الدستور
يبدو أن مهمة رئيس مجلس النواب، مازن القاضي، لن تكون سهلة، منذ اللحظة الأولى لتوليه الموقع، بدأت «ماكينة» التحريض ضده بهجمة مباغتة وغير بريئة، كل ما قاله الرجل يتعلق بواجب انضباط الأردنيين، مواطنين ومسؤولين، على إيقاع حركة الدولة، لم يخطئ في ذلك أبداً، على ماذا ينضبط الأردنيون إذا لم تكن الدولة /دولتهم هي العنوان والمحرك والهدف، وإذا لم تكن حركتها هي البوصلة التي يلتزم بها الجميع؟ الأردنيون يفعلون ذلك تماماً، لكن البعض يريد من الأردنيين أن يضبطوا إيقاعهم على حركة أخرى، تنظيم او فصيل مثلاً، وكالة دولية للتمويل، قائد ملهم من خارج الحدود، لقد سمعنا ذلك، للأسف، وشاهدناه في شوارعنا أكثر من مرة، آنذاك تزاحمت الإشادات ولم يستنكر على هؤلاء أحدٌ.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل تعريف الدولة، أي دولة، فقهاء القانون الدستوري يفهمون ذلك أكثر مني، لكن لمصلحة من يضع البعض الأردنيين في دائرة الشك والصراع مع الدولة وكأنهم معزولون عنها، أو كأن المطلوب منهم ان «يتبرأوا « من الانتماء اليها، أو الدوران في فلكها، هذه ليست جملة معزولة تأتي للرد على تصريحات مسؤول، أياً كان، وإنما رواية تتبناها بعض التيارات السياسية التي تستند إلى مرجعيات لا تعترف بالدولة الوطنية، ولا ترى الأردن إلا وليداً تابعاً لسايكس بيكو، وهي دائما تبحث عن شرعيتها السياسية من نوافذ قضايا عابرة للحدود الوطنية، تغمض عيونها على كل خطأ أو خطيئة تتعلق بانتماءاتها وارتباطاتها، لكنها تفجُر بالصراخ والتجريح والنكران حين يكون الأردن هو الهدف المقصود.
القضية لا تتعلق بتصريح أو موقف، أو مأدبة غداء غاب عنها الإعلام، او بالتوافق على موقع رئاسة، وراء الحملة المبكرة، على ما يبدو، نيران صديقة من داخل المجلس، أشخاص فقدوا نفوذهم أو تكسرت طموحاتهم، وربما أطراف سياسية تبدو غير مرتاحة من التغيير تحت القبة، ومن الرسائل الخفية التي رافقته، وربما آخرون خرجوا من «المولد بل حمص»، بعد أن راهنوا على الاستمرار في لعبة المقايضة السياسية خلال المرحلة الماضية.
بصرف النظر عن هوية الفاعلين، وفيما إذا احتشدوا بقصد أو بدون قصد، وسواء كانوا ضد فكرة التغيير وبما تمثله من انتقال لمرحلة مختلفة، أو كانوا من فئة الخاسرين وفق حسبة المصالح الشخصية، فإن النتيجة (القُطبة المخفية) واحدة، وهي وضع العصيّ في دواليب مشروع الاستدارة للداخل الأردني، ومحاولة إجهاضه، وردع من يتبناه، ثم إعادة عقارب الساعة الأردنية إلى الوراء، حيث الأردن، كما يرون، ليس أولوية، وحيث مصيره مُعلق بمصير غيره، وعيونه يجب أن تتوجه دائما إلى خارج حدوده.
لا يخطر في بالي، أبداً، أن أدافع عن شخص أو موقع، مهما كان، مهمتي الوحيدة التي لا أتنازل عنها أن أدافع عن الدولة الأردنية، تاريخها ومواقفها، مصالحها وخياراتها، لقد اكتشفت، للأسف، أن ثمة من لا يعجبه ذلك، وأن المسألة ليست صدفة او مجرد ردود عابرة، ولا هي متعلقة بأفراد يعبرون عن رأيهم، وإنما حملة منظمة وراءها تيارات وتنظيمات سياسية، لها مليشيات إعلامية، لا تترك فرصة لنهش الأردن والإساءة إليه إلا اقتنصتها، ولا تسمع صوتاً لأردني حر ينحاز لبلده إلا ورشقته بسهام اتهاماتها، وحاولت زرع الأفخاخ في طريقه، وتشويه صورته بأي شكل من الأشكال، والأمثلة على ذلك اكثر من أن تُحصى أو تُعدّ.
في هذا الإطار، فقط، أفهم ما جرى لرئيس البرلمان، وما يحدث في سياق محاولات ضرب وعيّ الأردنيين على بلدهم، وإغراقهم في حالة الشكوى والانقسام والسواد العام، صحيح الانتقاد السياسي على مسطرة تقييم الأداء العام مطلوب وضروري، صحيح لا أحد مُحصّن من الخطأ، وفي مقدمة ذلك إدارات الدولة والمسؤولون عنها، لكن فرق كبير بين أن ننتقد لكي نُصحح، وبين أن ننتقد لكي نُشوّه ونهدم، فرق كبير بين أن نتعامل مع الأردن ومع مؤسساته كمرجعيات نحترمها ونعتز بها، وبين أن نضعه هدفاً للقصف العشوائي والانتقاص، نتبرأ منه -كما يفعل البعض - عند أول امتحان، أو نقفز من مقعده عند أول محطة نصل إليها، بناءً على رغبة كامنة في ركوب قطار آخر.. أي قطار.