الغد-رشا كناكرية
شغف سعد عبد الرحمن (19 عاما)، بالقراءة، يربطه بجهازه اللوحي الذي يحمل بين طياته عوالم جديدة ومشوقة. يوميا، ينتقل سعد بين صفحات كتب بمواضيع متنوعة مثل الثقافة، الحضارة، التاريخ والأدب.
ويوضح سعد أنه من محبي القراءة الرقمية، إذ أتاحت له فرصة استكشاف مختلف المواضيع وهو في مكانه، مشيرا إلى أن سرعة الوصول، توفر المحتوى، وإمكانية التنقل هي ميزات جذبته للقراءة الرقمية، وجعلتها جزءا لا يتجزأ من حياته اليومية.
يشير سعد إلى أن الكتاب الرقمي قد تجاوز الحدود، مما أتاح للجميع فرصة قراءة ما يحبون أينما كانوا. ويعزو ذلك إلى التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم. ورغم أن البعض يرى وجود فرق كبير بين القراءة الورقية والرقمية، إلا أنه يؤمن بأن لكل شخص شغفه الخاص، الذي يعبر عنه بالطريقة التي تناسبه.
حب عبير (26 عاما) للقراءة مرتبط بشدة بوجود الكتاب الورقي بين يديها، وتقول: "ملمس الورق وتقليب الصفحات والعزلة التي أعيشها مع الكتاب هي المتعة الحقيقية للقراءة". وتعرب عبير عن عدم اقتناعها بالقراءة الرقمية.
تركيز عبير يكون أعلى عندما تقرأ من الكتاب الورقي التقليدي، مشيرة إلى أنها جربت قراءة بعض الكتب رقميا، لكنها شعرت بتشتت في التفكير. ورغم أن الكتب الرقمية توفر خيارات متنوعة، إلا أنها لم تجد فيها المتعة التي يوفرها الكتاب الورقي.
اليوم بات الكتاب الرقمي مصدرا للمعرفة والمعلومات يهيمن وبقوة على جميع الأعمار من دون استثناء تماشيا مع تطورات الحياة المعاصرة، إذ سهل العالم الرقمي القراءة الرقمية، سواء بنقلها أو بتحميلها أو الوصول إليها، وفي الوقت ذاته، نرى تمسك محبي القراءة بالكتب الورقية التي تأسرهم تفاصيل تقليب صفحات الكتاب.
ومن أهم القضايا التي ينبغي استكشافها ما إذا كان أفراد الجيل المقبل قد يتعلمون بطريقة مختلفة، إذ إن القراءة من الشاشة تتطلب استراتيجيات مختلفة عن القراءة من الكتب الورقية، فالشاشة ليست كتابا بديلا لكنها منظومة تتيح القراءة التشعبية، وربما تغير الطريقة التي نفكر بها.
ومن الجانب التربوي، يبين الدكتور عايش نوايسة أنه لا بديل عن الكتاب، لأن الكتاب دائما يقدم للفرد المعلومات بصورة شمولية بعيدا عن أي تأثيرات أو مؤثرات خارجية.
ويوضح نوايسة أن الفرد على منصات التواصل الاجتماعي "السوشال ميديا" عند استخدام الجهاز اللوحي أمامه خيارات ومنحنيات أخرى ومؤثرات يمكن أن يقرأ صفحة وأخرى لا، بالتالي لديه مغريات أخرى قد تشتته، على عكس الكتاب الذي ليس لديه ارتباط بأي مؤثر آخر، وبالتالي يكون الفرد أكثر التصاقا به. ويشير نوايسة إلى أننا اليوم نعيش في عصر حيث جميع الكتب متاحة بصورة رقمية، مما يتيح لنا إمكانية قراءة الكتاب نفسه سواء ورقيا أو رقميا.
ويوضح أن الفرق بين الاثنين يكمن في أن القراءة الورقية تمنح تجربة خالية من أي تأثيرات خارجية، بينما تتيح القراءة الرقمية للفرد تعديل التجربة وفقا لاحتياجاته، مثل اختيار حجم الخط المناسب أو ضبط الإضاءة لتكون متوسطة أو خافتة، مما يجعلها تجربة أكثر مرونة. ووفقا لذلك، فإن هذه المميزات تستدعي توجيه الطفل نحو كيفية القراءة إلكترونيا، لأنها تتطلب مهارات وطرقا واستراتيجيات خاصة. فالقراءة الإلكترونية لها تأثير مختلف على شخصية الطفل تختلف عن القراءة الورقية.
وبحسب نوايسة، يتعلم الطفل اليوم من خلال الذكاء المتعدد، مما يعني أنه يستخدم جميع حواسه، مثل البصر والسمع. في الوقت الحاضر، يعتمد الأفراد على الذكاء المتعدد والوسائل التقنية للتعلم باستخدام أنماط متنوعة، لأن كل شخص لديه طريقة معينة يفهم ويتعلم بها. لذلك، من المهم أن يقدم للطفل المحتوى التعليمي بالطريقة التي يفضلها، وفقا لمرحلته العمرية والنمائية، لضمان وصول المعلومة بطريقة أفضل.
ووفق نوايسة "اعتدنا أن نقرأ رقميا، وهذا مرتبط بحياتنا التي أصبح العالم الرقمي جزءا منها". ويؤكد أن الأصل ألا نفقد الشغف بقراءة الكتب ورقيا، مبينا أنه اليوم ليس هنالك حاجة إلى أن تكون لديك مكتبة بحجم المكتبات الكبيرة التي كانت قديما، فاليوم تكون مكتبة واحدة لجميع الكتب على هاتفك الذكي، ولكن يجب أن يكون هناك ضوابط معينة للقراءة للأطفال عبر التحفيز.
ويلفت نوايسة إلى أنه يمكننا تعليم الطفل القراءة الرقمية بطريقة موجهة تربويا، مما يحقق هدفين أساسيين. أولا، يغذي هذا الأسلوب اتجاهات إيجابية نحو المحتوى الإيجابي ويعلم الطفل كيفية التعامل معه بشكل صحيح. ثانيا، يساعد في توجيه استخدام التقنية في حياة الطفل، باعتبارها جزءا أساسيا من حياته وحياتنا جميعا، ولا يمكن الاستغناء عنها.
وأوضح الروائي الأردني محمد السناجلة، أن القراءة الرقمية والنشر الإلكتروني والمكتبات الرقمية قد وفرت المعرفة والكتب لجميع الناس، على عكس ما كان عليه الحال في الماضي، حيث كان يتم طباعة الكتاب بعدد محدود يتراوح بين ألف وثلاثة آلاف نسخة فقط. هذا يعني أن الكتاب، في أفضل الأحوال، كان يصل إلى ثلاثة آلاف شخص فقط.
ويضيف أن الكتاب الرقمي قادر على الوصول الى ملايين الأشخاص بمختلف أنحاء العالم وبلا نهاية، فهو موجود ومتاح للجميع، ومثال عليه روايته الرقمية "ظلال العاشق" التي وصل عدد قرائها لغاية الآن إلى أكثر من مليوني قارئ.
ويشير السناجلة إلى أنه من خلال جهازه اللوحي "الايباد"، استطاع قراءة كتاب قصة الحضارة الذي يضم 11 جزءا، وكل جزء 400 صفحة قرأه كاملا على الانترنت وغيره من الكتب.
بذلك، يبين أن هنالك ملايين الكتب عبر الانترنت متاحة للقراءة ولجميع أطياف البشر في مختلف أنحاء العالم وعلى مدار الساعة الى ما لا نهاية، وهذا هو الفرق بين كل من القراءة التقليدية والرقمية.
ويشير السناجلة إلى أن البعض يقول إنه لا يستطيع القراءة إلا من خلال كتاب ورقي، وهذه نوعية من الناس تقرأ بهذه الطريقة، ولكن الأجيال الجديدة تقرأ عبر الانترنت والشاشات، مؤكدا بذلك أن مستقبل القراءة والكتابة هو عبر الشاشات، من وجهة نظره.
والفرد له حرية الاختيار بالقراءة الرقمية، مبينا أن القراءة التفاعلية تختلف عن طبيعة القراءة الورقية، لتكون الخيارات بذلك عديدة ومتاحة وغير محدودة.
ويؤكد بذلك أن المستقبل للكتاب الرقمي والقراءة الرقمية، ويقول "نحن الآن في عصر الثورة الصناعية والذكاء الاصطناعي، فتأثيرها يشمل جميع مناحي الحياة".
ويبين السناجلة أن الهاتف الذكي هو إحدى أدوات القراءة الحديثة، حيث يستخدم الفرد من خلاله البريد الإلكتروني، و"فيسبوك"، و"إنستغرام"، وغيرها من المنصات الرقمية. كل هذه الأنشطة تعد قراءة رقمية. في الوقت الحاضر، عندما نبحث عن معلومات أو عن كتاب معين، فإننا نتجه أولاً إلى محركات البحث، التي تعد المحطة الأولى والفورية للحصول على الحقائق أو لمعرفة المزيد حول موضوع ما.
ويذكر السناجلة أنه قبل انتشار الكتاب المطبوع، كان هناك ما يعرف بالكتاب المنسوخ الذي كان ينسخه "الوراقون"، الذين كانوا يتواجدون في شوارع وأحياء القاهرة وبغداد. لكن عندما جاء نابليون إلى العالم العربي ومعه الطابعة، أصبحت هناك معارضة للكتاب المطبوع، حيث كان الناس يتساءلون: "كيف سنقرأ كتابا مطبوعا وقد اعتدنا خط الرقعة والكوفي ورائحة الحبر في الورق؟"، ولكن الآن، أين الوراقين؟
ويختتم السناجلة حديثه بالإشارة إلى أن البعض يقول إن متعة القراءة تكمن في رائحة الورق، وفي لمس الصفحات باليد، وفي الجلوس مع الكتاب في أي مكان. ومع ذلك، يوضح أنه يمكن أيضا من خلال الجهاز اللوحي اختيار مستوى الإضاءة المناسب، وطريقة القراءة التي تفضلها، والقراءة في أي مكان في العالم. ويؤكد بذلك أن المسألة تتعلق بأن لكل زمان أدواته.