عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Aug-2018

هزاع المجالي.. الشهيد الحاضر في وجدان الأردنيين

 الراي-د.صلاح العبّادي

يعد رئيس الوزراء الأسبق الشهيد هزاع المجالي فاعلا مهما في تاريخ الدولة الأردنية، وشاهداً على حقبة مليئة بالاحداث السياسية.
 
حيث شكل حالة فريدة في مرحلة مهمة من تاريخ الدولة ، وأحتل المجالي الذي استشهد في 29 آب 1960 رمزية خاصة لدى الأردنيين جراء مواقفه السياسية ، وانحيازه للوطن وللمواطنين على الدوام.
 
عاش المجالي الذي ولد في العام 1918 م فترة من طفولته في الكرك بين أحضان والده المرحوم الشيخ دخيل المجالي، قبل أن ينتقل إلى بلدة ماعين للعيش عند أخواله، ويتلقى تعليمه الابتدائي هناك حتى العاشرة من عمره، ومن ثم انتقل إلى مدرسة الربة في الكرك التي واصل تعليمه فيها ، قُبيل أن ينتقل إلى مدرسة السلط الثانوية التي حصل منها على شهادة الثانوية العامة.
 
عمل في إدارة الأراضي والمساحة بعد أن حصل على شهادة الثانوية العامة على الفور، ثم انتقل للعمل كاتبا في محكمة صلح مأدبا.
 
انتقل إلى دمشق لدراسة القانون وما أن عاد إلى عمّان حتى عمل بالتشريفات الملكية في الديوان الملكي ، وجراء تفوقه في العمل، وتميزه بالواجبات التي كانت توكل اليه أخذ يتسلم مواقع قيادية في الدولة، رغم صغر سنه.
 
أصدر الملك المؤسس عبد الله الأول قراراً بتعيينه رئيساً لبلدية عمان، ثم عين وزيراً للزراعة ووزيراً للعدل في حكومة سمير الرفاعي.
 
قرر بعدها خوض الانتخابات النيابية عن محافظة الكرك وفاز لدورتين متتاليتين عام 1951 و1954، وعين خلال الدورة الثانية وزيرا للداخلية.
 
والقارئ لكتاب شخصية الشهيد المجالي يلاحظ تعلقه بوالدته وأثرها في التأثير على تشكيل شخصيته ومستقبله، واصرارها على مواصلته لدراسته.
 
كما أن الدارس لشخصيته يدرك أن هزاع جاء إلى بلدية عمان في مرحلة الهجرة التي اكتظت بها المدينة وأنه عمل على إدارة المدينة واعادة تأهيلها بما يسهم في استيعاب الزيادة السكانية، وكان صاحب رؤية ثاقبة؛ إذ كان يؤمن بأهمية الانفتاح على أبناء المجتمع والتواصل معهم والعمل من أجل خدمتهم.
 
في العام 1955 شكل المجالي الحكومة الأولى لكنها لم تستمر الا لستة أيام، عندها عين وزيرا للبلاط في عام 1958، وبعدها شكل الحكومة للمرة الثانية في العام 1959، وتحمل مسؤوليات كبيرة في مرحلة شهدت الدولة تطورا كبيرا على الصعد السياسية والإعلامية، الأمر الذي دفعه الى الاستعانة برئيس الوزراء الأسبق الشهيد وصفي التل ليستعين بجهوده في تطوير الإعلام، فعينه مديرا للتوجيه المعنوي.
 
وصباح يوم التاسع والعشرين من شهر آب في عام 1960 ذهل الشعب الأردني جراء سماعهم نبأ استشهاد المجالي، الذي اغتيل عند الساعة العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم، وعمره 42 عاما وهو في مكتبه في رئاسة الوزراء يستقبل المواطنين، كعادته؛ إذ كان يخصص يوم الاثنين من كل أسبوع لاستقبال المواطنين، ومساعدتهم في حل المشاكل التي تواجههم. استشهد المجالي ومجموعة من موظفي الرئاسة في العمل الارهابي الجبان قُبيل ساعات قليلة من زيارة كان سيقوم بها المغفور له الملك الحسين بن طلال إلى رئاسة الوزراء.
 
اغتيال المجالي شكل فاجعة للمواطنين الذين تلقوا الخبر، جراء مواقفه السياسية الوطنية والقومية، وانحيازه لمصلحة الدولة على الدوام، فكان يقدم الصالح العام على وقته.
 
وفي كتاب «ليس سهلا ان تكون ملكا» يروي المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه تفاصيل مهمة، فقد سارع إلى حمل سلاحه الاتوماتيكي لحظة سماعه بالخبر واتجه إلى مكتب الشهيد المجالي، قبل أن يعترض سيارته المرحوم حابس المجالي، الذي رجوه بأن يعود من طريقه للقصر؛ وينتظر أن تتجلى الحقائق حول حيثيات العمل الارهابي. وما أن عاد المغفور له الملك الحسين إلى مكتبه حتى انفجرت قنبلة أخرى في مكتب المجالي بعد نحو 40 دقيقة من الأولى.
 
وكانت العناية الآلهية التي رعت الملك الحسين طيَّب الله ثراه. كان أهالي الكرك يستمعون إلى الإذاعة الأردنية عبر اجهزة الراديو التي يقال عبر أثيرها «بورك الدم يا كرك»، وتجمع أبناء مدينته في الأماكن العامة وهم ينادون العبارة ذاتها « بورك الدم يا كرك».
 
وفي مذكراته يكشف هزاع عن مشاركته في اول مظاهرة ضد وعد بلفور وهو في الصف الخامس الابتدائي.
 
حظي الشهيد المجالي خلال المراحل الأولى من نشوء الدولة باحترام وتقدير كافة الأطياف السياسة والاجتماعية والعشائرية، فهو من رموز التاريخ الحديث لنشوء الدولة، فهو الغائب الحاضر في وجدان الأردنيين.
 
وقال رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، إن الشهيد هزاع المجالي أحد أبرز السياسيين في تاريخ الدولة الأردنية في عقدي الخمسينيات والستينيات.
 
وأضاف الروابدة إن سيرة الشهيد حاضرة على مر التاريخ بإنجازاتها، فهو صاحب البصمات الخالدة والأثر السياسي الكبير، في تاريخ الدولة الأردنية الحديثة، والذي نذر سنوات عمره وفكره وجهده ودماءه الزكية في معترك البناء والتأسيس والاستقلال، في الدفاع عن الهوية الوطنية الأردنية، وعن القضية الفلسطينية، مناضلا في صفوف النضال الوطني،الحزبي والسياسي، ورجل دولة في أعلى مواقع المسؤولية، ووطنيا مخلصا.
 
ولفت الروابدة إلى أن الحديث عن قامة وطنية بحجم قامة الشهيد هزاع المجالي هو حديث ممتد ومتصل وهو في جوهره حديث عن الأردن وتاريخه ودوره وعن ثقافة الأمل والبناء، التي شيدت هذه الدولة الراسخة، واقامت صروح العمل والعلم والتميز وحققت النموذج الفريد.
 
الوزير الأسبق الدكتور كامل أبو جابر قال إن الشهيد هزاع المجالي هو من أعلام الأردن، وشاهد على تاريخ الدولة ، إذ كان إلى جانب المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، باعتباره رجل دولة بكل معنى الكلمة، يتخذ القرارات التي تصب في صالح الدولة، بكل شجاعة واقتدار.
 
وزير الإعلام الأسبق سمير مطاوع قال إن التاريخ يوثق الدور الذي قام به الشهيد هزاع المجالي، خصوصا على صعيد الإعلام إذ اعطى للاعلام حيزا كبيرا من اهتمامه وكانت لمصلحة الوطن والمواطن أولوية مقدسة وتتقدم على كل اعتبار فهو القائد الذي ابقى على جسور التواصل سالكة بين الحكم والمواطنين، تعزيزا للثقة والمصارحة فاستن سنة الباب المفتوح.
 
واشار الوزير الأسبق وأستاذ العلوم السياسية الدكتور امين مشاقبة إلى ما يمثله الشهيد المجالي من رمزية خاصة لدى الأردنيين، خصوصاً وأنه استشهد عندما كان يستقبل المراجعين في مكتبه، وهو ما يدل على سياسة الانفتاح التي كان يتبعها.
 
وقال المشاقبة أن الشهيد المجالي شكل قامة وطنية متميزة في الولاء والانتماء، والتضحية من أجل خدمة الوطن، إضافة إلى شخصيته القومية والعروبية ، التي وضعت بصماتها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
 
ويصف الوزير الأسبق د.مأمون نور الدين الشهيد المجالي بأنه كان الجندي الأمين لقائده، أحب وطنه، وعشقه كل أردني أصيل، باع نفسه من اجل الوطن، وفدى أهله ورسالته وديرته، لافتا إلى أنه تعلق بالسياسة منذ طفولته.
 
ويؤرخ الأكاديمي الدكتور سعد أبو ديه لوثائق مهمة حول استشهاد المجالي، فهو يشير في وثائقه إلى أول برقية صدرت من السفارة البريطانية في عمان في التاسع والعشرين من آب 1960حول اغتيال هزاع المجالي، وكانت تلك البرقية موجهة لوزارة الخارجية البريطانية بالشيفرة بشكل سري وعاجل وأرسلت نسخ منها إلى مصر والقنصلية في القدس وتل أبيب وبيروت وبالأولوية إلى واشنطن ونيويورك وبغداد. ووفقاً لما يؤرخه الدكتور أبو ديه في كتاباته فإن البرقية جاء فيها «أن هزاع شخصية وطنية وشجاع وأن لندن دائماً احترمته وأحبته.»
 
يبدو جلياً أن هزاع المجالي كان يستشرف مستقبله، وهو يوقن بأنه سيكون في موضع المسؤولية في يوم ما؛ فهو الذي كتب في مذكراته يقول:»يلازمني احساس قوي بأنني سأصبح يوما ما رجل دولة وذا شأن سياسي في بلادي»
 
يقول السير تشارلز جونستون سفير بريطانيا الاسبق في الاردن كما تشير الكثير من المصادر والمراجع التي وثقت لاغتيال هزاع «إن الخطأ الاكبر لهزاع كان المبالغة في الثقة بالناس فقد احجم عن اساءة الظن بالآخرين، وانه لم يكن لديه اهتمام جدي بالمحافظة على حياته فلم يهتم بحماية نفسه وقد كان يشعر بخطر قتله»