عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Feb-2025

ما الذي يريده بوتين حقًا؟

 الغد

شهدت موسكو عاصفة من ردود الفعل بعد الخطوات الأولى التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو إبرام صفقة بشأن أوكرانيا.
 
 
ولم يسبق للإعلام الروسي أن استشهد بمصادره الغربية بهذا القدر المكثف كما فعل هذه المرة. فعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، تم إخبار المجتمع الروسي بالابتعاد عن الغرب الخائن، والنظر نحو الشرق، وتحديدًا الصين وكوريا الشمالية.
 
 
 
ومع ذلك، حتى صحيفة "كوميرسانت"، التي تعد من أكثر الصحف الروسية تأثيرًا والمعروفة بنبرتها المتزنة والعقلانية، نشرت عنوانًا رئيسيًا يقول: "انتصار بوتين"، وذلك في مراجعتها للتغطية الدولية لمكالمة ترامب الهاتفية مع الرئيس الروسي.
 
 
 
لكن هناك سبب لهذا التحول المفاجئ.
 
 
وكانت الرسائل الصادرة من واشنطن تتماشى الآن مع الرؤية العالمية للكرملين: ترامب، العراب الأمريكي القوي، سيجلس مقابل زعيم الجريمة فلاديمير بوتين—الذي لم يعد بنفس القوة السابقة ولكنه لا يزال يزداد نفوذًا—وسيقرران معًا مستقبل أوكرانيا.
 
 
ويرى الكرملين أن خطوة ترامب هي استجابة صحيحة لمطلب موسكو باحترام بوتين كشريك متكافئ، إضافةً إلى كونها اعترافًا علنيًا بأن أوكرانيا وأوروبا ليس لهما سوى دور تابع في المفاوضات. ويعتقد أن أوروبا، الليبرالية والمهووسة بشكل منافق بسيادة القانون، يجب أن تتكيف مع وضعها الحقيقي في هذا العالم الجديد القاسي: مجرد ممثل ثانوي في مسرحية يسيطر عليها رجال أقوياء.
 
 
 
ولا مكان للقانون الدولي في هذه السردية البدائية التي تعود للقرن التاسع عشر. أما أوكرانيا، فدورها بات مجرد تابع أو دولة فاشلة تعتمد على الدعم الأمريكي، حيث ستواجه قريبًا واقع سداد الدعم العسكري والاقتصادي الذي حصلت عليه خلال الحرب، إلى جانب منح الولايات المتحدة حقوق استخراج مواردها الطبيعية، بما في ذلك المعادن النادرة، وهو أمر يبدو مفهومًا تمامًا من وجهة نظر موسكو.
 
 
 
والنتيجة العملية التي يتوقعها الكرملين من كل هذا هي كسب بعض الأراضي الأوكرانية، وتحديدًا المناطق الأربع التي ضمّها، بالإضافة إلى الأجزاء غير المحتلة بعد من منطقتي دونيتسك ولوهانسك. إلى جانب ذلك، يسعى الكرملين إلى إزاحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو ما سيقدمه كنصر للشعب الروسي.
 
 
وتعتبر المطالب الروسية تكتيكية ورمزية، مثل الاعتراف بتقدم روسيا في الأراضي الأوكرانية، والتوقف التام عن أي نقاش حول عضوية أوكرانيا في الناتو.
 
 
لكن هذا السيناريو لا يقترب حتى من تحقيق السيطرة الكاملة لروسيا على أوكرانيا، ولا يمثل تحولًا كبيرًا في موقف روسيا داخل أوروبا. يبدو وكأنه حل مؤقت أكثر مما ترغب به موسكو—أو، كما يعترف معظم كبار المخططين في الكرملين، "هذا ليس يالطا".
 
 
 
ولكن الحقيقة هي أن هذا الاتفاق ليس مصممًا لتحقيق سلام دائم، لأن ذلك لم يكن الهدف أبدًا. قد يؤمن ترامب بـثورته الأمريكية الثانية، لكن نظراءه في موسكو لا يفعلون ذلك. فهم أكثر اقتناعًا من أي منظّر للمؤامرات في الولايات المتحدة بأن "الدولة العميقة" غير قابلة للتدمير. كما أنهم يعتقدون أن هذه الدولة العميقة كانت دائمًا، وستظل دائمًا، معادية لروسيا.
 
 
 
وفي غياب أي أيديولوجية حقيقية، جعل الكرملين من الشعور بالاستياء عقيدته—وهي مزيج من الفخر بالإمبراطورية الروسية السابقة، سواء تحت حكم القياصرة أو مفوضي الاتحاد السوفييتي، إلى جانب إحساس قوي بالمظلومية والظلم تجاه الغرب "الخائن". وكأي أيديولوجية، تأتي هذه العقيدة مع سرد واضح للأحداث: ما الذي حدث بشكل خاطئ، ومن المسؤول عن ذلك.
 
 
وجزء أساسي من هذه العقلية هو الشعور العميق بالتاريخ، الذي يُفهم على أنه مجموعة من المظالم المتراكمة على مدى قرون، مما يعزز الاعتقاد السائد بأن روسيا محكوم عليها بخوض صراع أبدي ضد الغرب، بأشكال مختلفة، حتى يحقق أحد الطرفين النصر الكامل. والكرملين على يقين بأن الغرب يسعى دائمًا إلى تدمير روسيا بالكامل، بدءًا من الحملات الصليبية التي أرسلها البابا لغزو روسيا الأرثوذكسية في القرن الثالث عشر.
 
 
وبعبارة أخرى، السلام الحقيقي مع الغرب غير ممكن؛ ما يمكن تحقيقه فقط هو فترات هدوء مؤقتة. وروسيا، التي ترى نفسها حصنًا محاصرًا دائمًا، لا يمكنها أن تمتلك حلفاء حقيقيين. ولهذا السبب، فإن العبارة الشهيرة المنسوبة إلى القيصر ألكسندر الثالث في أواخر القرن التاسع عشر—"لروسيا حليفان فقط، الجيش والبحرية"—لا تزال تُقتبس بفخر وتكرار مستمرين، وهي فكرة تتردد بعمق لدى فلاديمير بوتين.
 
 
 
ونتيجة لهذا السرد التاريخي، لا تشعر روسيا بأنها منبوذة عالميً، ليس فقط بسبب الدعم الذي تتلقاه من الصين، ولكن أيضًا لأن نخبتها لا تؤمن بفكرة الحلفاء الحقيقيين أو بالمعاهدات طويلة الأمد التي تبنيها هذه العلاقات.
 
 
 
إنها رؤية قاتمة للغاية للعالم، رؤية تفترض أن بوتين سيحاول استغلال ترامب لتحقيق مكاسب، متبعًا تحركًا تكتيكيًا، حيث إن السلام الاستراتيجي غير ممكن.
 
 
لكن رغم أن بوتين قد يرى نفسه أكثر خبرة ومهارة في هذا النوع من الألعاب التكتيكية، إلا أنه في الواقع أكثر عرضة لانفعالات عاطفية مفاجئة. فروسيا لطالما عرّفت نفسها من خلال علاقتها بالغرب، ومنذ الحرب الباردة، أصبحت علاقتها مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص محور تحديد هويتها.
 
 
وما تطالب به روسيا دائمًا هو الاحترام.
 
 
ولا ينبغي أن ننسى أن بوتين بدأ رئاسته عام 2000 بالسعي للحصول على هذا الاحترام من الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج دبليو بوش. في أعماقه، هو دائمًا يبحث عن اعتراف من واشنطن، بحسب ما جاء في موقع بوليتيكو.