الدستور
تجدد العدوان الإسرائيلي على غزة ليلة الثلاثاء يهدف – جزئياً- إلى ابتزاز حركة حماس سياسياً من أجل الموافقة على مقترح المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، بإطلاق العديد من الأسرى، وإذا كانت المعلومات والتسريبات حول المفاوضات متباينة، فإنّ ما هو واضح أنّ بنيامين نتنياهو لم يتوقف عن التفاوض، لكنّه يريد استخدام «التدمير» كوسيلة لتغيير مواقف الحركة.
السؤال المهم الآن هو: ما الذي يمكن أن يحدث لاحقاً؟! هل ستتجدد الحرب ونعود إلى «المربع صفر» أم سيكون هنالك اختراق في المفاوضات الجارية وصولاً إلى وقف أطول لإطلاق النار؟! المعطيات إلى الآن أنّ ما يمنع إلى الانتقال إلى المراحل اللاحقة المتفق عليها سابقاً، خلال مرحلة الرئيس جو بايدين، هو عدم وجود توافق بين حركة حماس والإسرائيليين، وبدرجة أوسع ما بين أميركا والدول العربية حول ما يسمى «اليوم التالي للحرب»، فإسرائيل لا تريد الوصول إلى اتفاق طويل الأمدّ إلاّ بعد حسم مصير حركة حماس، ولا تزال تتمسّك بمقترح الرئيس ترامب، أي تهجير الفلسطينيين، وتسير باتجاه تحقيق ذلك على أرض الواقع، بينما العرب لا يزالون يتمسكون برفض التهجير وقدموا مقترحاً بديلاً تماطل الإدارة الأميركية في التعامل معه، وهذه المماطلة بحد ذاتها تحمل أبعاداً ودلالات سياسية فيما يتعلّق بعامل الوقت، وتغيير الوقائع على الأرض.
نقطة الضعف الرئيسية في الموقف العربي واضحة للعيان وتتمثّل في عدم وجود بديل أو خيار استراتيجي للتعامل مع عدم قبول الخطة المطروحة، مما يحدث فراغاً استراتيجياً في المشروع أو الخيارات العربية في التعامل مع السيناريوهات والتوقعات الأخرى، بخاصة مع وجود تماهٍ كامل بين اليمين الإسرائيلي، الذي بات أكثر قوة في الداخل الإسرائيلي وفريق ترامب اليميني؟! قد يكون الجواب على ذلك بأنّ العرب أعلنوا وصرّحوا أنّهم لن يقبلوا استقبال اللاجئين والمهجّرين الفلسطينيين، وهو جواب جيد من ناحية، لكنّه سلبي من ناحيةٍ أخرى، لأنّه قد لا يقدم ولا يؤخر في موازين القوى على أرض الواقع، أو فيما لو طرح ترامب دولاً أخرى للتهجير أو استمرت الحالة القائمة إلى مرحلة أطول، وبالتالي وُضع أهل غزة تحت ظروف إنسانية قهرية لا ترحم؟!
على الجهة الأخرى تدرك حركة حماس الاختلال الكبير في موازين القوى وخطورة استئناف القتال، ولم يتبقّ بيد الحركة من أوراق إلاّ العدد المحدود من الأسرى حالياً، وتعمل على عدم التفريط فيهم لضمان وقف طويل لإطلاق النار، وبالرغم من أنّ التصريحات والمواقف الصادرة عن الحركة وقيادييها تظهر قدراً كبيراً من الاختلاف والتباين في أوساطها في التعامل مع المرحلة الراهنة والقادمة، إلاّ أنّ الحركة أبدت مرونة كبيرة في التعامل مع المتغيرات، وتشي بعد التسريبات من لقاءات آدم بولر (مبعوث ترامب للأسرى الذي فاوض حركة حماس في الدوحة، وعزله ترامب نتيجة تصريحاته التي استفزت الحكومة الإسرائيلية ويمينيي ترامب) بأنّ الحركة قدّمت خطاباً مرناً للغاية بأنّها مستعدة لهدنة طويلة المدى، تصل إلى عشرة أعوام، وبالتخلي عن العمل السياسي والعسكري خلال هذه المدة، والقبول بحكومة فلسطينية تكنوقراطية..الخ.
إذا تجاوزنا المستوى الجزئي إلى الكلي للمشهد فإنّ ما هو مطروح إسرائيليا- أميركيا بعيد كل البعد عن موقف حماس وحتى الدول العربية، فنتنياهو لا يريد غزة محررة بالكامل مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، هو يريد إنهاء فكرة الدولة تماماً، وإلغاء أي إمكانية لها، مضى في هذا المسار خطوات كبيرة لن يتراجع عنها، فالمشكلة ليست فقط في حماس بل حتى في السلطة الفلسطينية، ويرى نفسه منتصراً لديه فائض من القوة والشعور بالغلبة، وموضوع سلاح حركة حماس هو اسم حركي لما هو أعمق من ذلك، فالحركة – غالباً لم تعد تمتلك إلاّ الأسلحة الخفيفة عموماً- إنما يريد «تغييراً ثقافياً» وتكريس مفاهيم جديدة تقوم على استبعاد مفهوم المقاومة وإلغائه بالكلية، وإنهاء مصطلح الدولة الفلسطينية ووضع تصورات جديدة للأمن الإقليمي، هذه هي الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تقود سياسات الحكومة الإسرائيلية ليس فقط في غزة، بل في الضفة والقدس وسورية وجنوب لبنان وربما لاحقاً مع العراق وإيران..