الدستور
استيقظت اليوم على صمت غير معتاد. اختفت الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار والقنابل، لكن بقي شعور غير مريح بأن هذا الصمت قد لا يستمر طويلاً... يتزايد العنف يوماً بعد يوم. ويموت المزيد من الناس ويتضورون جوعاً. كل هذا نشهده ولا نستطيع فعل شيء. شعور رهيب أن تعيش كل هذا دون أن ترى نهاية ما في الأفق- هند خضري، موظفة تعمل مع برنامج الأغذية العالمي في قطاع غزة.
يورد تقرير لشبكة سي إن إن الصهيو-أمريكية قصة -حزينة -عن جندي صهيوني يعاني من صدمة نفسية بعد أن سحق بجرافته المدرعة من طراز D9 عددًا من الفلسطينيين في غزة، واصفًا إياهم بـ»لحوم بشرية.» المسكين لم يعد يقوى على تناول شطائر البيرغر؛ فاللحم بات يثير فيه شعورًا بالغثيان، حيث تلاحقه ذكريات الأجساد المهروسة وشظايا العظام التي علقت بجنزير جرافته مع كل قضمة.
لا ألم أو ندم أو حزن، مجرد غثيان من تناول شطيرة بيرغر. لا يتحدث عن الإبادة الجماعية، ولا عن آلاف المنازل التي دمرها، ولا عن آبار المياه وأنابيب الصرف الصحي التي حطمها ولا عن جماجم الأطفال التي حطمتها جرافته. هو فقط يعاني من شعور بالغثيان عند تناول اللحم، ربما لأن عليه تنظيف جنزير جرافته مما علق به من بقايا آدمية.
لم يذكر هذا التقرير المريض شيئًا عن المليوني غزي الذين يموتون حرفيًا من الجوع، بلا طعام ولا ماء نظيف. تحدثوا فقط عن الجندي الذي أصبح يقرف من اللحم، بينما يتلذذ بأنواع الطعام الأخرى التي يشتهيها.
يتعاطف صحفي سي إن إن مع «مأساة» هذا الجندي الصهيوني المجرم قائلاً: «يا لهذا الأمر المحزن! تخيلوا، أطفال غزة وأشلاؤهم وجماجمهم حرموا هذا المسكين من أن يتناول شطيرة بيرغر، يضيف عليها قليلا من الكاتشاب والمايونيز والخردل ويستمتع بها مع مشروبه الغازي المفضل والبطاطا المقلية. تبا لأطفال غزة المجرمين!»
أتخيل خضوع هذا الجندي لعلاج مكثف على أيدي أمهر أطباء النفس، الذين يسهرون ليلًا ونهارًا ليعيدوه إلى الاستمتاع بشطائر البيرغر. وقد حاول أحد الأطباء الأذكياء تقديم البيرغر له تدريجيًا، فجلب له وجبة أطفال تحتوي على قطع دجاج مهروسة، لكن الجندي قال: «يَع! تذكرني أيضًا بأشلاء اللحم على جنزير جرافتي.» عندها كتب الطبيب في تقريره أن حالة هذا الجندي المسكين شديدة الصعوبة وخطيرة!
أما نحن، فقد تكون حالتنا أسوأ من حالة هذا الجندي؛ فقد حولنا لحوم أطفال غزة إلى شطائر بيرغر، نتناولها مع مشروبنا الغازي - دايت - مبتسمين ابتسامة بلهاء ونحن نشاهد أهلنا في غزة جوعى محاصرين أشلاؤهم مبعثرة هنا وهناك، بينما يتساقط الدهن على ذقوننا. نوجه اللوم لعامل التوصيل على تأخر طلبنا عشر دقائق، فأولادنا قد ماتوا من الجوع!
نمضي في حياتنا الرتيبة وآليات العدو تحول البشر الى لحم ممزق، فقد أصبحت أسنانا أكثر حدة وقلوبنا أشد قسوة.