عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Oct-2025

لي ميلر.. مسيرة فنية مذهلة وجريئة

 الدستور

شارلوت جانسن
ترجمة: رمزي ناري
عرض جديد طال انتظاره يعرض أعمال لي ميلر الرائعة، بعد العديد من المنعطفات المدهشة في حياتها ومسيرتها الفنية – من عملها غير المعترف به.
بعزم لا يُبرر بالأسف، وإبداع لا يُضاهى، يُعد معرض المصورة الأمريكية الراحلة لي ميلر الجديد والضخم، هو الأكثر شمولًا لأعمالها في المملكة المتحدة. إنه سردٌ مستحق لفنانة استثنائية شهدت مسيرتها الفنية المليئة بالتحولات المدهشة العديد من التقلبات: من فتاة غلاف مجلة فوغ إلى مصورة فوتوغرافية لها؛ ومن مصدر إلهام للسرياليين، إلى رائدة في هذه الحركة؛ ومن مصورة بورتريه تجارية إلى مصورة حربية.
يضم المعرض بعضًا من أشهر أعمال ميلر، بما في ذلك صورتها الشخصية الشهيرة في حوض استحمام هتلر، حيث تناثرت أحذيتها – الملطخة بالطين من معسكر الاعتقال داخاو – بشكل رمزي على الأرض. يُرسخ المعرض إحساسًا بطاقة ميلر المذهلة، والمحمومة أحيانًا، تلك التي كانت تميّز ميلر، التي كانت تجيد تصوير القبعات العصرية الأنيقة، كما كانت تصور النازيين الذين انتحروا. ومع ذلك، كما تتغيّر مواضيع أعمالها بشكل مفاجئ على مر العقود، تتأرجح بين التفاهة والدمار، فإنها لا تُثير الجدل أبدًا ولا تخلو من الملل.
أدركت ميلر بشكل عميق الطبيعة الشائكة للجمال. دون الإشارة إلى الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له في طفولتها، ولا الإشارة إلا بشكل عابر إلى حقيقة أن والدها، الذي كان مصورًا هاويًا، بدأ باستخدامها كعارضة أزياء، أحيانًا عارية، منذ سن الثامنة. يبدأ المعرض بشكل قوي بصورة التقطتها ميلر لنفسها في جهاز تصوير فوتوماتون في عام 1927، وهي ترتدي قبعة كلوش الشهيرة التي ظهرت بها لاحقًا على غلاف مجلة فوغ.
من عارضة أزياء إلى مصورة:
تُسلط القاعة الأولى في المعرض الضوء على مسيرة ميلر القصيرة كعارضة أزياء، بما في ذلك صور لها من قبل إدوارد ستايشن، وأرنولد غينثي، وسيسيل بيتون. تندمج صورهم لميلر تدريجيًا في صورها الذاتية المتأثرة بالأسلوب التصويري، التي نُشر بعضها في مجلة فوغ، حيث تم الاعتراف بها كعارضة أزياء ومصورة في آن واحد.
يمكن القول إن علاقتها بمان راي غيّرت بشكل كبير مسار تاريخ الفن، على الرغم من أن مان راي سيُنسب إليه الفضل في ذلك. القاعة الرائعة المخصصة لعملهما المشترك بين عامي 1929 و1932 مليئة بالصور السريالية الحالمة والفخمة، وصورًا باهتة للأعناق والأجساد والأثداء، تتلاعب مع أفكار الخضوع والسلطة. في صورة ثلاثية، تُظهر الزوجين، ترتدي ميلر طوق BDSM (رمز الجنسانية والانعتاق والهيمنة) بينما يرتدي مان راي كنزة عميّة (كنزة العمّ الودود)، مما يوضح من يمتلك السلطة في العلاقة.
في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، أصبحت ميلر طباعة ماهرة وكانت في أوج تجاربها الفنية. يُنسب مثالٌ لما يُعتقد أنه أول استخدام فني لتقنية التشميس في التصوير الفوتوغرافي لميلر في هذا المعرض. تم تطوير هذه التقنية في أربيعينيات القرن التاسع عشر، حيث يتم تعريض السلبية للضوء للحظات أثناء المعالجة. كما يُنسب الفضل في أول استخدام فني لهذه التقنية للمصور مان راي، لكن هنا يبرز دور لي ميلر في صناعة تلك الصورة البارزة المُسماة: (أولوية المادة على الفكر «Primat de la Matière sur la Pensée»)، وهي طبعة عتيقة رائعة تُظهر جسدًا أنثويًا عاريًا، حيث يجعل تاثير التشميس الجسد يبدو وكأنه يتلاشى ويذوب مع خلفية الصورة، في تأثير غامض يُشبه الهالة. الجمال في هذه الصورة يستهلك نفسه.
صور الشارع الباريسية والتجريبية:
تُعد لقطاتها لشوارع باريس، التي تمثل ذروة السريالية في التصوير الفوتوغرافي، مليئة بتجريب لا مثيل له في زوايا الكاميرا، مما يخلق تحريفات في المنظورات ويعيد ترتيب الصور لزعزعة رؤى المشاهد. يخلف مثل هذا العمل تأثيرًا آسرًا. فقد وضعت ميلر قاموسها الخاص من الاستعارات والرموز السريالية، مع اهتمام دائم بالتماثيل: الثابتة، والجامدة والصامتة. ربما كان هذا هو الشيء الذي كانت تخشى أن تُصبح عليه أكثر من أي شيء آخر.
هناك أيضًا أعمال لم تُشاهد من قبل، بما في ذلك صور مثيرة للصحراء في مصر وسوريا، التي التقطتها أثناء إقامتها في القاهرة في ثلاثينيات القرن الماضي. وهناك صور فوتوغرافية مكتشفة حديثًا من زمن الحرب، مثل صورة لمغنية الأوبرا إرمجارد سيفريد، التقطت وهي تُؤدي أغان شائعة بين أنقاض دار أوبرا فيينا.
صور الحرب وواقعية ما بعد الحرب:
اقتربت ميلر من خطوط المواجهة قدر الإمكان، حيث صورت سحب النابالم المتصاعدة كالفطر، والعمليات الجراحية المؤقتة التي أجريت في حقول الألزاس الموحلة، والمباني المتصدعة أثناء الغارات الجوية. كما أن الصور التي التقطتها في معسكري الاعتقال بوخنفالد وداخاو، بعد أسابيع من تحريرهما في عام 1945، تم عرضها في قاعة منفصلة هنا. وهي من بين أكثر المشاهد إيلامًا، في القرن العشرين. ثمة صورة مقربة جدًا لوجه مهشم لأحد حراس قوات الأمن الألمانية الخاصة (SS)، تم ضربه بشدة على يد سجنائة السابقين، تم تصويرها بضوء فلاش ساطع وقاس، لا تعطي شعورًا كبيرًا بالانتقام أو العدالة.
التراجع عن التصوير والاهتمام بالطهي:
بعد ما شهدته في نهاية الحرب، تضاءل اهتمام ميلر بالتصوير الفوتوغرافي، وبدا هذا التراجع واضحًا في هذا المعرض. في القاعة الأخيرة، تُعرض بورتريهات لأصدقائها من الفنانين المشهورين؛ بيكاسو وميرو ومان راي ودوروثيا تانينغ. تفتقر هذه الصور إلى الإبداع المذهل التي ميّز صورها السابقة. ربما كان هذا الوسط الفني هو المكان الذي شعرت فيه ميلر بأكبر قدر من الراحة. بحلول الوقت الذي توفيت فيه عام 1977، كانت ميلر قد أخفت معظم أرشيفها في عليّة، موجّهة اهتمامها، في خطوة مفاجئة أخرى، إلى فنون الطهي. كانت ميلر فنانة متعددة الأوجه، لكن هذا المعرض، يُثبت أنها في نهاية المطاف كانت فنانة في المقام الأول.  
* لمقالة مترجمة عن صحيفة الغارديان البريطانية.
* شارلوت جانسن: صحافية وكاتبة متخصصة في التصوير الفوتوغرافي، تعمل لحساب صحيفة الغارديان.
* رمزي ناري: كاتب ومترجم ومصور عراقي يقيم في عمّان.