الغد
" صفقة غزة تتداعى و" المرحلة الثانية" في مهب الريح".. و"هل يفلح تحالف نتنياهو ترامب في تصفير الملف الفلسطيني"؟
بهذه الكلمات يمكن الإحاطة بأجزاء كبيرة من تطورات الموقف فيما يخص الملف الفلسطيني منذ قيام الاحتلال، وحتى حرب غزة، وما آلت إليه الأمور، وتطورات الضفة الغربية التي لا تقل صعوبة عما جرى ويجري في القطاع.
فمن أطرف ما يقال في وصف " الحقبة الترامبية" التي بدأت قبل أسابيع أنها مجرد صفقة. وأن الملفات التي يتعاطى معها الرئيس ما هي إلا صفقات فرعية تصب في مجمل تصوراته التي وضعها على أجندته الممتدة على مدى أربع سنوات مقبلة.
هذا الوصف الذي أصبح متداولا في العديد من الأوساط السياسية، يستند إلى ما يشبه القناعة بأن ترامب لا يستطيع التعامل مع من مفردات الحكم إلا بأسلوب" الصفقات". معتمدا في تنفيذ الكثير منها على بعض شركاته التي زادت واحدة في ضوء شراكة مفترضة قد يكون أبرمها مع إيلون ماسك الذي حوله ترامب إلى واحد من فريقه الحكومي وأعطاه هامشا من الحركة يفوق حدود وزارته ويتجاوز تلك الحدود إلى أي مدى يندرج ضمن نطاق مغامراته حتى لو شكل ذلك قفزا على الحدود السياسية التي يفترض أن تتقاطع مع النشاط الاقتصادي للشريكين.
في التفاصيل، دخل الشريكان في إعادة هيكلة الكثير من مؤسسات الدولة ومنها مؤسسات أمنية وعسكرية، وسط قراءات قد تكون متطرفة بعض الشيء، لا تستبعد أن تمس التغييرات المستحدثة بنية الدولة من الداخل، وعلاقاتها الخارجية.
تلك القراءات المتداولة على نطاقات ضيقة معارضة لرؤية ترامب من داخل حزبه ومن أحزاب أخرى تتقاطع مع برنامجه، لا تستبعد أن تكون ممارسات الرئيس انتقامية، وأنها تستهدف كل من لم يناصره التشكيك في سلامة الانتخابات التي أقصته عن الحكم والتي جاءت بخصمه بايدن. كما تستهدف كل حقبة بايدن التي يحاول اسقاطها من تاريخ الدولة ومحو أي أثر لها.
وأبعد من ذلك، فإن تلك" النقمة" تمتد عالميا لمخاصمة كل دولة لم تتعاطف معه فيما يعتقد انها أزمته التي اقصته عن الحكم.
" الصفقات الترامبية" لم تتوقف عند الداخل الأميركي، بل تعدتها إلى الخارج. من ذلك، " صفقة غزة" التي أعلن عنها وبدا وكأنه مقتنعا بضرورة تنفيذها، بحيث يستولي على قطاع غزة، ويهجر سكانه إلى دول الجوار" الأردن ومصر"، قبل أن يبدأ عملية تطويره كمنطقة جذب استثماري وسياحي، يسهم في " حل مزعوم" للقضية الفلسطينية. وهو بذلك يرى أن تلك الخطوة قد تمتد إلى باقي مناطق الضفة الغربية لتكون دولة إسرائيل. و" حلا مزعوما" للقضية الفلسطينية. ومنها ضم كندا لتصبح الولاية رقم 51، والسيطرة على قناة بنما، وغير ذلك من أفكار يرفضها العالم ويجمع المتابعون على وصفها بالاستعمارية.
ويبدو أن كل ذلك قد حرك مفاصل الدولة العميقة التي يعتقد أركانها بأنها باتت مستهدفة، وان ما يجري سيكون له تأثير سلبي على قوة الدولة، وسط تسريبات بأن استمرار تلك الإجراءات من شأنه أن يدفعها إلى التدخل.
في موضوع القضية الفلسطينية بدا واضحا أن ما أحرز من تقدم نسبي على مدى العقود التي أعقبت قيام الكيان الإسرائيلي أصبح على وشك الانهيار وأن الملف بمجمله أصبح على حافة الصفر من جديد.
فكل القرارات الأممية، بما فيها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وكافة الاتفاقات التي أبرمت بين إسرائيل والدول العربية لم تعد ذات قيمة في ضوء التنكر الإسرائيلي والأميركي لها.
فالانحياز الى الجانب الإسرائيلي بلغ مداه، في تخطي كافة مفردات الشرعية الدولية، والمنظومة الإنسانية. ويبدو أن قدوم الرئيس الأميركي ترامب في فترة حكمه الثانية قد قلب الكثير من الموازين إلى الدرجة التي لم يعد يعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وطرح أفكارا تتقاطع مع كل الثوابت التي تحكم الملف، وتستند إلى الشرعية الدولية، وتتخطى حدود الانحياز المتعارف عليه لصالح الكيان الإسرائيلي.
فالانحياز لإسرائيل كان معروفا، لكنه لم يصل الى تشريع عملية التهجير القسري وتفريغ قطاع غزة من سكانه. كما لم يصل إلى مستوى احتلال القطاع ـ بطريقة أو بأخرىـ من قبل الولايات المتحدة، أو السطو عليه من قبل شركة للتطوير العقاري يمتلكها ترامب نفسه، والإعلان عن إعادة اعمارها كمنتجع جذب للسياحة والاستثمار، ولعب القمار.
ولم يصل إلى حد تهديد دول بعينها من أجل استقبال سكان القطاع وإبقاء الباب مفتوحا أمام استقبال آخرين من مناطق أخرى. ومقايضة تلك الدول بما تحصل عليه من مساعدات وما بين الطرفين من اتفاقات. ومحاولة حشر تلك الدول في زوايا ضيقة من أجل مباركة ما في ذهن ترامب من مشاريع تغير وجه المنطقة وتلغي حقوق شعب بأكمله. وتتجرأ على حقوق شعوب العالم بسن ضوابط جديدة لا علاقة لها بالشرعية الدولية.
الرفض لـ" صفقة غزة" التي عرضها الرئيس ترامب، لم يتوقف عند غالبية دول العالم. بل تعدته إلى الداخل الأميركي. ولم تتوقف العملية عند رفض الحزب الديمقراطي وغيره من الأحزاب والجمعيات العاملة على الساحة الأميركية فقط، بل تعدتها إلى الحزب الجمهوري نفسه، الذي تشير التسريبات إلى أنه بدأ بالتململ، والإعراب عن تشكيكه بإمكانية تحقيق ذلك" الحلم الترامبي"، والذي يشاركه فيه مسؤولون إسرائيليون، وبعض التنظيمات اليمينية المتطرفة.
ورفضت الدول المعنية" المتضررة" المشروع جملة وتفصيلا، واعتبرته إعلان حرب ضدها يتجاوز التهديد بقطع المساعدات وإلغاء الكثير من الاتفاقات معها. حيث أعلن الملك والرئيس المصري رفضهما القاطع لعملية التهجير ووصفاها بالتطهير العرقي ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية. وربطت السعودية عملية التطبيع بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
بالتوازي، تصاعدت حدة الأزمة بين حماس وإسرائيل على أنقاض عملية التبادل التي يفترض أن تفضي إلى وقف لإطلاق النار تنفيذا لاتفاق جرى التوقيع عليه بوساطة أميركية مصرية قطرية. فقد أدى التلكؤ الإسرائيلي الى تعطيل الاتفاق وحدوث انتهاكات هددت الاتفاق كاملا. ما حدا بالمقاومة الى التلويح بوقفه، وتدخل الرئيس ترامب لتجديد تهديده بتحويل غزة الى جحيم. ما يعني أن مستقبل الاتفاق ما يزال غامضا. وما يعزز القناعة بأن الملف بمجمله على حافة التصفير. وما يزال مستقبل المنطقة بأكملها غامضا. حيث يتمسك تحالف ترامب نتنياهو بموقفه المتطرف المرفوض أمميا. وتتمسك دول المنطقة والعالم بحقها في رفض التعنت الترامبي المتطرف.
وتبقى الكرة في مرمى مفاصل الدولة العميقة .. فهل ستتحرك لوقف المأساة؟
سؤال برسم الإجابة.