الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
تشارلز بيرسون* - (كاونتربنش) 29/5/2025
يصف مايك هاكابي نفسه بأنه "صهيوني صرف، غير نادم ولا مُنقّح": صهيوني مسيحي. ويؤمن الصهاينة المسيحيون -الذين يتراوح عددهم في الولايات المتحدة بين 20 و50 مليونًا- بأن الله منح "الأرض المقدسة" لليهود -ولليهود وحدهم.
تدرس إيرلندا الآن تشريعًا، "مشروع قانون الأراضي المحتلة" OTB، الذي سيحظر استيراد البضائع القادمة من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتشير شبكة (سي.إن. إن) إلى أنه: "في حال تم إقراره، سيجعل مشروع القانون الإيرلندي من إيرلندا أول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تحظر استيراد البضائع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية المُقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ولم يكن مايك هاكابي، السفير الأميركي لدى إسرائيل، لينام على هذه الإهانة. ولذلك، في 15 تموز (يوليو)، لجأ هاكابي إلى منصة "إكس" (المعروفة سابقًا باسم "تويتر")، ليرسل بعض الكلمات غير الدبلوماسية للإيرلنديين:
"هل وقع الإيرلنديون في حوض من جعة ’غينيس‘(1) واقترحوا شيئًا غبيًا جدًا إلى درجة أنه يمكن اعتباره فعلًا من أفعال ’السكر الدبلوماسي‘؟ هذا شيء سيلحق الضرر بالعرب بقدر ما سيلحق بالإسرائيليين. استيقظي من سكرك يا إيرلندا! اتصلي بوزارة الخارجية الإسرائيلية وقولي إنك آسفة"!
سفير السماء
اختار الرئيس دونالد ترامب هاكابي ليكون سفير الولايات المتحدة إلى إسرائيل بعد فترة قصيرة من إعادة انتخابه. وكان هاكابي، البالغ من العمر 70 عامًا، قد ارتدى الكثير من القبعات خلال مسيرته الطويلة: من بينها حاكم أركنساس؛ ومقدّم برامج حوارية؛ وطامح جمهوري فاشل إلى الرئاسة.
كما أن هاكابي أيضًا واعظ مُرسَم في الكنيسة المعمدانية الجنوبية. وبمعنى من المعاني، لم يترك هاكابي منبر الوعظ أبدًا. وتقوم دبلوماسيته على قراءة أصولية للكتاب المقدس. وهو ما يفسر دعمه غير المحدود لدولة إسرائيل.
في حلقة 6 كانون الأول (ديسمبر) 2024 من برنامج "عرض الحقيقة والحرية" Truth and Liberty Show، أعلن هاكابي أن الله بارك إسرائيل؛ ويعني ذلك أن من يحتجّ ضد إسرائيل "يكره الله". ويقول هاكابي: "إذا كان المرء هو الشيطان، فإن هدفه سيكون تدمير ما يحبه الله. وهذا هو السبب في أننا نرى ما نراه، ومحاولة تفسيره بأي طريقة أخرى لن يكون لها معنى أبدًا".
من الآمن القول إن تعيين هاكابي كان مكافأة الرئيس ترامب للنسبة الهائلة البالغة 80 في المائة من الإنجيليين البيض الذين منحوا له أصواتهم في انتخابات العام 2024. ويصف "هاك" نفسه بأنه "صهيوني صرف، غير نادم ولا مُنقّح": صهيوني مسيحي. والصهاينة المسيحيون -الذين يتراوح عددهم في الولايات المتحدة بين 20 و50 مليونًا- يعتقدون بأن الله منح الأرض المقدسة لليهود -ولليهود وحدهم.
يستعد الصهاينة المسيحيون للمجيء الثاني للمسيح، وهو ما يتوقعون حدوثه في أي يوم الآن. وقد بدأ العد التنازلي لعودة المسيح عند إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948، كما يعتقدون. وينتظر الصهاينة، سواء كانوا مسيحيين أم يهودًا، الآن بناء "الهيكل الثالث" على جبل الهيكل في القدس. ولا يمكن أن يحدث ذلك من دون أن تقوم إسرائيل بهدم المسجد الأقصى؛ أحد أقدس مواقع الإسلام. وسيؤدي تدمير المسجد على الأرجح إلى نشوب معركة هرمجدون نووية شاملة، وهو احتمال يرحب به الصهاينة المسيحيون.
وماذا عن الفلسطينيين؟ لا مكان للفلسطينيين في المخطط الإلهي. ولكن لا تقلقوا: بحسب "هاك"، "ليس هناك في الحقيقة شيء اسمه فلسطيني". (بالمناسبة: يقول فلاديمير بوتين الشيء نفسه عن الأوكرانيين). وقال هاكابي في العام 2017 إنه "لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية. إنها يهودا والسامرة. ولا يوجد شيء اسمه مستوطنة؛ إنها مجتمعات، إنها أحياء، إنها مدن. لا يوجد شيء اسمه احتلال".
وقال هاكابي في العام 2015 إنه إذا ما تم إنشاء دولة فلسطينية، فإنها يجب أن تكون في دولة مسلمة مجاورة مثل مصر، أو سورية، أو الأردن -أو فرنسا. في 25 تموز (يوليو) من هذا العام، أضاف هاكابي فرنسا إلى القائمة من باب السخرية، بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف بدولة فلسطين في أيلول (سبتمبر).
سوف يتطلب الأمر معجزة حقيقية لإنشاء دولة فلسطينية. ثمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يعارض بشدة قيام دولة فلسطينية. ويقول نتنياهو إن الدولة الفلسطينية ستكون "منصة انطلاق لتدمير إسرائيل".
وثمة مسؤولون آخرون رفيعو المستوى في الحكومة الإسرائيلية ينطوون على القدر نفسه من الحزم في معارضتهم لقيام دولة فلسطينية. في 14 آب (أغسطس)، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بئيلزبوب بتسلئيل سموتريتش، أنه سيبدأ في غضون بضعة أشهر العمل على مشروع استيطاني ضخم في الضفة الغربية المحتلة تنفذه إسرائيل، وسيتألف من نحو 3.400 وحدة سكنية. وسوف تقسم المستوطنة الجديدة، المسمّاة "إي -1" الضفة الغربية إلى نصفين، مما يجعل قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا أمرًا شبه مستحيل. ويقول سموتريتش إن المستوطنة الجديدة "تدفن فكرة الدولة الفلسطينية"، ويصف "إي-1" بأنها ستمثل "الصهيونية في أبهى صورها". وقد منحت الولايات المتحدة موافقتها الضمنية على المشروع.
ويقول "هاك" الودود المتفاني إن المستوطنة الجديدة "لا تنتهك القانون الدولي" (محكمة العدل الدولية تختلف معه). ويقول السفير هاكابي إن القرار بشأن بناء مستوطنة "إي-1" سيُترك لإسرائيل.
الله، الخبز، والإبادة الجماعية
يرفض هاكابي القول إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. وغرّد في 2 آب (أغسطس): "إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، فإنها سيئة حقًا في فعل ذلك.. تمامًا كما هي سيئة في الفصل العنصري".
أوه، لا أدري يا مايك. إسرائيل لم تقتل أو تُهجّر قسرًا جميع سكان غزة (بعد)، لكنها قتلت 60.000 شخص حتى الآن من دون أي أفق لنهاية.
أعلنت "منظمة العفو الدولية" أن "إسرائيل تنفذ حملة متعمدة للتجويع في قطاع غزة المحتل". ويشير تقرير صدر في 18 آب (أغسطس) عن مؤسسة "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي" (IPC)، ولأول مرة، إلى وجود مجاعة في بعض أجزاء غزة، والتي تؤثر مباشرة على نصف مليون شخص -أي نحو ربع سكان غزة في نهاية في العام 2024.
لكنّ الحكومة الإسرائيلية لا تتفق مع هذه التقديرات. في منشور على منصة "إكس" بتاريخ 22 آب (أغسطس)، هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تقرير "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي"، واصفًا إياه بأنه "كذبة صريحة"، وأضاف أن "إسرائيل ليس لديها سياسة تجويع. لدى إسرائيل سياسة منع التجويع".
ثمة العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها حتى يكون هناك أمل في إنهاء الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة؛ يجب أن توقف الولايات المتحدة شحنات أسلحتها إلى إسرائيل؛ يجب أن تتوقف إسرائيل عن منع وصول الوكالات الإنسانية إلى غزة؛ ويجب العودة إلى نظام توزيع الأغذية التابع للأمم المتحدة. في الوقت الحالي، تم استبدال وكالات الأمم المتحدة في غزة بما تُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي أنشأتها الولايات المتحدة وإسرائيل لتكون أداة لهما. وتدير هذه المؤسسة أربعة مراكز توزيع غذائي فقط؛ بينما كانت وكالات الأمم المتحدة تدير 400 مركز.
من أجل محبة الله، هل يمكن للولايات المتحدة أن تعيد النظر في تعيين مايك هاكابي وتستدعيه، من فضلكم؟
*تشارلز بيرسون Charles Pierson: محامٍ وعضو نشط في "ائتلاف بيتسبرغ لمناهضة الحروب بالطائرات المسيرة"؛ حيث يسهم في تنظيم فعاليات توعية مجتمعية تهدف إلى زيادة الوعي حول مخاطر هذه التكنولوجيا العسكرية، وتعزيز الحوار حول بدائل سلمية. يُعرف بمقالاته التحليلة التي تُنشر في مواقع مثل "كاونتربنش" و"شير بوست"، حيث يعبر عن مواقفه المناهضة للتدخلات العسكرية الأميركية، خاصة في الشرق الأوسط. وهو ملتزم بعمق بالعدالة الاجتماعية والبيئية، وبرؤية لمستقبل أكثر سلامة واستدامة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Mike Huckabee’s Faith-Based Diplomacy
هامش:
(1) يقصد هاكابي الإشارة إلى بيرة غينيس (Guinness) الإيرلندية الشهيرة عالميًا. وهي جعة داكنة، سوداء تقريبًا بدأ تصنيعها في إيرلندا في العام 1759 آرثر غينيس Arthur Guinness.