"فلسطين في النثر العربي الحديث" لـ"النجاب".. 24 مقالا حول كتب إبداعية
الغد-عزيزة علي
صدر عن دار "الآن ناشرون وموزعون" كتاب بعنوان "فلسطين في النثر العربي" للكاتب والروائي رشيد عبد الرحمن النجاب، والذي يتضمن (24) مقالا حول كتب إبداعية قرأها المؤلف وتفاعل معها.
كتب الدكتور محمد جردات كلمة على غلاف الكتاب، يعبر فيها عن رأيه قائلا أن المؤلف يأخذنا من خلال هذا الكتاب في رحلة عبر الجغرافيا والديموغرافيا، والتاريخ، والسياسة، والأدب، والإبداع، ويقدم لونا جديدا من ألوان السيرة الذاتية المجبولة بمحطات في مشوار حافل بالتعب والجد والحلم، كما يحفز على الغوص في عوالمه المتنوعة.
وقال، "نتنقل مع هذه النصوص من مكانٍ إلى آخر، ومن حكاية إلى أخرى، ومن مرحلة إلى أخرى، وتصب كلها في تحفيز القارئ على البحث والمتابعة، وإرشاده إلى فضاءات سرعان ما يكتشف بأنها فريدة".
ويضيف جردات تشكّل هذه النصوص رحلة شيقة ورشيقة تلامس شغاف القلب، وتستفز الذاكرة والحلم، وتنقّب في محطات أدبية وسياسية وثقافية متنوعة، تحمل بصمات عدد من الأدباء والمفكرين، منهم: حنا مينه، محمود شقير، إلياس نصرالله، سميح مسعود، إبراهيم غبيش، مجدي دعيبس، سعاد العامري، فاروق وادي، باسم الزعبي، قاسم توفيق، صافي صافي، نجاتي صدقي، محمود الأطرش المغربي، نادية كامل، يوسف زيدان، عبد المجيد حمدان، إيمان يحيى، طارق قديس، حنا أبو حنا، سمير أديب، وباسم خندقجي.
من جهته، كتب أستاذ النقد الأدبي في جامعة فيلادلفيا، محمد عبيد الله، تقديم للكتاب يشير فيها إلى أن هذه القراءات الأدبية المتنوعة التي جمعها مؤلفها في كتاب واحد، تمثل لونًا طيبًا من التأليف الأدبي. هذا اللون يحمل بعض خيوط تجربة القراءة بوصفها تجربة ذاتية عميقة، تستدعي التفاعل بين النص والقارئ، فيغدو النص ملكًا للقارئ وجزءًا من عالمه. وتتجلّى بعض جوانب الجمال في مقدرة النصوص الأدبية المتفوقة على اتساع دلالتها ومداها، لتعبّر عن كاتب النص أولًا، لكنها لا تنغلق على هذه الدائرة، بل تتعداها للتعبير عن الآخرين. يظهر هذا في تجارب القراء والنقاد، إذ يكتشفون جزءًا من أنفسهم وتجاربهم في الكتب التي يطالعونها.
ويضيف عبيد الله أن نوعية هذه القراءات أقرب إلى الأدب الواقعي الحديث، الذي تتصل خلفياته بقضايا العدالة وقضايا العرب والشعوب الأخرى، أي الأدب الملتزم والمعبر عن القضايا العامة، حتى لو انطلق من تجارب تبدو ذاتية أو شخصية في ظاهرها. فالفرد ليس إلا مكوِّنًا من مكونات الحياة العامة، وحلقة من حلقات المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
يتابع فإذا كانت فلسطين هي قضية القضايا وأم البدايات والنهايات في مشاغلنا وحياتنا المعاصرة، فإنها كذلك في هذه القراءات التي يمكن أن نسميها قراءات فلسطينية، تبحث عن حضور فلسطين وعن بلاغة تجربتها وتجربة شعبها من خلال النتاجات الأدبية التي تقدم تاريخًا مختلفًا عن التاريخ الرسمي أو الاعتيادي.
ويقول عبيد الله إن النجاب اختار كتابات متنوعة تشترك معظمها في التعبير عن الهموم الفلسطينية بطرق مختلفة. وكان لفن السيرة الذاتية نصيب حسن من الحضور، وربما يعود ذلك إلى ما تقدمه السيرة من فرصة للارتباط المباشر بالمرجع الواقعي، وبإمكانية أن تكون شهادة على العصر وعلى ما تعرّضت له فلسطين بوجه خاص نتيجة عسف الاحتلال وما جرّه من نكبات وهزات ألقت بظلالها على حياة الإنسان الفلسطيني. وقد أدت هذه المعاناة إلى ألوان مبدعة من المقاومة والرفض ما زالت تتجدّد وتتوالد، أملا في تحرير الأرض والإنسان.
ويرى عبيد الله أنه إلى جانب السيرة الذاتية، نجد اهتمام المؤلف بكتابات نثرية لصيقة بها، مثل أدب الرحلة، ورواية السيرة الذاتية، وبعض كتابات الأسرى الفلسطينيين، بالإضافة إلى بعض الروايات الفلسطينية أو العربية ذات الصلة بأحداث تاريخية فلسطينية مهمة أو مؤثرة.
وبشكل عام، تدور هذه القراءات حول نماذج من النثر الأدبي الحديث المتصل بفلسطين، مما يبرز جانبًا حيويًا من حضور فلسطين الأدبي، ويعطينا دليلًا على ثراء قضيتها وعدالتها وقوتها. ويشير عبيد الله إلى أن المبدع العربي والفلسطيني هو إنسان حر يؤمن بعدالة قضيته وبحق شعبه في حياة حرة كريمة، خالية من أذى الاحتلال.
وخلص عبيد الله إلى أن قراءات رشيد في كل حال هي قراءات رحيمة بالكتب التي اختارها، بعيدة عن القسوة أو الحدّة. ويمكن أن نصفه بأنه قارئ مثالي أو قارئ "عمدة"، إذا شئنا استعمال بعض تسميات القارئ المتمكن وفق مصطلحات النقد الحديث. يبدأ باختيار العمل الأدبي الذي يتفق مع ميوله وتجاربه، ثم يبدأ بالقراءة الحقيقية بما فيها من تركيز، وإعادة لبعض الفصول والفقرات المهمة. ويسجل ما يستوقفه في مادة الكتاب، بما يبرز خصوصيته على مستوى المضمون أو الأفكار الأساسية التي يعبر عنها الكاتب. كما ينتبه أيضًا للقضايا الفنية المهمة التي تسهم إسهامًا فاعلًا في بناء الكتاب وفي إيصال المضمون المؤثر.
من جانبه كتب النجاب مقدمة يقول فيها إن القراءة والاهتمام بالكتب شكلت جزءًا مهمًّا من حياته منذ الصغر، وتعددت مصادر القراءة وتنوعت، إلا أن المكتبات العامة احتلت مكان الصدارة دومًا، إضافة إلى توفر الكتب في البيت في كل الأوقات، سواء كانت كتبًا لشقيقاته الأكبر منه سنًّا، أو كانت للوالد. حتى نسخ الكتب المدرسية التي كان يؤلفها في مجال الزراعة والأحياء لم أكن لأتركها. ثم أصبح يخصص جزءًا من مصروفه في مرحلة لاحقة. وهكذا نمت العلاقة مع القراءة، ترسَّخت، وتعمَّقت، ولم تكن يومًا مجرد تصفُّح عابر، أو مرور سريع بين الصفحات. وما يزال كتاب أو أكثر يرسخ في الوجدان رغم مرور سنوات عديدة على قراءتها.
ويشير النجاب إلى أن القراءة تنوعت في مصادرها، حيث كان لا بد من التعبير عن ذلك من خلال قراءات لكتب خارج نطاق الروايات. ومن هذه الكتب، شهادة الصحفي الفلسطيني إلياس نصر الله بعنوان "شهادات على القرن الفلسطيني الأول"، حيث شهد نصر الله تغييرات متنوعة الشكل، شديدة الأثر، صاخبة الإيقاع. فترسَّخت شهادات رصدتها عين الطفولة الفضولية المستكشفة المراقبة، وخزنتها في الذاكرة، وشكَّلت مع خبراته اللاحقة (كما سيتضح من خلال المقال) نواة لهذا العمل التوثيقي الرائد.
وخلص المؤلف إلى أن هناك قراءة في مذكرات اثنين من رواد الحركة الشيوعية في فلسطين، في فترة من أقسى الفترات وأشدها وأكثرها تحدِّيًا. وقد أُعِدَّت هذه المذكرات بأقلام لها كثير من المكانة والخصوصية. فقد أعدَّ الشاعر حنا أبو حنا "مذكرات نجاتي صدقي"، بينما أعدَّ الدكتور ماهر الشريف "مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش، كما حظي جزء من مذكرات الشاعر حنا أبو حنا بعنوان "ظل الغيمة" بمكان ضمن هذه المجموعة المختارة من المقالات. فما ضمَّه الكتاب يتعدى السيرة ليشكل قراءة في التاريخ والجغرافيا واللغة وعلم الاجتماع. إنها سيرة شعب ووطن.