال المحامي زاهر السوالمة، إن الحفاظ على التراث يعني المحافظة على المرحلة التي عاشها الآباء والأجداد، ويدعو إلى عقد الندوات والمحاضرات السياحية والثقافية للتعريف بقيمة الآثار، وإنشاء جمعيات تطوعية للحفاظ على التراث والآثار والسياحة، لافتا إلى انتشار العديد من تلك المباني في عجلون وكفرنجة وراجب وعين جنا ودير الصمادية وراسون وعرجان وباعون وصخرة والهاشمية و الوهادنة  داعيا وزارة السياحة والآثار إلى الاهتمام والمحافظة على صيانة الكنوز الأثرية والتاريخية والبيوت القديمة وديمومتها لتصبح مواقع جذب سياحي.
وواشار مدير ثقافة عجلون سامر فريحات إلى أنه يمكن إنشاء متاحف تراثية داخل البيوت القديمة، بحيث تعرض فيها المفردات التراثية والزراعية القديمة، التي كان يستخدمها الآباء والأجداد في حياتهم اليومية، خصوصا تلك الأدوات التراثية التي أصبحت مهددة بالزوال مشيرا لوجود بعض المتاحف حاليا في راسون وكفرنجة.
وقال مدير سياحة المحافظة محمد الديك إن الوزارة تعنى بالمواقع الأثرية والتراثية التاريخية والثقافية، وبالمناطق الطبيعية والخضراء، لتصبح مناطق جذب سياحي، بما يعود بالمنفعة الاقتصادية على سكانها، مشيرا إلى توجهات لإعادة تأهيل بعض النماذج من المباني التراثية، نظرا لأهميتها، من خلال استخدامها وتوظيفها في أنشطة سياحية وتراثية تدعم التنمية الاقتصادية وتعززها.
وبين رئيس بلدية الشفا إبراهيم الغرايبة بأن البلدية سبق وأنجزت الحديقة الهاشمية في بلدة الوهادنة، بكلفة حوالي 50 ألف دينار، حيث تضم مكتبة ومقتنيات تراثية كان سكان البلدة يستخدمونها منذ وقت قديم.
واضاف أن البلدية، التي تضم مناطق الهاشمية والوهادنة وحلاوة ودير الصمادية الشمالي والجنوبي، تفكر جديا  باستغلال البيوت التراثية القديمة واستثمارها في مناطقها، بحيث تكون جاذبة للسياح وزوار المنطقة، التي تشتهر بطبيعة خلابة، مبينا أن هذه البيوت التراثية تمثل حقبة تاريخية مهمة من تاريخ المنطقة، كما هو الحال في عقد ابو صيني الذي تمت صيانته من قبل دائرة الآثار العامة.
واشار  إلى أن قسما كبيرا من تلك البيوت غير مستغل لأي غرض من الأغراض، الأمر الذي يحفز البلدية على العمل، وبشتى الطرق، لاستغلالها كمواقع جاذبة للسياح، وإعادة تأهيلها لتصبح على شكل نزل، وبحيث تتوفر فيها مختلف الخدمات الضرورية لمرتاديها، مؤكدا أن لدى البلدية تفكيرا لاستغلال هذه البيوت وتوفير الدعم اللازم لإعادة تأهيلها، في حال وافق أصحابها على ذلك.