عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Oct-2020

الغرب والنظرة الاستعلائية تجاه الآخرين*د. صبري الربيحات

 الغد

التشدق الذي يبديه البعض من وقت لآخر بالديمقراطية وحقوق الإنسان لا يتطابق كثيرا مع التصريحات التي يدلي به الساسة ولا الرؤساء الذين يعبرون عن هذه الأنظمة والكيانات السياسية. لا أحد يقبل أن يصرح رئيس فرنسا التي يراها العالم رائدة للديمقراطية وراعية لقيم الحريات العامة وحقوق الإنسان في اختيار معتقداتهم ومذاهبهم.
الرسوم المسيئة للرسول الكريم والممارسات المستفزة للمسلمين في أوروبا وفرنسا تمثل تحديا وتجاوزا على قيم وأخلاق ومعتقدات المسلمين، كما تؤثر على مصداقية المجتمعات التي تبشر بالديمقراطية وتدعي انزعاجها للتعديات التي تحصل على حقوق الإنسان في مختلف بقاع الأرض.
كلما حاولت الشعوب تناسي العقلية الاستعمارية والنظرة المتعصبة التي وجهت القوى الإمبريالية في القرون الماضية يجري إنعاش روح التحدي من خلال تصريحات وممارسات تبعث على إثارة النعرات وتسهم في كشف زيف المبادئ والقيم التي يروج لها البعض على أنها ثمرة من ثمرات الحضارة الغربية التي على العالم اتباعها إن أراد النجاة. صحيح أن القيم نبيلة وجذابة لكنها تبقى نظرية ودعائية اذا تعامل العرب معها على أنها تخصهم تصلح فقط لمجتمعاتهم ويمكن الاحتكام اليها لحسم الخلافات التي تحدث بين أعضاء اللون الواحد وأصحاب البشرة والعرق الواحد. فغيرهم أشخاص وجماعات قد لا يستحقون هذه المعاملة ولا ينظر لهم بالمنظار نفسه.
حكاية التنوع الثقافي وقبول الاختلاف تبقى شعارات رنانة لا يجد الكثير منا لها تطبيقا خارج نصوص الخطابات وكتب الفلاسفة وأحاديث المشاركين في المؤتمرات والورشات التي تعقد من وقت لآخر. من غير المعقول أن يقدم رئيس أكثر الدول ريادة في مجال الحريات على انتهاك حرية شعوب وأمم وهو يعلم جيدا حساسية ما قام به الرسام سيئ الذكر تحت باب احترام قيم الجمهورية.
التساؤل الذي يرد على لسان من تابع التصريح وردود الفعل الإسلامية عليه يلحظ مدى تأثر عشرات ملايين المسلمين ممن يعيشون داخل حدود الجمهورية وفي محيطها ومئات ملايين المسلمين الذين أبدوا استنكارهم ورفضهم لهذا التصريح الذي جاء ليؤكد ممارسات سابقة قبل سنوات جرى التعبير عن رفضها بطرق وأشكال مختلفة.
التنمر الذي يقوم به ماكرون باسم الدفاع عن الحريات والازدراء الذي يبديه ترامب للقيادات العربية في لغته وإيماءاته لا يختلفان كثيرا عن ممارسات الدكتاتوريات العربية التي أهملت آراء شعوبها وحاولت بذل قصارى جهودها للحصول على مباركات ورضا ودعم الأنظمة الغربية مقابل القيام بكل ما ترغب به هذه النظم ويلبي مصالحها. الغضب الذي عبرت عنه الشعوب الإسلامية في إندونيسيا واليمن والباكستان والجزائر ومقاطعة المنتجات الفرنسية لون من ألوان التعبير الذي يوصل رسالة واضحة للقيادات الإسلامية والعربية قبل الزعامات العربية التي تتشدق بالديمقراطية حول أهمية الهوية وضرورة العناية بها رغم محاولات البعض تمويل طمسها وإلغائها لحساب الهوية الصهيونية أو اللاهوية.
فحوى الرسالة التي على الجميع قراءتها والتوقف طويلا عندها يدور حول أهمية القيم والخصوصية العقائدية والثقافية للأمم والشعوب، ومن غير المقبول القفز عن هذه القيم تحت أي عنوان أو صيغة أو محاولة تشويه. تماسك الأمم والشعوب لا يتم إلا بإدراكها لهويتها والإجابة عن السؤال الأساسي.. من نحن؟
فالأمم التي تشعر باحترام الآخر لها تحافظ على هذا الاحترام وتسعى الى الرد عليه بمزيد من الاحترام، والأخرى التي تشعر بالإهانة وقلة التقدير تنتفض لكرامتها. في القيم والأفكار والمعتقدات من حق الجميع أن يمارسوا ما يختارونه، ومن واجب الجميع احترام خيارات الآخرين. الشرائع السماوية والشرعة الدولية أكدتا ذلك، ومن دون ذلك سندخل في دائرة العنف والعنف المضاد الذي لا يضيف الى واقعنا إلا المزيد من التشتيت والتشكيك والعداء.