الدستور
كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – حديث
لم أغب عن أي انتخابات منذ 1989، وكنت دائمًا أختار من يمثلني، إلا مرة واحدة حينما اخترت صديقًا وندمت.
خطر لي مؤخرًا، وبتأييد بعض الأصدقاء، أن المشاركة في الانتخابات بلا جدوى، فالمجالس لم تقدم شيئًا وصوتي لن يغير شيئًا.
بعد التفكير مليًا، قررت أن أشارك في الانتخابات وأدلي بصوتي، لأن غيابي يعني:
1.عدم المشاركة يعني غيابي عن التأثير في القرارات والسياسات التي تمس حياتنا.
2.إفساح المجال للأقلية لفرض قراراتها على الأغلبية.
3.المشاركة في الانتخابات جزء من مسؤولية المواطنة والمجتمع.
4.عدم المشاركة في الانتخابات يمنح المسؤولين شعورًا بقلة المحاسبة، مما قد يزيد الفساد وسوء الإدارة.
5.حتى لو لم يفز مرشحك أو الإيديولوجية التي تدعمها، فإن السياسيين قد يتخذون قرارات بناءً على نسبة التصويت وحجم التأييد، مما يجعل صوتك جزءًا من الرسالة.
6.الإيديولوجيا التي تؤمن بها والمرشح الذي تدعمه لن يصلوا إلى البرلمان بدون تراكم الأصوات، فكل صوت يمكن أن يغير النتيجة.
القول بأن مجالس النواب لم تقدم شيئًا غير دقيق. فقد عدل المجلس الأخير قانون العفو العام ليشمل فئات أوسع، ورفض مجلس النواب في 2018 قانون ضريبة الدخل الذي استهدف زيادة الضرائب على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. كما صوت في 2020 ضد اتفاقية الغاز مع الصهاينة، وفي 2015 رفض تعديلات الحكومة على قانون الجرائم الإلكترونية التي كانت تقيد حرية التعبير، وتم تعديلها بما يتناسب مع الحريات العامة.
ولا ننسى رفض المجلس في 2019 تعديلات الحكومة على قانون المعلمين، خاصة فيما يتعلق بحقوقهم ومزاياهم، حيث دعم مطالب نقابة المعلمين. كما أقر المجلس قانون الموازنة لعام 2024 دون فرض أي زيادات ضريبية جديدة.
فلولا مجلس النواب، لتراجعت الحريات، ولَفقد المعلمون جزءًا من حقوقهم.
القول بأن مجلس النواب مجرد ديكور أو أن المعارضة غير مؤثرة هو أمر قابل للنقاش. فحتى مع محدودية تأثير المعارضة، فإن وجودها يعكس التعددية السياسية ويوفر منصة للتعبير عن الرأي. كما أن أدواتها الدستورية، مثل الاستجواب والمساءلة، تمنحها القدرة على التأثير بشكل تدريجي، من خلال زيادة الوعي العام ودفع الإصلاحات على المدى البعيد.
وطننا يواجه تحديات كبيرة، منها الصراع مع الصهاينة ومخططات تهجير أهلنا في فلسطين، ودعم أهلنا في غزة، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والمعيشية. سنشهد قرارات مهمة يتخذها مجلس النواب، فهل ستختار الامتناع عن أن تكون جزءًا منها؟ وإذا سُئلت: «ماذا قدمت لفلسطين أو للشباب العاطلين أو للفقراء؟» ستكون إجابتك: «شاركت بصوتي لإيصال من يتصدى لهذه القضايا.» هذا الجواب أفضل ألف مرة من أن تقول: «لم أقدم شيئًا، ولم أشارك سوى بمساعدة فردية أو بإرسال مال لغزة.» فالعمل المؤسسي الجماعي أعظم أثرًا من الجهد الفردي.
تخيل لو أنك شاركت في صناعة برلمان عام 1957، البرلمان الذي ألغى المعاهدة البريطانية الأردنية، ممهدًا لاستقلال الأردن عن النفوذ البريطاني وسيطرته على شؤونه الداخلية والخارجية. أو كنت جزءًا من البرلمان الذي أقر قانون الدفاع لمواجهة جائحة كورونا، مما جعلنا نموذجًا ناجحًا في التصدي للجائحة. إلى جانب قوانين هامة أخرى، كقانون الإصلاحات الدستورية لعام 2011، الذي نظم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وزاد من صلاحيات البرلمان في المساءلة والرقابة على الحكومة.
صوتك مهم، ومشاركتك قد تكون حاسمة لوطنك. عزوفك عن التصويت قد يؤدي إلى نتائج كارثية. على سبيل المثال، وصول هتلر إلى الحكم كان بعد نسبة مشاركة انتخابية ضعيفة، مما أتاح لحزبه الفوز بمقاعد كثيرة، ودفعَت ألمانيا ثمنًا باهظًا لذلك لاحقًا. أيضًا، أحد أسباب الحرب الأهلية الجزائرية كان مقاطعة الأحزاب للانتخابات التشريعية عام 1991، ما أدى إلى مشاركة ضعيفة وانتصار كبير للجبهة الإسلامية للإنقاذ. دفع ذلك الجيش لإلغاء الانتخابات، ما أشعل حربًا أهلية استمرت عقدًا وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف. وكم من نظام سلطوي ترسخ بسبب ضعف المشاركة، مما أدى إلى حكم قمعي قيد الحريات وأعاد البلاد إلى الاستبداد.
قد أتفهم امتناع الشخص عن التصويت في بلد قمعي كنوع من الاعتراض السلبي، ولكننا في الأردن نتمتع بقدر كبير من الحرية. لم يسجل في تاريخنا أن شخصًا دفع حياته لمعارضته، بل إن بعض المعارضين وصلوا إلى مناصب رفيعة وأسهموا في خدمة الوطن. وأظهرت لنا أحداث طوفان الأقصى أن حرية التعبير لدينا تفوق دولًا تدّعي أنها معاقل الديمقراطية، والتي تعاملت بوحشية مع المتظاهرين. كما اتضح أن إعلامنا أكثر حرية من الإعلام الغربي الذي يخدم الإمبريالية، وأن قيم العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يروجون لها ما هي إلا كذبة باتت مكشوفة للجميع.
سأذهب اليوم لأدلي بصوتي لمن يستحقه، مفوضًا إياه لخدمة وطننا وقضايا أمتنا، وسأكون، بإذن الله، جزءًا من استمرار قصة نجاح هذا الوطن.